تقرير: صلاح مختار
أثارت زيارة وزيرة الخارجية، مريم الصادق المهدي، إلى موسكو، العديد من التساؤلات حول ما يمكن ان تكون الخطوة مقدمة لتحول إلى محور جديد في السياسة الخارجية للسودان, وما فائدة ذلك للحكومة الانتقالية في ظل حضور قوي للولايات المتحدة في الشأن سوداني ووجود غربي خلال مؤتمر باريس.. البعض يتساءل هل يمكن لموسكو أن تضيف شيئاً إلى ملف سد النهضة الإثيوبي بعد الانحياز الذي أظهرته تجاه اثيوبيا أمام مجلس الأمن الدولي؟ وما مصير القاعدة العسكرية التي يسعى الروس لإنشائها في السودان من أجل ضمان نفوذهم في منطقة البحر الأحمر؟ وكيف يمكن أن تكون ردة الفعل الأمريكي تجاه ذلك؟ ربما أجوبة تلك الأسئلة تحملها بنت الصادق وهي تطأ قدماها أرض الروس، ولكن في المقابل لا يمكن أن يفهم التقارب السوداني الروسي بمعزل عن التطورات الإقليمية والدولية في الإقليم والتي بدت واضحة من خلال أجندة الزيارة التي خطت معظم القضايا السياسية والاقتصادية والتعاون بجانب ملف سد النهضة.
برنامج الزيارة
الزيارة التي قامت بها مريم الصادق المهدي غطت معظم الملفات وخلال الزيارة أجرت مباحثات مع نظيرها الروسي سيرغيي لافروف، حول مسار العلاقات الثنائية بين البلدين في مختلف المجالات ومناقشة القضايا الإقليمية والدولية الملحة. كذلك عقدت لقاء مع وزير الموارد الطبيعية والبيئة أليكساندر كازلوف، رئيس الجانب الروسي في اللجنة الوزارية السودانية الروسية المشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي. وبشأن القاعدة الروسية أعربت وزيرة الخارجية عن أملها في المصادقة قريبا على اتفاق إنشاء نقطة لوجستية تابعة للبحرية الروسية على البحر الأحمر، لكنها أشارت في الوقت نفسه إلى أن هذا الأمر يتم وفقاً للقوانين السودانية وهو أمر يتطلب وقتاً. وقالت الوزيرة السودانية “لا يمكنني أن أحدد موعدًا بعينه. نأمل أن يتم ذلك في أسرع وقت ممكن. نحن نلتزم بإجراءاتنا… كل هذا وفقاً لقوانينا وهو أمر يتطلب وقتاً”. وأضافت الوزيرة “ومن المهم للحكومة أن يصب هذا الاتفاق في مصلحة السودان وشعبه ككل، كمدنيين”. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قدم إلى مجلس الدوما مشروع قانون للمصادقة على اتفاقية بين روسيا وجمهورية السودان بشأن إنشاء مركز لوجستي للبحرية الروسية. وحول الملف الاقتصادي، قالت مريم إنها تتوقع توقيع اتفاق تفاهم مشترك بين وزيري المالية السوداني والروسي لإعفاء السودان من دين مهم، مشيرة إلى أنها توافقت مع نظيرها الروسي على معاودة أنشطة اللجنة السياسية التشاورية العليا، واللجنة الاقتصادية لتفعيل العلاقات بين البلدين.
مصالح السودان
ورغم استشعار الخرطوم بأن تحركاتها مع الجانب الروسي له تداعيات على تقارب علاقاتها مع واشنطن، فإن مراقبين لا يرون ذلك باعتبار ان الخطوة تعبر عن مصالح السودان وضرورة أن لا يقع في سياسة المحاور التي قد تكون خصماً على السودان في الوقت الذي يسعى فيه إلى تدعيم علاقاته مع الولايات المتحدة بعد رفعه من قائمة الإرهاب.
ويرى مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية بجامعة أمدرمان الإسلامية د. صلاح الدومة أن الدولة فتحت ثغرة أضعفت من خلالها وزارة الخارجية المنوط بها إدارة الشأن الخارجي وعاب على الحكومة أنها عينت شخصاً ليس لديه خبرة كافية لإدارة مثل هذا المرفق الهام. واعتبر في حديث لـ(الصيحة) زيارتها دليل على ذلك الحديث بأنها ليست لديها خبرة استراتيجية, ورغم أن العلاقات الدولية تضعها مؤسسات وليس شخصاً إلا أن السياسة التي تنفذها وزيرة الخارجية لم تضعها وزارة الخارجية لأنها رغم أن الوزارة تحتوي على خبرات وكفاءات قديمة وذات مستوى عال يمكن أن يكونوا جديرين بالموقع, ولذلك زيارتها تكشفت منها أنها لم تضع استراتيجية للعمل وإنما هنالك خبط عشواء، ولذلك ينتقدها البعض ويطالب الآخرون بإزاحتها من الوزارة. وقال بصراحة” نحن كثوار منحنا الحكومة الفرصة في محاصصة الوزارء وتركنا الحكومة أن تأتي بمن تراه مناسباً في الوزارة وهو خطأ وقلنا ذلك سوء تقدير وجزء من المحاصصات التي تمت وبالتالي الزيارة لا تعني شيئا لشخص لم يدرس دراسات استراتجيجة أبداً إلا اذا كان انتقاماً لذاتها.
سياسة المحاور
ولأن العلاقات السودانية الأمريكية تمر بأحسن حالاتها وأقواها فإن الزيارة شكلت مفاجأة للعديد من المراقبين، رغم ان البعض كان ينادي بأن ينأى السودان عن سياسة المحاور، وبالتالي لا يرى هنالك غضاضة في زيارة وزيرة الخارجية إلى موسكو. ولكن الدومة قال: أمريكا تعي ذلك وتنظر إلى خطوات الخرطوم خاصة إذا كان بمعزل عن مشاورتها وبالتالي لايمكن ان يفوت عليها ذلك، وأمريكا لا يمكن أن تبني سياستها نحو السودان بإخفاقات مع هذه السياسات, ولكن سوف تكون حاسمة في اللحظة المناسبة للحفاظ على مصالحها الاستراتيجية. ورأى في حال تطورت تلك العلاقات فإنها سوف تتدخل للحفاظ على مصالحها في الوقت المناسب, وأتوقع في هذه الحالة إبعادها من المنصب خلال الفترة المقبلة عن طريق الذين يرسمون السياسات الخارجية في الوقت المناسب، وهي مسألة وقت لترتيبات داخلية لأنها غير مؤهلة بأي حال ويجب أن نعترف كثوار هي ثغرة في العمل.
الدعم الدولي
ويقول الدومة إن روسيا لن تضحي بأي حال من الأحوال بأثيوبيا من أجل السودان, في نفس الوقت روسيا ليس لديها ما يمكن أن تدفعه للسودان منذ الاستقلال وحتى اليوم تمنح الخرطوم السلاح ونحن لا نريد سلاحاً وإنما القروش، وقال: نريد شخصاً يدعمنا في المحافل الدولية سياسياً ودبلوماسياً مثلما فعلت أمريكا التي دفعت القرض التجسيري حتى يتم إعفاؤنا من الديون من البنك الدولي، بالتالي هل روسيا يمكن أن تفعل ذلك. وعندما دفعت امريكا 750 مليون دولار لعوائل ضحايا البرجين حتى لا يقاضى السودان هل روسيا يمكن أن تفعل ذلك، روسيا بالطبع لا يمكن أن تفعل لأنها ليس لديها شيء تدفعه للسودان, وروسيا ليس كما يتوقعها الناس لديها مشاكل اقتصادية كبيرة ولا يمكن مقارنتها بأمريكا, بالتالي أي تفكير غير ذلك هي سذاجة ولذلك علينا أن نعيد النظر في التعيين لمنصب وزير الخارجية نتجاوز فيها سلبيات وزيرة الخارجية الحالية.
إصلاح المؤسسات
تلعب روسيا كما قال المحلل السياسي د. أبوبكر أدم لـ(الصيحة)، على وتر الدعم العسكري للسودان فيما تدخل الولايات المتحدة بقوة في اصلاح المؤسسات الدولية الاقتصادية والسياسية والأمنية وهو الجزء المقابل الذي يتلقاه السودان من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، في الوقت الحالي السودان لا يحتاج الى الدعم العسكري وإنما يركز على دعم إصلاح مؤسسات الدولة خاصة الاقتصادية منها, وبالتالي دخول روسيا عبر بوابة القواعد وقع على ذهن الرأي العام بأنها تدعم المكون العسكري الذي أصلاً هنالك عدم ثقة بين المكونين، فوق ذلك هنالك صعوبات في إبرام اتفاقيات عسكرية مع دول غربية حالياً، في وقت تعاني فيه البلاد من مشكلات اقتصادية مستعصية تحتاج إلى مساعدات عاجلة. ولذلك ذاكرة السوداني تتذكر الولايات المتحدة الأمريكية لأنها قدمت القمح ومنحت القرض التجسيري وتعمل مع الاتحاد الاروبي لإعفاء ديون السودان وغيرها من المساعدات بعيداً عن الدخول في صفقات مثل القواعد العسكرية رغم أنها ليست بعيدة من ذهن السياسة الأمريكية التي تعي أن السودان منطقة مطامع كبيرة لدول مثل روسيا والصين وغيرها بالإضافة إلى أطماع أخرى