عبد الله مسار يكتب: من مكارم الأخلاق
أبو نواس شاعر عربي اشتهر في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد، وكان رجلاً صاحب ملح وشعر مُعتق واشتهر بشعر الغزل وكان من سكان الكوفة.
خرج ذات مرة ماشياً في احد أحياء الكوفة في أوائل ذي الحجة، فرأي إعرابياً ومعه غنم يسوقها فأراد أن يستلطف الإعرابي لغة، والعرب عموماً فحول في لغتهم فقال للإعرابي:
أيا صاحب الذود اللواتي يسوقها
بكم ذلك الكبش الذي قد تقدما
فأجاب الإعرابي (شعرا على نفس الوزن والروي)
قال
أبيعكه إن كنت تبغى شراءه
ولم تك مزاحاً بعشرين درهماً
وأجابه أبو نواس (مع جمال في المبايعة شعاراً)
فقال
أجدت هداك الله رجع جوابنا
فأحسن إلينا إن أردت تكرُّما
فقال الإعرابي
أحط من العشرين خمساً لأنني
أراك ظريفاً فأقبضنه مسلما
ثم انصرف أبو نواس
وكان هنالك لفيفٌ من البشر يتجمهرون سمعاً لهذا اللطف في المبايعة والمفاصلة في السعر بالشعر
قالوا للإعرابي أتدري من كنت تكلم؟
قال لا.
قالوا إنه الشاعر أبو نواس.
فما كان من الرجل أن حمل الكبش وأسرع حتى أدرك ابا نواس، فأقسم له إن لم يأخذه هدية منه خالصة ليتركن كل غنمه في الطريق.
فأخذ أبو نواس الخروف
وسأل الإعرابي من أي الأهل أنت؟
فقال الرجل من بأهله أي من قبيلة بأهله.
فقال أبو نواس
وبأهلي من الأعراب منتخب
جادت يداه بوافي القرن والذنب
فإن يكن بأهليا عند نسبته
ففعله قرشي كامل النسب
انظر إلى ظرف المبايعة ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في التاجر الخلوق الودود (رحم الله عبداً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى).
ومن مكارم الأخلاق أن رجلاً عزم الزواج فقال سوف استشير أول من أقابله على قارعة الطريق وآخذ برأيه.
فلما خرج من منزله لقي مجنوناً راكباً قصبه فتقدم نحو المجنون.
فقال له المجنون احذر فرسي لا يضربك.
فقال له الرجل (احبس فرسك حتى اسألك عن شيء).
فأوقفه.
فقال إني عاهدت نفسي ان استشير أول شخص في الطريق لأنني ارغب في الزواج، فكيف أتزوج.
فقال له المجنون النساء ثلاث
واحدة لك
وواحدة عليك
وواحدة لا لك ولا عليك
ثم قال احذر الفرس كي لا تضربك ومضى.
فقال الرجل لم يفسره لي، فلحقه وقال (احبس فرسك فحبسها)
فقرب منه وقال فسِّره لي لم أفهم مقالتك.
فقال له المجنون
أما التي لك، فهي المرأة البكر فقلبها وحبها لك لأنها لا تعرف غيرك، إن أحسنت إليها قالت هكذا الرجال وان أسأت إليها قالت هذا الرجال.
أما التي عليك، فهي الثيب ذات الولد، تأخذ منك وتعطي ولدها وتأكل مالك وتبكي على الزوج الأول.
أما التي لا لك ولا عليك فالثيب التي لا ولد لها، إن أحسنت إليها قالت هذا خير من ذاك.
وإن أسأت اليها قالت ذاك خيرٌ من هذا، فإن كنت لها خيراً من الأول فهي لك وإلا فعليك.
ثم مضى فلحقه الرجل، فقال له ويحك تكلّمت بكلام الحكماء وعملت عمل المجانين.
فقال (يا هذا إن قومي أرادوا أن يجعلوني قاضياً فأبيت، فألحوا عليّ فجعلت نفسي مجنوناً حتى نجوت منهم).
ولذلك قيل خُذ الحِكمة من أفواه المجانين.