الشعبية في الشمالية.. حادث عرضي أم نقل الحرب للمناطق الآمنة
تقرير: صلاح مختار
“الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها”، مقولة يمكن أن تصبح مثالاً لما حدث في منطقة دلقو المحس الواقعة أقصى شمال الولاية الشمالية، كونها لم تكن طرفاً في نزاع أو حرب على مدى التاريخ، ويعرف أهلها بالتسامح والطيبة، لذا فقد هاجر إليها آلاف المعدنين وعشرات الشركات التي تقوم بالتعدين في المنطقة وكل فيها آمن على نفسه وماله. ولم تكن جزءا من الصراع الذي يدور في أي بقعة من بقاع السودان، ولا يعرف أهلها سلاحاً غير العصا وبعض البنادق الخرطوش التي تطلق في حالتين فقط إما للإعلان عن عقد قران تم أو لصيد الطيور.
وعلى غير العادة بدأت الفتنة فيها بنذر مواجهات خطيرة بين سكان منطقة دلقو المحس بالولاية الشمالية مع مجموعة مسلحة تابعة للحركة الشعبية/ شمال التي دخلت المنطقة بحجة حماية مربعات تعدين عن الذهب تتبع لها, لكن الشرطة رفضت أن يكون هناك سلاح تحمله فصائل مسلحة تابعة لحركة مسلحة كون أن حماية المعدنين جميعاً ينعقد لواؤه للشرطة هناك، وتفاقم الأمر وتطور لاشتباكات بالأسلحة أدت لوفاة أحد عناصر الحركة وإصابة عدد من رجال الشرطة وأحد المواطنين.
انفجار الأوضاع في أقصى شمال السودان ودخول الحركة الشعبية في اشتباك مسلح مع الشرطة حفز قرون استشعار العديدين كون أن الوضع مثل نقلاً للصراع إلى منطقة آمنة، لذا فقد استنجد اتحاد أبناء المحس بالحكومة المركزية للتدخل لنزع فتيل الأزمة, وسلم أمس مذكرة لرئيس الوزراء طالب فيه بإيقاف كافة عمليات التعدين بالمنطقة سواء عبر الشركات أو التعدين الأهلي وأمهلت المذكرة حتى منتصف أكتوبر المقبل لتنفيذ القرار.
ترتيب أوضاع
المذكرة التي تحصلت عليها (الصيحة) ألزمت السلطات بإبلاغ المعدنين بغية ترتيب أوضاعهم خلال فترة السماح المذكورة في البيان, إلى جانب اصدار توجيهات ملزمة للأطراف المعدنة بوقف التعدين فورًا في تاريخه. وقالت: من حقها الدفاع عن المنطقة بالوسائل السلمية متى انقضت الفترة المسموح بها. وقالت: عمليات التعدين باتت تشكل انتهاكاً لحق المواطن بالمنطقة متهمة العهد المباد بالعمل بشتى الوسائل على تدمير المنطقة. ووصفت قضية التعدين بأنها مهدد للسلم الأهلي ومرتع لتصفية النزاعات القبلية بين المعدنين ومكان خصب لاستخدام المواد السامة المحرمة دولياً, ودعا الاتحاد إلى حل مشكلة التعدين حلاً جذرياً وضرورة اتخاذ القرارات الصائبة. وأكد القيادي بالاتحاد جمال الدين ميرغني لـ(الصيحة) وقوع أحداث بين الشرطة وقوات الحركة في منطقة دلقو المحس أمس الأول مما أدى إلى إصابة شخص واحد، وقال إن تلك الأحداث تنذر بوقوع مواجهات بين المعدنين وسكان تلك المنطقة.
بداية الحكاية
غير أن الحكاية تبدأ بحسب حديث للقيادي بحزب البعث السوداني محمد وداعة بتوقيع الفريق عمر السيد حسب الله قائد قوات خارج المنطقتين (الجيش الشعبي لتحرير السودان شمال– الجبهة الثورية)، خطاباً لمدير شرطة دلقو، بصورة للمدير التنفيذي لمحلية دلقو، يطالب برد آبار تعدين ذهب في جبل الغزالتين تمت مصادرتها بواسطة شرطة معادن دلقو، بحجة وجود عقد شراء لإحدى الشركات، وأكد أن قوات الفريق اشتبكت مع شرطة دلقو واستخدمت الأسلحة الرشاشة والبنادق الآلية مما أدى إلى سقوط قتيل من القوة المهاجمة (الجيش الشعبي)، وجرح ثلاثة من أفراد شرطة التعدين.
الفتنة نائمة
واعتبر وداعة الصدام في منطقة دلقو المحس بالولاية الشمالية تعدياً، ويرى أن المواجهة بالسلاح بين قوات الحركة الشعبية شمال لا يستهدف مواطنين بالمنطقة فقط، وإنما يخلق أجواء من التوتر والترقب وسط المواطنين الذين استنجدوا بالسيد رئيس الوزراء.
وقال لـ(الصيحة): حتى الآن لا يزال الوضع على حاله على حد وصفه، وأضاف: هناك تساؤلات تبدو مطروحة من الرأي العام عن حقيقة وجود قوات الحركات المسلحة في مناطق التعدين! وهل هذا النشاط الاستثماري منصوص عليه كحقوق إضافية لهذه القوات التي نصت اتفاقية السلام على دمجها في القوات المسلحة أم ماذا؟ وذكر أن حقيقة ما يجري باسم السلام من أطرافه الحكومة والحركات المسلحة يهدد بانفراط الأمن وتحويل نعمة السلام إلى بغضاء وكراهية ستشعل حروبا جديدة.
واختتم وداعة حديثه بأن الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها .
الموقع والجغرافيا
لم تكن محلية دلقو التي تقع في أقصى شمال الولاية الشمالية، طرفاً في الحرب، حيث هاجر إليها آلاف من المعدنين وعشرات الشركات التي تقوم بالتعدين في المنطقة لا يحملون أسلحة خاصة بهم، وتحميهم شرطة التعدين، وهي الجهة الرسمية المسؤولة عن حفظ الأمن في المنطقة.
في نهاية يونيو الماضي، أصدر مجلس وزراء حكومة الولاية الشمالية في اجتماعه الدوري بدنقلا برئاسة والي الولاية بروفيسور آمال محمد عز الدين، مرسوماً مؤقتاً قضى بحظر ممارسة القوات النظامية وحركات الكفاح المسلح لأي عمل بالأصالة أو الوكالة في مجال التعدين الأهلي في الولاية، كما شددت حكومة الولاية على دور شرطة التعدين في تأمين مناطق التعدين، وعلى ذلك فإن استمرار الحركات المسلحة في التعدين يعتبر مخالفة صريحة لسلطة الولاية ولشرطة التعدين وهي سلطة اتحادية، هذا فضلاً عن أن تواجد مسلحين تابعين لأي حركة خارج إطار منطقة الترتيبات الأمنية يعتبر مخالفة لاتفاقية سلام جوبا نفسها.