بيان وزارة الإعلام.. خطط محاربة الشائعات تبدأ العمل بمبدأ “الشر يعم”
الخرطوم: صلاح مختار
قالت الحكومة إنها ظلت تتابع تزايد وانتشار شبكات تعمل عبر وسائط التواصل الاجتماعي بشكل منهجي على إنتاج وبث الشائعات والأنباء الكاذبة السلبية عن البلاد وإثارة الكراهية والنعرات العنصرية والجهوية والقبلية وتشويه صورة السودان في محيطه الإقليمي والدولي. ورأت أن الخطر تمثل في تزايد تلك الأنشطة المتصلة بنشر الإشاعات والأخبار الكاذبة في السعي لتقويض المرحلة الانتقالية وإعاقة استكمال مهام الثورة وبلوغ الدولة المدنية الديمقراطية وبث روح اليأس والإحباط لدى السودانيين والسودانيات، بالإضافة لانتهاك تلك الصفحات لحقوق أساسية لجميع المواطنين تتمثل في الخصوصية والإحساس بالأمان.
وربما أخذت الحكومة الأمر مأخذ الجد، إذ أنها سعت مباشرة للتعامل مع تلك الوسائط بإجراءات بدت عقابية لعدد كبير من المنصات الإعلامية على الشبكة الإلكترونية وكأنها تعمل بمبدأ “الشر يعم” قبل أن تتراجع عنها وتعلن عن اتجاه لتقنين تدفق المعلومات عبر الوسائط الإلكترونية.
الوقوع في الفخ
ربما البيان الصادر من وزارة الإعلام صادف توقيف بعض الصحف الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي لأيام ثم أطلق سراحها بعد جدل قانوني، ويبدو من خلال التمحيص والتصنيف أن بعضها قد وقع في فخ المحظور في نشر الأخبار والقضايا المتعلقة بالحكومة التي ترتبط بشكل مباشر بالفترة الانتقالية.
ويبدو من خلال البيان أن الحكومة الانتقالية اعتمدت وعبر وزاراتها المعنية وبإشراف وزارة الثقافة والإعلام مشروع محاربة الإشاعات الكاذبة بغرض دراسة وتحليل هذه الظاهرة. وفي هذا السياق تم التعاقد مع إحدى الشركات الخبيرة في هذا المجال لإعداد الدراسات والتقارير حول تلك الشبكات وتحليل محتواها وانخرطت الشركة في الأعمال الموكلة إليها خلال الأشهر الماضية. خلصت نتائج تلك الدراسات لوجود شبكات تستهدف السودان بشكل ممنهج بنشر الإشاعات، والأخبار الكاذبة، وتفتيت النسيج الاجتماعي، والتحريض على العنف والكراهية. ارتبطت هذه الشبكات بالنظام المباد، وبعض الجماعات الإرهابية المتطرفة بالمنطقة ذات الصلة الوثيقة بالعهد المدحور الذي قبرته ثورة ديسمبر المجيدة.
محتوى تحريضي
خلصت التقارير التي اعتمدتها وزارة الإعلام بأن معظم الشبكات المذكورة تقوم ببث محتواها التحريضي من خارج الأراضي السودانية انطلاقاً من دول توجد بها عناصر للنظام المباد، أو أنشطة للجماعات الإرهابية. وكشف التقرير بأن مجلس الوزراء وجه بمخاطبة تلك الدول تنبيهاً لها بخطورة تلك الأنشطة ومخاطرها المحتملة، كون تلك الأعمال تتم بواسطة جماعات إرهابية ظل النظام المباد يوفر لها الملاذات الآمنة وكافة أشكال الدعم. وبناء على ما ذكر، تم التواصل مع المنصات المستخدمة من قبل تلك الشبكات بغرض التصدي لأنشطتها المخالفة للقواعد المهنية بعد ضلوعها في صناعة وبث الأخبار الكاذبة.
المساس بالحرية
ولأن القضية ارتبطت بتوقيف بعض مواقع الصحف الإلكترونية الناشطة في تقديم الخدمات الإخبارية فإنها تسببت في نفس الوقت في إحراج كبير للحكومة التي ألمحت في البيان إلى أن الإجراءات التي بموجبها يتم توقيف بعض المواقع لا تستهدف المساس بحرية الرأي والتعبير باعتبارها حقاً أصيلاً كفلته ثورة ديسمبر المجيدة، وتجدد الوزارة في ذات الوقت التأكيد على تعاملها بالطرق القانونية تجاه أي تجاوزات للقواعد المهنية بنشر الإشاعات والأخبار الكاذبة بوصفها في الأساس مخالفة للقواعد المهنية والأخلاقية الحاكمة للإعلام والعاملين فيه، ولا تعد ضمن حرية الرأي والتعبير.
توقيف المواقع
توقيف المواقع السودانية على منصات التواصل الاجتماعي وجد دوياً كبيراً وصدى واسعاً داخلياً وخارجياً باعتبار أن السودان ما بعد الثورة لا يستقيم معه تلك الإجراءات التي تمثل انتهاكاً للحريات، بالتالي لم يخف رئيس الوزراء د. عبد حمدوك في تصريح خص به “السوداني” انزعاجه من الإجراءات الاستثنائية التي طالت بعض المؤسسات الإعلامية خاصة تلك المقننة والملتزمة بقوانين النشر وعلى رأسها صحيفة السوداني. وقال حمدوك: لن يقبل العالم من سودان الثورة أية إجراءات يشتم منها مصادرة حق التعبير وتكميم الأفواه وتقييد الحريات، وأضاف أن الأصل في الديمقراطية هو الاختلاف الذي ينبغي أن تتم إدارته بالحوار، مستدركاً أن أي خروج على قواعد الديمقراطية ينبغي أن يخضع للقانون الطبيعي لا الإجراءات الاستثنائية.
قيم ومبادئ
ولأن الثورة أعطت مشروعية للعمل الإعلامي، فإن البعض لا يرى غضاضة فيما تقوم به الحكومة وفي ذلك يقول المحلل السياسي عبد الله آدم خاطر بأن الحرية التي امتلكناها بمشروعية الثورة لن تتخلى عنها تحت أي الظروف لجهة أن حرية التعبير كما يراها لا تعني الاستهتار بالقيم والمبادئ التي ليست مواجهة للإساءة لفرد أو مجموعة، ونوه أن الوثيقة الدستورية كفلت سيادة حكم القانون واحترام التنوع وأن المواطنة أساس الحقوق والواجبات، وقال لـ(الصيحة): في ظل تلك المبادئ، فإن حرية التعبير واجبة ومستمرة غير أنه قال: أي تلاعب مهني من أجل تقويض النظام الديمقراطي بمداخل تجريمية يجب التصدي لها لأن المعايير الدولية كما قال لا تسمح بذلك سوف يطبق القانون سواء على الصحافة الإلكترونية أو الورقية أو أي وسيلة إلكترونية، وبالتالي لابد من إيجاد مشاركات وليس تحطيماً للمبادئ التي جاءت من أجلها الثورة.
تهديد
كثيرون من المهتمين والعاملين في المجال الإعلامي أصابتهم الدهشة حيال بيان وزارة الإعلام الذي يرى فيه تهديداً مسبقاً للحريات ويشتم من خلفه أن كل ما ينشر مراقب من السلطات المختصة وهو بهذه الطريقة كما يراها أستاذ الإعلام والمحلل د. أبو بكر فيه تراجع للشعارات التي جاءت من أجلها ثورة السودان من أجل الحرية والسلام والعدالة، وقال لـ(الصيحة) الصورة التي رسمها شباب السودان غير تلك التي تقوم على واقع الممارسة على الأرض، وأضاف طبيعي أن يتلون أعداء الثورة ويصطفون خلف كل وسيلة يمكن أن تنقل رسالتهم وبالتالي وسائل التواصل تعتبر واحدة من أدواتهم، ولكن من الصعوبة التعامل معهم بطريقة النظام البائد الذي كان يلجأ إليه كلما ضاقت به، ولذلك من المهم إتاحة المعلومات وكشف الحقائق للرأي العام ومن الخطأ اللجوء إلى التدابير الاحترازية من أجل نفي أو تأكيد خطأ ولذلك من المهم إشاعة الحريات المنضبطة ليكون طريقًا لكل من يسعى ليصطلي بنور الحريات دون المساس بحريات الآخرين ربما ذلك مخرج معافى للكثيرين الذين يرون جريمة في توجهات وزارة الإعلام.