شهدت أزمات الوقود والغاز والخبز مؤخراً، انفراجاً نسبياً؛ حيث بدأت الصفوف من أمام المخابز ومحطات الوقود تقل تدريجياً وتختفي وتتلاشى رويداً رويداً, وهذا الانفراج النسبي كان ثمرة ونتاج السياسات الاقتصادية التي انتهجتها الحكومة مؤخراً، سيما في رفع الدعم عن الوقود والمحروقات البترولية، علاوةً على توفير القمح للمخابز بكميات كافية تفِي بحاجتها، سيما بعد وصول بواخر المعونة الأمريكية المُحمّلة بالقمح دعماً من الحكومة والشعب الأمريكي للسودان!
انتهت قبل زمن أزمة توفر السيولة في الصرافات والبنوك، رغم أنّ الدولار ما زال يُمارس انفلاته وجنوحه وجنونه !
كل هذه الخطوات ساهمت في انفراج أزمات البلاد الكبرى التي ظلّت ملازمة لها؛ منذ تفجُّر ثورة ديسمبر الظافرة إلى اليوم, وهو كما أشرنا انفراج نسبيٌّ وليس نهائياً وكاملاً وكلياً وشاملاً وانجلاءً تاماً للأزمات، فما زالت الصفوف (تطل برأسها) من أمام المخابز ومحطات الوقود في مُختلف مناطق العاصمة القومية !
وتشكر الحكومة والجهات المسؤولة على ذلك الإنجاز المقدر وهي خطوة نحو الانفراج الكامل لأزمات البلاد والضائقة المعيشية؛ وكما يقول المثل السوداني المُعبِّر (العافية درجات)، ونتنمى أن نصل إلى درجة التعافي الكامل وانجلاء الأزمات وانفراجها واختفاء الصفوف نهائياً من أمام (الطلمبات والمخابز)؛ حتى يرتاح الشعب ويجد الخبز والغاز والبنزين متوفراً وبلا مَشقّة !
ولكن حتى نصل إلى درجة الانفراج الكامل للأزمات؛ فإن ذلك يتطلب عملاً كبيراً ومجهوداً شاقاً من الحكومة والشعب كذلك!
فالحكومة يجب أن تنتهج سياسات اقتصادية رشيدة تتركّز حول الإنتاج والزراعة والصناعة وتفجير موارد السودان الضخمة واستغلال إمكانياته الكبيرة, وثرواته داخل وخارج التربة !
فنحنُ قطر زراعي وبلد إنتاج أولاً قبل كل شيء، وحبانا الله بإمكانيات وثروات ضخمة وأنهار جارية وأراضٍ خصبة؛ لا تتوفر في كثير من بلدان العالم؛ علينا فقط أن نعمل على تفجير هذه الطاقات وزراعة مساحاتنا الشاسعة والمُمتدة، فنوفر ما نحتاج إليه من قمح ودقيق وغلال؛ ونخلق وظائف وفرص عمل للجيوش الجرّارة من العطالى وخريجي الجامعات الذين لا يجدون فرص عمل !
وبعد الزراعة وتوفير المحصولات والإنتاج، نتّجه مباشرةً إلى الصناعة وتحويل المُنتجات الزراعية والمواد الخام إلى مواد صناعية؛ مثل الزيوت والسكر والحلويات وغيرها من المنتجات الصناعية المرتبطة بالزراعة !
ويجب أن تنشئ الحكومة المصانع في المناطق الزراعية، فيمكن إقامة مصانع الزيوت في ولاية القضارف التي تعتبر الأولى في إنتاج السمسم بالسودان, وللأسف لا يوجد بها مصنع واحد!
وكذلك يُمكن إنشاء مصنع للعصائر ومنتجات المانجو والمربى في منطقة أبو جبيهة بولاية جنوب كردفان التي تتوفر وتزرع فيها المانجو بكميات كبيرة وبأصناف ممتازة، يُمكن أن تُنافس في الأسواق العالمية، وغيرها من مصانع المنتجات الزراعية في والولايات المعطاءة !
وإقامة المصانع في المناطق الزراعية يُوفِّر الجهد والزمن والمبالغ الكبرى التي تُصرف من خزينة الدولة لترحيل ونقل المنتجات الزراعية من مناطق الزراعة إلى الخرطوم؛ حيث المصانع, وكذلك توفر فرص عمالة ووظائف لأهل المنطقة وتساهم في توطين الصناعة بمناطق الزراعة والإنتاج وتنمِّيتها وتطوِّرها !
ونحن بدلاً من أن نُصدِّر موادنا ومنتجاتنا خاماً، يُمكن أن تُصنع هنا وتُصدّر للخارج وتعود بفائدة أكبر, وبهذه الخطوات وغيرها نحل كل الأزمات الاقتصادية التي تُواجهنا اليوم؛ فنحن قطر زراعي، نحتاج للزراعة والإنتاج والتصنيع لا المعونات والهبات والصدقات من الآخرين !
ويقع على المواطن أيضاً دَورٌ مُهمٌ في معالجة الأزمات الاقتصادية وحل الضائقة المعيشية، وذلك بمراقبة المخابز بغرض حسم أيِّ تجاوزات وتلاعُب في الدقيق مثل التهريب وبيع الخبز المدعوم في الأسواق وأحياناً أمام المخابز، فالدقيق هو حقٌ للمواطن وليس التاجر، وبيعه يعني سرقة وحرمان الكثرين من حقهم !
بهذه السياسات الهادفة وغيرها؛ نقضي على الأزمات الاقتصادية ونقود بلادنا نحو الاكتفاء الذاتي والرفاهية، بل ونصدِّر منتجاتنا للآخرين .