عِندما يستلقي الحُزن على عتبات القلوب، يتعثّر القلم في خطواته ومسارات نبضه، وتتحيّر الحروف المبتلة بالدموع، حتى نكاد نسمع أنين الحزن ولوعة الفراق أثيراً صارخاً فوق السطور.. لكنه لو استطاع أن يحمل كل المشاعر لاحترق الورق، فليس هناك من كلمات ترصد الإحساس ونبض القلوب ولا لغةٌ يوحي بها التعبير، ففي حزن الفراق تُحسب حرقة الأنفاس.. جعل الله الصبر نبراسك والجنه مستقرك ومثواك.
إذن هو الموت.. هو الموت يا أخي وصديقي (انور أحمد محمد النمير).. أتانا حين أتاك.. يا ويح قلوبنا من فرااااقك.. ويا لوعتنا ونحن كلما نلتقيك تغمرنا بقامتك وجمال حُسنك وأنت تنضح حباً ووداً وتواعدنا أن نلتقي وتحدثنا بأدب العارف المستنير.. كم كنت مثقفا تجيد السرد والحكاوي الجميلة.. كم كنت تغمرنا بالضحكات والتعليقات اللطيفة.. وكم حدثتنا على أن نلتقي بك ولكن مشيئة الله وقدره كان لها ما لها.. هو الموت يا أنور.. نحفظ ملامحه جيداً ونعرف أنك لم تهابه يوماً.. لتأتينا به وأنت في سوح الحياة ورغم ابتعادك عنا ومشاغل الحياة وبُعد المسافات لم تخر عزيمتك يوماً ولم تبعدك المسافة من كوستي إلى الخرطوم.. تهاتفنا عند الملمات بحزنها وفرحها تشاركنا فيها إن لم تحضر وكأنك بيننا وأنت بيننا وستظل بيننا كما كنت.. والله نحن في هذه الدنيا رسمناك بلسماً وأنت تأسرنا وصلاً وتحناناً وعطفاً.. ونحن نسمعك بين يوم ويوم ما أن قابلتنا إلا كان همّك وشغلك الشاغل أهلك وتفقد أصحابك ومعارفك.. وها أنت اليوم تركتنا للتواشيح الحزينة وتركت من ورائك فراغاً لا تسده آلاف من سيأتون وراءك.. فالحمل ثقيل والأمانة عظيمة ومَن بعدك سيقدر عليها أيها النبيل..؟
نحن على المواقف.. وأنت في الفردوس الأعلى من الجنة إن شاء الله.. ما زلت على عهدك وما زلنا هنا نبكي وراءك.. نتوق لكم أيها الحبيب.. الصديق.. الأخ.. نتوق لحديثك.. للنبل والجمال وحُسن الطباع.. والتعليقات الأنيقة الجميلة والأدب الجم.. استعذبنا بوحك وصوتك.. ولكن هذا الذي فوق البوح هو أننا ما زلنا مفتونين بصهيل صوتك وجمال طبعك وابتسامتك الجميلة.. وبيان رونقها وشخصيتك الفريدة.. اختطفك الموت وأنه حق عليك وعلينا ولكنه ألم الفراق.. فكم ستشتاق طرقات ديارك لخطواتك.. ولكم ستفتقدك أسرتك وأهلك وأصحابك.
ولأننا أصبحنا نعيش الآن على صدى الذكرى.. ونحلم بعودة زمانها.. نُناجي في الكرى طيفك.. يا مصباح الدجى.. لنأخذ من زيتكم قطرة نضيئ بها دربنا الذي افتقد الضياء بعدكم.. أعلم يقيناً أنك تحتضننا بذات الحضن الدافئ.. والدمع السخين.
إلى كل زملائك ومعارفك وأهلك.. أتيتكم والدمع يشرقني.. والله إننا لمحزونون.. والكمد يحتوينا أجمعين.. أبحث عن الحروف لتسعفني وأنعاه معكم.. فأرجع مخذولاً.. أبحث عن كلمات تغيثني لأعبِّر بها عن لوعتي معكم.. فيرتد الحرف وهو حسيرٌ.. أبحث عن أي بقعة من الأرض تستوعب حُزني وحُزنكم.. فلا أجد إلا متكأً بينكم ليخفف من حُزني معكم.. وأنتم تسكبون الدمعات هطالاً على أخونا أنور.. فأكثروا من قول محاسنه.
(أنور النمير).. نسأل الله تعالى لك الرحمة والمغفرة وأن يكون كل عطائك شفاعة لك ورحمة وبركات.. وها نحن نبكي على الذكرى ونهمهم في كل حين.. (رحمة الله تغشاك أخونا وصديقنا أنور) إلى رب رحيم وجنة عرضها كعرض السماوات والأرض وأن يجعل الله البركة في أولادك ويصبِّر أهلك وكل من عرفك.
(إنا لله وإنا إليه راجعون)
وسلام حتى نلتقيك.
أخوك وصديقك أنس الوسيلة عبد القادر