الحمد لله الذي جعل موكبي الثوار والفلول، يمران دون قتيل واحد. عموماً، عبّر الثوار عن أهدافهم في مناطق متعددة في البلاد، ورفعوا شعارات تنادي بإسقاط الحكومة رغم اختلافنا الجوهري مع هذا الإجراء. ببساطة، لأن هذا الهدف يخدم استراتيجية الفلول بصورة غير مباشرة. وهذا موضوع تطول فيه المحاججة من ناحية المنادين بإسقاط الحكومة، ومن ناحيتنا أيضاً نحن الذين نرى طريقا آخر. إذن فلتكن ديموقراطية الجدل، والحوار، الدائر الآن حول إسقاط الحكومة من عدمه، في مواقع عديدة منصة الاحتكام إلى الشعب. إن أراد خلق ماكنيزمات لإسقاط الحكومة، وإن أراد أبقى عليها.
ومن ناحية أخرى، فإن معارضتنا لإسقاط الحكومة مردها إلى أن هناك إمكانية للكفاح المدني المستمر لنقد المسؤولين، ولمُحاصرة تقاعسهم في بعض الملفات، وذلك في ذات الوقت الذي نحافظ فيه على مكتسبات ثورة ديسمبر. وفي ذهننا أن الثورة ستُواجه حتماً بجيوب مصلحية تقليدية في الداخل والخارج لا تريد التغيير الراديكالي. وهذا أمر طبيعي يتعلق بشكل التعقيدات التاريخية والراهنة المفهومة التي لا تغيب أبداً عن بال الثائرين، فضلاً عن ذلك فإن الأجندات الوطنية، والاستراتيجية، لكل تيار سياسي تختلف بعضها بعضا، ومن هنا تبقى التنازلات من كل طرف ضرورية حتى إن جاءت الانتخابات حسم الشعب خياره.
ولعل الملاحظ أن المنادين بإسقاط الحكومة تيارات سياسية أصيلة، ولعبت دوراً غالباً في التغيير، ويمكن التوصل معها لتفاهم وسط من أجل الوطن، والذي هو بلا شك بحاجة إلى تماسُك كل القوى الديموقراطية التي وقعت على إعلان الحرية والتغيير من أجل حماية أهداف الثورة.
ونعتقد بوضوح أن الحزب الشيوعي، وتجمع المهنيين، وبعض لجان المقاومة، وأفرادا مناضلين آخرين، يمثلون عناصر أساسية ونوعية في طليعة العمل المناضل لإسقاط نظام الحركة الإسلامية، في وقت كان بعض من هم في السيادي، والتنفيذي، الآن ينادون بالحوار مع النظام، ومشاركته انتخاباته. والحاجة لهذه التنظيمات الثورية، والأفراد، جوهرية لخدمة أسس التغيير، وحماية الانتقال، وتوحيد المساهمات الوطنية وصولاً لترسيخ الديموقراطية. ولذلك ينبغي أن يتحرّك الحادبون لاجتراح صيغة وساطة وطنية لتجسير المواقف بين الحلفاء السابقين. وفي سبيل تقوية اللحمة الوطنية لتحالف الحرية والتغيير، وتجديده الذي يصيغ حاضر الوطن، ومستقبله كل شيء يمكن أن يهون. ذلك أن هناك الآن فرصة عظيمة لتحقيق الإصلاح بالعمل المدني الدؤوب، والمُثابر، الذي لا يكل، ولا يمل. والبيئة الديموقراطية في كل الأحوال خصبة إزاء إصلاح الاعوجاج هنا وهناك، وهو كثير، وندركه تماماً. وأمامنا فرص التظاهر السلمي، والإعلام، وإقامة المنتديات، والميديا الحديثة. إذ بالكثير من أدوات العمل المدني المجربة، والتنوير الفكري، والعمل الإعلامي، نستطيع أن نؤثر في ناتج الممارسة، وتوفير الطاقات لحماية الفترة الانتقالية المستهدفة برغبات داخلية وخارجية حتى تحقق كل شعارات الثورة.
لقد انفتحت منذ انتصار الثورة، طاقات كثيفة للعمل المدني بأشكاله كافة. والوثيقة الدستورية أتاحت فرصة للمكون المدني الحاكم لاستغلال مساحات للتغيير داخل الخدمة المدنية. صحيحٌ أنّ ملفات إكمال هياكل السلطة، والاقتصاد، والعدالة، والإعلام، وهناك أخرى، لا تزال متأخرة من جانب الحكومة لأسباب موضوعية، وذاتية. ولن يخمد لنا جفن ما حيينا دون الضغط لمعالجة هذه الملفات انسجاماً مع أهداف الثورة.
أما بالنسبة للإسلاميين فنقول:
كنتم تملكون الدولة كاملةً بجيشها، وأمنها، وشرطتها، وبقية خدمتها المدنية، لمدى ثلاثين عاماً فحوّلتموها إلى ضيعة خاصة بكم. لم تقدموا نموذجاً للتدين مختلفاً عن نموذج آبائكم وأمهاتكم الطيب، ولا نموذجاً للتنمية، ولا سماحة، ولا عدلا، ولا علاقات طيبة مع الجوار من المسلمين. والنصارى.
لم تفجروا أرض السودان وعداً، وتمنٍ. بل أكثرتم فيها من الفساد، وتحوّل الفقير فيكم إلى غني تجوب البحار سفنه. وقتلتم بالآلاف في دارفور، وقتلتم العزل في بورتسودان، والخرطوم، وكجبار، وعذّبتم المعارضين في بيوت الأشباح، وأدخلتم الاغتصاب إلى الزنازين.
وقال الأمير فيكم إن الأسير: “ما تجيبوه حي” فما سألتموه عن خروجه عن معنى سماحة الدين هذا، ولفظتم كل السودانيين بالملايين من ديارهم طلباً للنجاة من قهركم لهم، وظننتم مغترين أن يدكم الباطشة لن تغل، وأن الحياة الرغدة ستدوم، وأن شعبكم استكان للذل، والمهانة، والخوف.
لقد جاء موكبكم هزيلاً بلا معنى، ولا فن، ولا جسارة، ولم يستجب لكم الشعب، فهلا راجعتم هذا الخُسران المُبين..؟