تقرير: أمنية مكاوي
خلال حكم حكومة الإنقاذ للبلاد، كان هنالك كبت للحرية بصورة كبيرة جداً استطاعت هذه التكهنات صنع بصمة لعدم الإعلام واعتراف المواطن به، وقد كانت هذه الصورة واضحة خلال ثورة ديسمبر، عندما كان يهدف الثوار بشعار (ما عندنا إعلام) وعدة شعارات منها شعار (حرية، سلام، عدالة) وهذه الشعارات رفعتها ثورة ديسمبر المجيدة التي أنهت حكم ثلاثة عقود من الزمان للحكومة السابقة التي حدت من الحريات ومارست كافة الأشكال التي من شأنها أن تكبل مسار وطريق الحريات الصحفية، وقد كان في السابق مصادرة عدد من الصحف وأخرى أغلقت أبوابها بالرغم من أنها هي السلطة الرابعة. جاء خلال العام الماضي قطع الانترنت بحجة امتحانات الشهادة الثانوية وحتى هذا العام مدى ثلاث ساعات خلال اليوم. وقد فوجئ الناشرون والعاملون بمواقع الصحف والمواقع الإلكترونية، بإغلاق المواقع تزامناً مع مليونية الـ(30) من يونيو واستمر فيما بعد دون سابق إنذار من الجهات المختصة في سابقة تُعد الأولى من نوعها في حكومة الديمقراطية والحرية، وتشكل خطراً كبيراً على السودان الذي كان يجب أن ينتقل إلى مربع الحريات بالشكل المطلوب لا أن يتراجع خطوات إلى الوراء ليزداد السوء سوءاً، ما دفع البعض للتساؤل عن كنه وأهمية هذه الخطوة التي تجد فيها الحكومة دعماً غير مسبوق من الإعلام ووسائله المختلفة والتي تعتبر هي الكاسب الأكبر لأفضال الثورة والوضع الديمقراطي. فيما أشار البعض إلى التهكم والإشارة بأن الخطوة ردة عن خطوات ومساعي الإصلاح الديمقراطي الذي ابتدرته الحكومة الانتقالية منذ مجيئها وإلى الآن، الأمر الذي يجدد المخاوف لدى الكثيرين بأنه هل من الممكن إعادة سيناريو حكم الإنقاذ وتكميم الأفواه عقب هذه الخطوة ومن يقف وراءها؟
تهديد للأمن
ورغم أن مدير مركز الخرطوم الدولي لحقوق الإنسان في تصريح له نبه إلى أن حرية التعبير تخضع لقيود متروكة لتقدير الحكومة التي يمكن أن ترى أن ما ينشر يمكن أن يشكل تهديدا للأمن القومي، لكنه نوه إلى أن المركز أشار للجهات التي يفترض أن يتم اللجوء إليها من قبل الجهات المعنية بتنفيذ القرار وهي اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بوزارة العدل، المفوضية القومية لحقوق الإنسان، المكتب القطري لحقوق الإنسان. وقال: هي الجهات المعنية بشكاوى انتهاكات حقوق الإنسان والتي يمكن اللجوء لها لرفع الضرر حيال ما يتم من خطوات ضد حقوق النشر أو قرارات حجب النشر ووأد حرية العمل الصحفي والإعلامي.
تشتيت جهود
ويبدي الخبير الأكاديمي والمختص في حقوق الإنسان د. محمد علي استغرابه من خطوة إغلاق المواقع الإلكترونية الصحفية، ويقول: هذه عملية لا تحتاج لتعليق لأنه حق تكفله كل المواثيق، واعتبر محمد لـ(الصيحة) أن ما حدث انتهاك لحقوق الإنسان في ظل رفع الثورة شعارات أولها الحرية، وقال إن ممارسة الحرية حق تقابله واجبات فيما يلي المعايير الصحفية، مبيناً أن الخطوة تحتاج إلى مراجعة لأنها ستقود إلى خسائر، وقال: من الأفضل أن يتم نشر الخبر حتى لا يتم اللجوء للإشاعات. بيد أن مراقبين يرون أن اشتعال المواقع الإسفيرية بالمواد التي يبثها إعلام الحزب المحلول كان يحتاج لقرارات شجاعة تحول دون محاولتهم إرباك المشهد السياسي وتجييرهم مناسبة وإحتفالية ذكرى الثلاثين من يونيو لصالحهم في معركتهم مع حكومة الديمقراطية القائمة.
ويرى هؤلاء أن لا مساحة متوفرة لتلعب الحكومة أو تتحرك فيها لمنع محاولات الفلول للعودة للسطح مرة أخرى، وأشاروا إلى أن الإعلام الجديد يعتبر من الخطورة بمكان لجهة عدم خضوعه مباشرة للمراقبة الحكومية خاصة وأن الانتقالية تمر بمرحلة حرجة لا تتحمل تشتيت الجهود في هذه اللحظة تحديداً.
تشريعات قانونية
بدوره يشير نائب رئيس المفوضية القومية لحقوق الإنسان في تصريح صحفي، إلى أن المواثيق الدولية تكفل الحق في التعبير وبموجبها يخول للأشخاص الحق في النشر والحق في الوصول للمعلومة. وقال: هذا الحق ليس مطلقاً بل يجب أن يقيد وفقاً لإجراءات محددة بموجب القانون، ولكن في تقييد النشر وحجبه، فإنه يشير إلى أنه ليست هنالك تشريعات قانونية تحدد بشكل واضح معايير حجب مواقع التواصل أو الحرمان من الحق في النشر، وأضاف أن حجب مواقع التواصل يعتبر رقابة قبلية، الأمر الذي يشكل انتهاكاً للحق في التعبير ويمكن لكل متضرر اللجوء للمحاكم العادية عبر طرق التقاضي المعروفة من رفع دعوى للمطالبة بالتعويض جراء الأضرار التي تسبب فيها حظر المواقع للناشر والصحافيين، ويضيف قائلاً: أما فيما يتعلق باستمرار الحجب فهو انتهاك للحق في التعبير، وتختص بالنظر فيه المحكمة الدستورية لكنها لم تشكل بعد.
مذكرات للنيابة
وقد قدم عدد من المواقع الإلكترونية اعتذارهم للمتابعين، ومنهم من صرح بصورة مباشرة، فيما انتهجت المواقع الأخرى طرقاً مختلفة، وقد تم الإعلان عن وقفة احتجاجية للعاملين بعدد من المواقع التي تم حجبها من ممارسة عملية النشر الإلكتروني وأعلنوا عن شروعهم في تقديم شكوى للنيابة العامة تتعلق بالاستفسار حول الجهة التي قامت بهذة الخطوة، وأوضح المحرر العام لموقع الحاكم نيوز مروان الريح لـ(الصيحة) ظهر أمس أنه تم رفع مذكرة للنيابة لرفع الحجب عن المواقع، وقال إن النيابة وعدت بمخاطبة المعلوماتية لرفع الحجب خلال 24 ساعة.
وأشار محرر الحاكم إلى أن هذا التصريح أفهمنا بأن عملية الحجب كانت قد تمت بعلم من النيابة العامة وفقاً لهذا التصريح، مستفسراً عبر (الصيحة) عمن وراء هذه الخطوة ولماذا في زمن الحريات والديمقراطية التي لم تكتمل أركانها بعد؟
قرار مؤسف
ويقول الصحفي محمد علي فزاري، إن القرار مؤسف وغير موفق خصوصاً وأن السودان انتقل إلى مرحلة الديمقراطية والحريات والتعبير عن الرأي، وزاد: إن القرار لن يتضرر منه أصحاب المواقع والعاملين بها فقط إنما الضرر سيلحق بالمتلقي السوداني الذي فجر ثورة ديسمبر مبدياً استغرابه من عدم إخطار المواقع بتنفيذ خطوة الإغلاق، وزاد قائلاً لـ(الصيحة): مازال البحث عن الجهة التي قامت بتلك الخطوة جارياً، وأضاف أن كل ما يمكن قوله أن هنالك قراراً صدر بصورة غير رسمية بإغلاق المواقع الإلكترونية فيه إجحاف وردة عن الحريات.