سراج الدين مصطفى يكتب :نقر الأصابع
في تذكار ساقية الإبداع!!
تفتخر توتي بأبنائها من الشخصيات الوطنية والسياسية والأدبية والرياضية والعلمية التي كان لها دور بارز في تاريخ السودان القديم والمعاهد، فقد انجبت البروفيسور داؤد مصطفى الذي قدم للطب في السودان خدمات لا تنسى والذي يعتبر أقدم طبيب سوداني تخرج في أول دفعة من كلية “غردون” سابقاً جامعة الخرطوم الآن.. وابن المنطقة الفريق حسان عبد الرحمن وزير الدفاع الوطني وشخصيات وطنية وسياسية وشخصيات أدبية أمثال الشاعر المعروف مصطفى طيب الأسماء وشخصيات رياضية أمثال أمين زكي لاعب فريق الهلال سابقاً.. وغيرهم كثيرون أنجبتهم جزيرة توتي ووضعوا بصماتهم على خارطة التاريخ في السودان.. واليوم نتوقف عند أبرز من أنجبتهم توتي لفن الغناء.. وهو الفنان حمد الريح.
(1)
فى العام 1940 وبجزيرة توتي الخضراء كان ميلاد الفنان الراحل حمد الريح المبدع الذي انتمى الى اسرة تمتهن الزراعة بتلك الجزيرة وفي هذا الجو كان لا بد له من السير نحو طريق التعلم كعادة وأدب أهله المتصوفة فالتحق بالمدارس النظامية الموجودة آنذاك ووصل حتى المرحلة المتوسطة، برزت قدراته في الغناء في تلك الفترة وهو طالب بالمرحلة الوسطى فكانت ليالي السمر والأنس بالجزيرة الخضراء مهبطاً للفن على ضوء القمر كان رفاقه أحمد محمد الشيخ والزبير عثمان عابدين وغيرهم مرافقين له فظهرت ملامح الجمال الصوتي والقدرات التطريبية العالية، ساعده فى ذلك أداؤه للأناشيد المدرسية وخاصة نشيد (صه يا كنار) و(عصفورتان في الحجاز).
(2)
وتأثر بأجواء الحرية والأهل بجزيرة توتي وكان حمد الريح من أشهر لاعبي الكرة بالمدرسة المتوسطة بفريق أشبال المريخ، يعتبر العام 1957 هو عام انطلاق الفنان حمد الريح بالغناء بجزيرة توتي ويعتبر غناؤه يومها بمناسبة افتتاح نادي العمال بتوتي، تأثر حمد الريح في بداياته بالفنانين خضر بشير وحسن سليمان الهاوي فتغني بأغنيات مثل (قوم يا ملاك والدنيا ليل) و(خدعوك وجرحوا سمعتك).
(3)
شكل حفل نادي العمال بتوتي بداية انطلاقة له، فدفعه أصدقاؤه للتفكير في الولوج الى عالم الغناء عبر الإذاعة فساق القدر للفنان حمد الريح فرصة الظهور عبر الإذاعة وذلك بعد أن دعاه الأستاذ الأذاعى أحمد الزبير عبر برنامجه أشكال وألوان، وقد ظهر الفنان حمد الريح بأغنيات كانت في قمة الغناء وهي (مريا) للشاعر صلاح احمد ابراهيم و(انتي كلك زينة) للشاعر بر محمد نور.
(4)
وعرف حمد الريح بعدة ألقاب منها فنان الجامعة وفنان المثقفين، وتغنى كذلك بالعربية الفصحى (حينما كنت حبيباً)و(أسكنى يا جراح)، تعاون مع عدد من الشعراء عمر الطيب الدوش (الساقية) وعثمان خالد (القلب المقتول)(ويا قلبى المقتول كمد) وعلى الصعيد المهني فقد عمل كأمين لمكتبة جامعة الخرطوم وخلال عمله بها تغنى كذلك بأغنية (طير الرهو) وكلماتها للشاعر إسماعيل حسن.
(5)
وخلال مسيرته الفنية أنتج أكثر من ستين عملاً غنائياً لشعراء غير المذكورين ، مثل عبد الرحمن مكاوى واسحق الحلنقى، وغيرهم، وتعتبر فترة السبعينات أكثر الفترات التى انتج فيها حمد فناً غنائياً ويظهر ذلك من خلال تعاونه مع شركة منصفون التى أنتجت له أكثر من خمسة البومات صعد بها إلى القمة في تلك الفترة، يظل الفنان حمد الريح منذ ظهوره في أبريل 1957 وحتى الآن مثالا لفنان المجدد لغنائه بصورة جعلته يظل في وجدان محبي الغناء.
(6)
عندما اختار الفنان المبدع حمد الريح تلك الرائعة (مريا) كبداية أحبه الجمهوروكان ذلك لسبب مقنع ، وهو أن حمد كان يعمل بمكتبة جامعة الخرطوم العريقة ومن هنا لم يكن الإستغراب وارداً في هذا الإختيار الفني ، فالجمهور طالما عرف موقع العمل الذي ينطلق منه حمد الريح ، فإن ذلك يصبح مؤشراً واضحاً لحسن الاختيار في فن الغناء لأن الجامعة تعني أنها مركز الإشعاع الأدبي والفكري في بلادنا
(7)
حيث كانت تلك السنوات في منتصف الستينيات من القرن الماضي تتسم بأنها كانت المرحلة الفكرية والإبداعية الخصيبة حيث كانت الظروف والإمكانيات المتسعة تجعل الشباب السوداني ينهل من كل مناهل دور النشر في العالم، وكان السودان من أهم مراكز توزيع ثقافاتها المكتوبة، وانطبق علينا ذلك المثل الخالد (القاهرة تكتب وبيروت تطبع والخرطوم تقرأ).