واكبت كل التواريخ والمراحل بكل ثقة وجدارة: المرأة السودانية .. إبداع متجاوز رغم القيود الاجتماعية!!
كتب: سراج الدين مصطفى
(1)
واكبت المرأة السودانية مسيرة الأغنية منذ أمد بعيد فقد ظهرت قبل المهدية وأثناء التركية السابقة) وبعد سقوط المهدية، كانت هناك أصوات نسائية كثيرة نذكر منها على سبيل المثال شريفة بت بلال، وزهراء بت نجدي، ونفيسة البرنديسي، وبت العقاب.. وكان الغناء في هذه الفترة باستعمال الدلوكة والشتم، وظهرت هذه المواكب بجلاء عند ظهور هذا النوع من الغناء الذي اتى به محمد ود الفكي من منطقة كبوشية إلى أم درمان سنة 1910م والذي عرف بغناء الطنابرة وهو نوع من الغناء التقليدي الريفي.
(2)
بعد أن شهدت الأغنية السودانية تلك الطفرة العظيمة على يد الحاج محمد أحمد سرور ورفاقه في العام 1920م شاركت المرأة في هذه المرحلة ومن أشهر مطرباتها الفنانة أم الحسن الشايقية التي قامت بتسجيل أغنية (أم جبين يضوي) على اسطوانة عام 1927م، ثم ظهرت الفنانة مهلة العبادية والتي تغنت بروائعها (الليلة وين يا عنية) و(الوافر ضراعو) و(يسلم لي خال فاطمة). وفي منطقة بري الدرايسة لمع نجم الفنانة فاطمة خميس والتي نالت أغنيتها (سهر المنام لي وحدي) شهرة واسعة خاصة وأنها على إيقاع (التم التم) ذلك الايقاع القادم للسودان من غربه وبخاصة حدوده المتاخمة للكنغو زائير عبر سائقي اللواري وانتشر بكوستي.
(3)
ولعبت تومات كوستي (أم بشائر وأم جباير) دوراً كبيراً في نشره وسط الناس ليصبح غناء الأفراح. وعند تفشي الظاهرة أخذ الكثيرون يطربون لهذا النوع من الغناء وتأثر بعض الفنانين مثل فضل المولى (زنقار) بهذا الايقاع ويظهر ذلك في أغنية (حبيبي غاب في موضع الجمال بلاقيه).. سافر العبادي وود الرضي وسرور وعبد الرحمن الريح إلى كوستي واستمعوا إلى أكثر من إيقاع من التومات، ثم بدأ عبد الرحمن الريح بالمعالجة وكتب خمس اغنيات بهذا الايقاع منها (يامدلل سيب دلالك ده) و(لي زمن بنادي) و(خداري) وقد رددت الجماهير هذه الأغنيات.
(4)
ومن أشهر مطربات (التم تم) رابحة التم تم بالدويم، وساوا بمنطقة أبوروف بأم درمان، وبخيتة أم زميم وقد تغنى حسن عطية بهذا الإيقاع في أغنية (يا صباحي الغزال الفي الضواحي). ومن منطقة العباسية أطلت الطفلة عائشة الفلاتية فكانت المغنية في بيوت الأعراس إلى أن التقت بالأستاذ علي محمود التنقاري، وعبد الرحمن الريح، وأحمد عثمان عيسى، وإسماعيل خورشيد فكانت الروائع (عني مالم) و(ألحان الربيع) و(التجني) و(من دار الإذاعة) وقام بتلحينها الفنان عبد الحميد يوسف.
(5)
شاركت الفلاتية في الترفيه على الجنود السودانيين بشمال افريقيا والحبشة ونظمت وتغنت بخوالد أغنيات الحماس (الله لي الليمون سقايتو علي)، و(يجوا عايدين) والأخيرة هذه ذكر بعضهم أنها من تأليف الصاغ ابوبكر فريد وهذا ينافي الحقيقة فقد ذكرت عائشة الفلاتية وهي على قيد الحياة إنها قامت بتأليف وتلحين هذه الأغنية ولم ينكر ذلك أحد كما أن كلمات الأغنية ذاتها تدل على أنها من نظم الراحلة عائشة الفلاتية
(6)
وفي هذا الصدد نذكر أيضاً رفقاءها في ذلك الزمان الذين نظموا الأغنيات فهاهو الكاشف ينظم ويلحن ويغني (انا والحبيب وين) و(ظلموني الناس)، كما قام أحمد المصطفى بوضع كلمات وتلحين وغناء (الهادية راضية) فلا غرابة من نظم عائشة الفلاتية لما ذكر من أغنيات. كما غنت ثنائياً مع الفنان الدارس لفنون الموسيقى أحمد عبد الرازق الأغنية الشهيرة (الريدة الريدة يا حبيب قلبي) وشاركت في تمثيل أوبريت (سليم وعتينة) مع سيد خليفة، وعلى ذكر أحمد عبد الرازق تستوقفني مناشدة للعميد قاسم بكري بتكريم هذا الرجل الذي قدم (نشيد الأحفاد ونشيد بأيدينا)، ولحن على أيام دراستنا بالأحفاد المتوسطة نشيد أفريقيا الظلال الذي قدمناه أمام وزراء المالية الأفارقة بالمسرح القومي.