الخرطوم.. رشا التوم
شهدت الفتره الماضية تعقيدات وتحديات اقتصادية عرقلت من مسيرة الإصلاح الاقتصادي وعلى أثر الإصلاحات التي اتخذتها حكومة الفترة الانتقالية من خلال رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وتحرير سعر الصرف والوقود ومؤخراً خطوة إلغاء الدولار الجمركي كل ذلك من أجل إعادة الاندماج في المجتمع الدولي عقب العزلة التي امتدت لسنوات وبهدف الحصول على قروض ومنح تجسر فجوة الديون المتراكمة للمجتمع الدولي على السودان وتتيح مجدداً فرص التمويل أسوة وفقاً لمبادرة الهيبك للدول المثقلة بالديون.
وكما أسلفت تلك الإصلاحات، استدعت أن تتطوّع دولٌ بعينها بمد السودان بقُرُوضٍ ومِنَحٍ بمبالغ كبيرة، وأول مبادرة عربية كانت عقب سقوط نظام الإنقاذ السابق قدِّمتها دولتا السعودية والإمارات كمُساعدات مُشتركة للسودان بما قيمته 3 مليارات دولار، تضمنت حزمة العون المشترك 500 مليون وديعة للبنك المركزي لتقوية الاحتياطي النّقدي وإنعاش الجنيه السوداني.
تعهدات دولية
وفي ذات المنحى أكدت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، أن صندوق النقد الدولي قد حصل على تعهدات تمويلية كافية للسماح للصندوق بتقديم تخفيف شامل لديون السودان.
ويعقد اجتماع المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي بشأن تسوية متأخرات السودان لصندوق النقد الدولي ومبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (HIPC) في الـ28 من يونيو الحالي.
وقال البنك الدولي في بيان صحفي أمس، إن 101 دولة عضو في صندوق النقد الدولي تعهدت بتقديم تمويل يزيد عن 992 مليون وحدة حقوق سحب خاصة “أكثر من 1.4 مليار دولار”.
وأوضح البنك الدولي أن هذه الخطوة تُمكن من تسوية متأخرات السودان المستحقة لصندوق النقد الدولي، ما يسمح بتوفير تمويل جديد للصندوق، ويسهل تسليم مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون وغيرها من إعفاءات الديون للسودان ويخلق شروط نمو أعلى وأكثر شمولاً في السودان.
وقال البيان الصحفي، إن جورجيفا رحبت بهذا الإنجاز المهم، مشيرة إلى أن (معلم التمويل اليوم يمثل فرصة تاريخية للسودان للتحرك نحو تخفيف شامل لديون صندوق النقد الدولي والمجتمع الدولي. سيواصل الصندوق دعم السودان في تعافيه من فترة طويلة من عدم الاستقرار والصعوبات الاقتصادية).
وقال البيان إن المدير العام شكر الدول الأعضاء في النقد الدولي على دعمها السخي. وأضاف: (أود أن أشيد بجهود دولنا الأعضاء، بما في ذلك العديد من الاقتصادات منخفضة الدخل، في حشد التمويل للسودان، فضلاً عن التعاون المستمر من العالم. البنك، وبنك التنمية الأفريقي، ونادي باريس، والمفوضية الأوروبية، وشركاء التنمية الآخرين الذين لعبوا دورًا حاسمًا في نجاح هذه المبادرة متعددة الأطراف). وتابع (هذا الإنجاز يمثل اعترافاً واضحاً من عضويتنا بالجهود غير العادية التي يبذلها شعب وحكومة السودان لدفع الإصلاحات الاقتصادية والمالية على الرغم من البيئة الصعبة).
وقالت جورجيفا، إن السودان يقترب الآن خطوة واحدة من الوصول إلى نقطة القرار الخاصة بالبلدان الفقيرة المثقلة بالديون، وهو معلم سيقلل بشكل كبير إجمالي ديون السودان ويسمح بالوصول إلى أموال جديدة واستثمارات جديدة ضرورية لتعزيز النمو ومحاربة الفقر.
خارطة مسبقة
وفي إطار التقييم الاقتصادي للخطوة قال الخبير الاقتصادي بروفيسور عصام الزين إن الإصلاحات التي أجريت في الاقتصاد السوداني تمت وفقًا للخارطة الموضوعة من قبل البنك الدولي بمراقبة الاقتصاد السوداني.
وأكد أن برامج ما يسمى بالإصلاح الاقتصادي مبنية على الواقعية ولا شيء خلاف ذلك بمعنى التحرير الكامل لسعر الصرف بحيث يكون سعر الدولار والوقود والخبز وفقاً لموشرات العرض والطلب دون أي دعم.
وزاد قائلاً الشيء الوحيد الذي كنا نأمل فيه دعم خارجي بقروض ومعونات بنفس الطريقة التي تمت في دول أخرى فمثال لذلك حصلت دولة مصر على مبلغ ١٢ مليار دولار من البنك الدولي وقدمت دول الخليج ٣٠ مليار دولار عقب قيامها بإصلاحات اقتصادية عملت على وقف انهيار الجنيه المصري.
ووصف السياسة بأـنها مقبولة من حيث المبدأ ولكن في المقابل لابد من أن يتوفر لنا دعم كاف.
وأشار إلى أن المبلغ الذي حدده صندوق النقد الدولي ٩٩٢ مليون بجانب القروض التجسيرية من الدول الأخرى في الصندوق حال بدأت فهي خطوة جيدة وبعض الديون لن تعفى ومن المتوقع جدولتها وربما يحصل السودان على قروض تمويلية جديدة حال اقتنع الصندوق بأن السودان سار في الطريق الصحيح للإصلاح.
ونوه إلى أنه فعلياً تم تعويم سعر الصرف وهي أهم المطلوبات.
ولفت الى أن هناك مؤسسات لا هي عامة ولا قطاع خاص يجب خصخصتها.
وأضاف أن السودان أصبح مؤهلاً للدخول ضمن مبادرة الدول المثقلة بالديون “الهيبك” للحصول على الإعفاء للديون.
واعتبر الخطوة انتصاراً كبيراً حال تمت المقارنة مع الأزمة المعيشية والضغوط الاقتصادية وتوقع انفراجاً كبيراً أثرها. وقال هناك ٣٧ دولة افريقية استفادت من البرنامج ولكن وضع السودان ضمن قائمة الإرهاب.
وأكد أن موافقة ١٠١ دولة على دفع مبلغ ٩٩٢ مليون دولار فهو يساوي واحدا على ستين من إجمالي الديون.
ثمن غالٍ
وفي السياق نفسه اعتبر الخبير الاقتصادي د. عادل عبد المنعم الخطوة جيدة من قبل صندوق النقد الدولي مضيفًا أن السودان بذل جهودا كبيرة في الوفاء بمتطلبات الصندوق من خلال تحرير سعر الصرف والوقود ودفع تعويضات الضحايا الأمريكان بمبالغ دولارية ضخمة وإلغاء الدولار الجمركي وعلى أثر تلك الإصلاحات تشجعت المؤسسات الدولية على الخطوة
بجانب ذلك قدمت أميركا قروضاً تجسيرية للبنك الدولي لإعفاء ديون السودان وقدمت باريس مبلغ مليار ونصف المليار، تلك المؤسستين حصلتا على ما تريدان من إلغاء الديون للسودان وفي المقابل دفع الشعب السوداني ثمناً غالياً ولازلنا نعيش آثاره.
وجزم بأن السودان ما كان عليه تقديم هذا القدر من التنازلات للمؤسسات الدولية وكان عليه التمسك ببعض السياسات في عدم تنفيذ كامل الحزمة فتلك المؤسسات أضحت مرغمة لإعفاء السودان من ديونه دون المضي في السياسة إلى نهايتها.
وانتقد خطوة إلغاء الدولار الجمركي والتي تخلف تشوهات ضريبية وجمركية.
وعاب على حكومه الفتره الانتقالية تجاهل ذوي الخبرة والاعتماد على أشخاص قليلي الخبرة في اتخاذ القرارات الهشة وأضاف كان عليهم إقناع الصندوق بطبيعة السودان والتدرج في الإصلاحات.
حلول سهلة
وأشار خبير مصرفي ــ فضل حجب اسمه ــ إلى أن السودان ظل يواجه إشكالات متعددة خلال الفترة الماضية، وقال :هل أصبحت الحلول السهلة هي القروض والمنح للاقتصاد السوداني؟
وزاد: ليست هناك خطة لدى الحكومة في كل الحقب الماضية في كيفية النهوض بالجنيه السوداني منذ انهياره في ثمانينيات القرن الماضي.
فضلاً عن عدم وجود خطة للنهوض به إلا بالحلول السريعة في شكل الودائع والقروض والمنح التي تأتي من الدول الصديقة والشقيقة، لكن السؤال الأهم لماذا أتت هذه القروض والودائع؟ هل جاءت لإنزال قيمة الدولار أو إنعاش الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية لفترة محددة، ثم نعود مرة أخرى للمربع الأول. وقال: دائماً عندما تأتي هذه القروض والمنح والودائع يكون لدى الدولة خطط واضحة ومدروسة وماذا هي فاعلة بهذه القروض، إلا أن تكون فقط لتقوية الجنيه لفترة محددة لا تتجاوز الثلاثة أو أربعة أشهر ويعود الجنيه السوداني لتدني قيمته مشددًا على أهمية الالتزام بخطة لهذه الودائع، لافتاً إلى أن هذه القروض والودائع لأنها تستهلك والآن السودان يعتمد على استيراد المواد البترولية والغذائية والمواد الخام تأتي من الخارج، الميزان التجاري يعاني لفرق يقارب الـ ٦ مليارات دولار، وأوضح أن الحل ليس في الودائع ولا المنح الحل في زيادة الإنتاج والإنتاجية وزيارة حجم الصادرات وتقليل الاعتماد على الخارج في الاستيراد وتوطين الصناعة، منادياً بأهمية الضبط الحكومي في تقليل استيراد السلع الكمالية والاتيان بأفكار حكومية جديدة في كيفية استجلاب الاستثمار الأجنبي ومدخرات وتحويلات العاملين بالخارج وخلق بيئة استثمارية تنعش الاقتصاد السوداني.
وقال: نحن دولة موارد، ولكن ينقصنا التنفيذ ووضع الخطط والتوافق السياسي والاستقرار الأمني حتى ننهض بالبلاد ويعود معافى ووضع أفضل للمواطن السوداني.
ماذا بعد؟
إنّ القروض والمِنَح تسهم في حدوث انفراج جزئي للأزمة بالبلاد، خَاصّةً وأنّ المبلغ الممنوح ليس بالكبير، في ظل ارتفاع حجم الاستيراد بالنسبة للسودان والذي يُقدّر بـ 8 مليارات دولار، وفي المنحى المقابل يجب الاعتماد على الموارد الذاتية للبلاد، خَاصّةً وأنّ المبلغ المدفوع لا يُساهم في مُعالجة مشكلة البلاد الاقتصادية لمحدوديته، ثم ماذا بعد انتهاء الوديعة أو المنحة.
والإصلاح الحقيقي بضرورة الاتّجاه لعمل إصلاحات اقتصادية شاملة لكل القطاعات من حيث الزراعة والصناعة وغيرها، والحراك الحاصل الآن في الساحة سياسيٌّ ولا يُصب في مصلحة الاقتصاد وحل المُشكلة بالرغم من الأسباب التي أدّت لقيام ثورة اقتصادية بسبب وجود عدد من الأزمات، وعلى المسؤولين للالتفات الى القضية الاقتصادية وحل مَشاكلها الأساسية، فإنّ القُرُوض والمِنَح لا تسهم في الحل الجذري لمشكلات البلاد.