حصائل الصادر.. التلاعب بأموال الدولة
الخرطوم: رشا التوم
ليست المرة الأولى التي تتحدث فيها مؤسسات رسمية عن وجود شركات تتهرب من سداد حصائل الصادر، وفي وقت سابق قام بنك السودان المركزي بحظر شركات وأسماء أعمال لعدم التزامها بالحصائل والتي قطعاً أهدرت عائدات مقدرة من أموال السودان.
لم تختلف الصورة كثيراً عن السابق فبالأمس كشف وزير التجارة والتموين علي جدو عن تهرب 402 شركة من تحويل حصائل الصادر للمصارف خلال الفترة من العام 2016م إلى العام 2020م، وقال إن مباحث التموين تلاحق تلك الجهات مؤكداً وضع وزارته ضوابط للتحكم في عمليتي الصادر والوارد.
ولكن يظل السؤال مطروحاً ماذا بعد؟ وهل تفلح الجهود المبذولة في وقف نزيف تهريب الحصائل؟
باعتبار أن إجراءات الحظر السابقة ضعيفة ولا تتبعها ملاحقات قانونية أو عقوبات رادعة تجعل تلك الجهات تتخوف من التهرب من سداد ما عليها من التزامات مالية للمصارف. وفي المرة الأولى قام بنك السودان المركزي بحظر 48 شركة واسم عمل حظراً شاملًا بسبب عدم تسديدها حصائل الصادر في الفترات السابقة، ووجه البنوك وفقاً للمنشور بعدم التعامل معها. وخلال العام 2016م حظر بنك السودان المركزي نحو 32 شركة استيراد أدوية وهمية لاستغلالها نسبة 10% من حصيلة الصادرات غير البترولية المخصصة لاستيراد الأدوية لأغراض أخرى، بمبالغ قيمتها 230 مليون دولار وفي العام 2018 حظر بنك السودان 53 شركة.
وفى أغسطس من العام 2019م حظر البنك المركزي بشكل شامل، 128 شركة من العمل المصرفي، لعدم الالتزام بسداد حصيلة صادرات استحقت لفترات سابقة، فيما أنذر 45 شركة تعمل في قطاع الماشية، وفي 20 فبراير العام 2020م حظر 27 شركة.
وخلال تلك الفترة أعلنت وزارة الصناعة عن إجراءات بشإن عائدات الصادرات والتي أكدت عدم ظهورها في الميزانية السنوية بسبب التهريب، وقطعت آنذاك وزارة الصناعة بالالتزام بمراجعة سجلات المصدرين والموردين ووضع سياسات جديدة لمعالجة هذه المشكلات
إلا أن المتابع لموضوع حصائل الصادر يجد أن الإشكالية ماتزال قائمة.
وأكد الخبير المصرفي طارق عوض لـ(الصيحة) أن خطوة الملاحقة القانونية تعد من الإجراءات المتاحة للبنك وفقاً لصلاحياته وهي الحد الأدني من العقوبات التي تطال الشركات التي تتقاعس عن توريد حصائل الصادر الى البنك في توقيتها المحدد، مبيناً أن بعض الشركات المحظورة تمتلك سمعة جيدة في السوق وحرصاً على سمعتها تسعى على وجه السرعة لحل إشكاليتها وتوفيق أوضاعها بشإن توريد الحصائل، وأشار إلى ما يعرف بـ(الوراقة) وبعض الأشخاص الذين يمتلكون سجلات صادر تستخدم لمرة واحدة ويتم قفل الحساب وهولاء غير متضررين من تبعات الحظر وبعضهم يعود لمزاولة نشاطه باسم عمل آخر، ودعا الى التفكير في وسائل ردع حاسمة وعقوبات جنائية لردع المتلاعبين في حصائل الصادر وطرح تساؤل حول ثم ماذا بعد الحظر؟ مشيراً إلى أن طرق الدفع للحصائل محددة للمصدرين ومرتبطة بتواريخ محددة وفقاً للشهر أو أصول المستندات خلال 60 يوم أو 90 يوماً تدخل إلى البنوك والمصارف المعنية، وهي إجراءات لابد منها، ولفت إلى أن بعض المصارف الممولة تأخذ ضمانات أو شيكات من المصدرين، ولكن ما مدى فعالية أو صحة الإجراء، وهل يشمل كافة المصدرين؟
وشدد على ضرورة عقد المزيد من الورش والحوارات مع الجهات ذات الصلة لمتابعة حصائل الصادر ومناقشة النواحي القانونية والضمانات مقابل الحصائل.
من ناحيته، شن الخبير الاقتصادي عبد الله الرمادي هجوماً عنيفاً على المتلاعبين بحصائل الصادر، وقال لـ(الصيحة): التقاعس عن توريد الحصائل أحد أهم الأسباب التي دعت إلى خلو خزينة الدولة من العملات الأجنبية وجعلتها تضمحل مؤكدًا أن هناك نشاطات لشركات وهمية ابتدعها أشخاص بعينهم بغرض الاحتيال على البنوك وعدم الالتزام بتوريد الحصائل وطالب بضرورة متابعة المسالة قانونياً، ولابد لمسجل الشركات من لعب دور كبير في كشف التجاوزات وتعقب الشركات والمتلاعبين بالحصائل داعياً إلى الضرب بيد من حديد على أيدي الفاسدين بقوة القانون، وقال إن التساهل مع أشخاص مثل هولاء يشجع آخرين للمضي في ذات الطريق، وجزم بأن الحدود المفتوحة احد أهم الأسباب لتنامي عمليات التهريب وضياع عائدات الذهب التي تقدر بـ10مليارات جنيه سنوياً و4 مليارات عائدات المغتربين وبقية الصادرات 4 مليار ات بإجمالي 18 مليار دولار تتسرب من يد الحكومة الى المنتفعين والمتلاعبين، وأوضح أن التساهل مع المهربين والصمت حيال التهريب شجع على الفساد، وزاد قائلاً: يجب إعلان الحرب على كافة أوجه الفساد والمفسدين ووقف نزيف الاقتصاد لأن خزينة الدولة خاوية نتيجة حتمية للتهريب والتهرب من سداد الحصائل وجزم بأن هناك مؤسسات إيرادية ضخمة لا تسدد ما عليها من التزامات للحكومة. ولفت إلى تفشي ظاهرة (السماسرة) وتهرب دافعي الضرائب، وقلل من جدية القوانين لحسم الفساد الذي استشرى على حد قوله مما أهدر موارد البلاد، منوهًا إلى أهمية المتابعة اللصيقة من قبل المؤسسات الحكومية ذات الصلة، وقال إن الأمر بين والإصلاح ممكن، ولكن هل من متعقل؟