قرية ومسيد الصابونابي بسنار..عناق النهر والتقابة والقبة
الصابونابي: نسمة كامل
النهر والتقابة
ما بين نهر ولوح وقبه وتقابة وجدت الصابونابي، إحدى قرى ولاية سنار، حيث السلطنة الزرقاء في الماضي وعاصمة الثقافة الإسلامية اليوم..
هذه المنطقة يحدها النهر من ثلاثة اتجاهات، إذ أنها مصب لمجراه، ولكن أهالي هذه المنطقة جعلوها مقراً لهم وسكنوها منذ قرونٍ طويلة ولا يزال الكثير مستوطناً بها رغم الفيضانات والسيول التي تضربها بين الفينة والأخرى, وتجعلهم يغادرونها إلى حين
محبة وعنفوان!
وعندما تفيض مياه الأمطار يزيد النهر غليانه ويفيض، فيخرجون إلى الأماكن البعيدة عن الماء جماعات متفرقة، حتى يكمل النيل دورة فيضانه، ومن ثم يعودون مرة أخرى إلى منازلهم ويقومون بإصلاح ما تبقّى لهم من الخسائر التي أحدثها الماء الطامح، ومن يقومون باستصلاح مزارعهم وبساتينهم والعودة إلى الحياة الطبيعية الخضراء والزراعة وعناق المزارع والحقول.
مساحات شاسعة!
تشغل الأراضي الزراعية في قرية ومسيد الصابونابي مساحة كبيرة داخل المنطقة وطرفها، وبها العديد من البساتين والجنائن وبعض المشاريع المطرية والمروية.
تمتاز بالطبيعة الخلابة والأراضي الخصبة، والمناخ البارد .
الموز والمنقة!
يعتبر الموز أبرز الصادرات الزراعية ويزرع في مساحات كبيرة، وكان يصدر إلى سوريا وكذلك تزرع المانجو في أراضيها الخصبة.
ويعمل أهل المنطقة على مهنٍ وحِرفٍ كثيرة ومختلفة، فمنهم من اتجه نحو الزراعة والاستثمار والاستفادة من أراضيها الصالحة للزراعة، ومنهم من اتجه إلى التجارة والرعي.
أما من الناحية التعليمية، فتعتبر الصابونابي مركزاً ومنارة تعليمية في قلب ولاية سنار، بها المدارس الأساسية والثانوية، فضلاً عن الخلاوي التي تعلم القرآن وعلوم الدين، وعرف أهل الصابونابي بالعلم والثقافة، وحفظوا القرآن فحفظهم.
الشيخ الصابونابي
كنتُ في جلسةٍ حول أحد المشايخ ومن معه من أحفاده وأتباعه فأخذوا يروون قصة الصابونابي، حيث قال أبو الحسن بن الشيخ بدر، إن لمساجد وخلاوي الشيخ الصابونابي أثراً حضارياً عميقاً، وترجع التسمية إلى السلطنة الزرقاء، حيث قدِم الشيخ سليمان الصابونابي من مدينة دراو من صعيد مصر (جوار أسوان) واستقر جنوب سنار، حيث منحه السلطان أرضاً سكنية جوار النورانية واستقر بها الى أن ورثها أحفاده، منهم الشيخ عبد الله الصابونابي في عهد الثورة المهدية، وخلّف أثنين من أبنائه هما الشيخ مصطفى والمهدي، فتكونت منهما أسرة الشيخ الصابونابي الموجودة حالياً جنوب مدينة سنجة.
الفروسية والشجاعة
ويرجع اسم الصابونابي إلى الجد الأكبر الشيخ سُليمان ولُقّب بالصابونابي لفروسيته وشجاعته وصلاحه.
ومن أحفاد الشيخ محمد “الشيخ أحمد الشيخ المهدي الذي قام بنشر الإسلام واللغة العربية في كل من مناطق جبال الأنقسنا، الكُرمك وشرق السودان .
وللشيخ الصابونابي العديد من الخلاوي ومن ضمن هذه الخلاوي مسجد الصابونابي بالخرطوم جبرة .
كُتب ودراسات
وأضاف، من أهم الكتب التي كتبت عن تاريخ وأسرة الصابونابي “أزاهير الرياض” لعبد المحمود نور الدائم، الذي تحدّث فيه عن تاريخ الصابونابي، أيضاً كتاب “التحفة الذهبية” للدكتور بكري الناير، وكتاب “شعراء المدائح” ومؤلفه قرشي محمد حسن.
ينسب الشيخ الصابونابي إلى قبيلة العوامرة إحدى القبائل القادمة من مصر وشمال السودان.
أصل الصابونابي
عُرفت منطقة الصابونابي قديما باسم (اللمبوه) كمنطقة زراعية، لكثافة غابات السنط، والهجليج، والسدر والطلح، تحولت آنذاك إلى منطقة سكنية في عهد الحكم البريطاني، وقِيل إن المفتش البريطاني كان يقوم بزيارات متتالية، للشيخ الصابونابي ويدعوه للمراسم والأعياد، وكان ذلك قبل الاستقلال، كما كانت له علاقة بالزعيم الأزهري ونميري.
نار القرآن
التُقّابه، شُعلة من الحطب، يوقدونها ليلاً استخدمت قديماً للقِراءَة على الألواح والإنارة، نسبة لعدم وجود الكهرباء في القرن الماضي قبل عام (1984)م، بعدها أصبحت التُقّابة رمزاً للإنارة بعد دخول الكهرباء.
الدواية
الدواية، حبر أسود اللون مصنوع من الصمغ والسكن، وتستخدم القصبة كقلم للخط والكتابة ويزخرفون أطر اللوح بما يعرف “بالشرافة” بمعنى الانتقال من جزء إلى جزء آخر.
فالطالب هنا بعد ختم القرءان يدرس التوحيد والفقه، حيث يتعرف على العبادات، المعاملات، الأحكام الشرعية، الزكاة، وغيرها من العلوم الإسلامية، أيضاً يشمل تحفيظ القرءان العنصر النسائي، حيث هنالك طالبات الدراسات الأكاديمية اللاتي التحقن بالخلوة وحفظن القرءان كاملاً.
القوة والشجاعة
ويضيف بكري الشيخ الطيب قائلاً: يرجع أصل التسمية إلى الشيخ سُليمان، الذي لُقّب بالصابونابي حيث أجداده العامر وعمران، وهم أحفاد الحسين بن علي، وتنسب إليه قبيلة العوامرة، فجاء أحد أحفاد الشيخ سُليمان إلى دولة السودان في بادئ الأمر إلى الخرطوم، ومن ثم إلى السلطنة الزرقاء، ومعه أتباعه وتلاميذه بالإضافة إلى أسرته.
فطلب من السلطان مكاناً يأويه، وكان سلطان السلطنة آنذاك رجلاً ظالماً، ولا يقضي حوائج الناس إلا أن يطلب منهم بعض الأشياء التعجيزية فإن استطاع أحد أن يجتازه يمنحه ما يريد من الأرض، كما فعله مع الشيخ تماماً، حيث طلب منه أن يصرع رجلاً قوياً ضخماً، اتخذ السلطان رجلاً قوياً ليصرعه فتوكل الشيخ وصارعه وانتصر عليه، وعندما جاء إلى السلطان فتعجب منه حائراً كيف لهذا الرجل النحيف أن يصرع القوي.
قال له: هل صرعته؟ قال نعم، وهل أبقيت عليه شيئاً؟ قال لا كما يصوب أن يفعل الصابون بالثوب رأيت لو أن ثوباً متسخاً غُسل بالصابون هل يبقى منه شيء من الوسخ؟ ومن هنا جاءت كلمة الصابونابي.
فقال السلطان انظروا إلى هذا المصوبن مكاناً يأويه هو وتلاميذه، فاختاروا له مكاناً غرب سنار، سكن الشيخ ومن معه إلى أن جاء إحد أحفاده “الشيخ عبد الله”، وكانت المنطقة تقرب للمناطق النيلية ووجود الشيخ في هذه المنطقة تضرر منه الكثير من أفراد المناطق المجاورة، لأن الكثير من الذين أسلموا كانوا يوعون الناس لذلك طمع هؤلاء لما يملكه من ثروة .
طقوس الاحتفالات!
الزفّة، إحدى مراسم الطريقة السمانية، التي يتبعونها وتكون في رابع أيام العيد المبارك، حيث يقومون بإحياء حلقاتٍ من الذكر باستخدام الطبول والسير إلى القُبة.
الزريبة، يوم من أيام الله الخالدات، من مسيد الشيخ الصابونابي وملتقى لجمع المحبين والمريدين في الله سبحانه وتعالى ويحتوي هذا الجمع على حلقات من الذكر والصلاة على رسول الله وتفقد بعضهم البعض وتواصي الحق والصبر الذي وصى به الدين الحنيف، ويقومون بالضرب على الطبول في طرقات وأحياء المنطقة بالأذكار وآخرون يحملون رايات من القماش الأخضر ويأتون من مناطق متفرقة لحضور هذا اليوم المميز. ويتواصل المد الديني ويتبع ذلك التجهيزات والإكراميات من قِبل أهالي المنطقة تهليلاً وتكبيراً ويتكئون بالقرب من الغابة لإكمال حلقات الذكر ومنها السير إلى مقامات الصالحين.
ويعتبر هذا اليوم مجاهدة للنفس الأمارة بالسوء.