سراج الدين مصطفى يكتب.. نقر الأصابع
مسامرات الجمعة
(1)
حكاية عن حبيبتي” التي يغنيها الفنان الكبير أبوعركي البخيت.. هذه الأغنية في نظر الكثيرين من النقاد تعتبر النقلة التجديدية في الأغنية السودانية.. لأنها كنص شعري حفلت بالتجديد المثير والمغاير وحتي لحنها كان يوازيها من حيث التحديث والتجديد في شكل الألحان التي كانت سائدة في ذلك الزمان.. مثلت الأغنية فتحاً جديداً في الأغنية السودانية وانحاز لها الكثيرين ومنهم الصحفي أسامة الخواض الذي كتب عنها وقال بأنها أغنية المستقبل لأن كل مفردة شعرية أو موسيقية كانت فيها قدر من (الشوف) للزمن الآتي.
(2)
قال سعد الدين: حينما عرضت على لجنة النصوص كان الجمهور سمعها وتجاوب معها.. ولكن لجنة النصوص التي كانت تضم وقتها الشاعر الكبير إبراهيم العبادي وعبد الباسط سبدرات ومحمد يوسف موسى ومبارك المغربي رفضوا بعض التعابير مثل (أدتها برتكانة) وكان رأي العبادي أن هذا الكلام ليس منطقياً باعتبار أن منقار الحمامة صغير لا يحتمل وزن البرتقالة.. وسبدرات اعترض على مقطع :
دي الأصيلة الزي الشعاع
تدخل رواكينا وأوضنا
(3)
وبعد جدل طويل مع اللجنة أقنعتني اللجنة بتغيير كلمة (برتكانة) وأكتب بدلاً عنها كلمة (حنانا).. ذلك الموقف كان يمثل عداء سافرا لكل الشعراء الشباب الذين يكتبون (الشعر التخيلي) الذي لا ينتمي للمنطق العادي.. وذلك هو حال الشعر يقلب موازين المنطق ليسود منطقه الخاص الذي لا تحكمه أي أسس أو قواعد ..وحينما يتم الحكم على الشعر بمقاييس الواقع يصبح بلا بصيرة أو أجنحة .. وميزة الشعر أن يحلق في أعلى الفضاءات بلا أجنحة.
(4)
ذات اللجنة رفضت من قبل نص أغنية (يا ضلنا) التي تغنى بها مصطفى سيد أحمد وكتبها يحيى فضل الله .. واللجنة رفضت النص لسبب غريب .. هو أن معانيها غيرة مفهومة.. ورغم أن اللجنة لم تجز تلك الأغنية ولكنها نجحت نجاحاً ساحقاً وتحقق لها الانتشار والذيوع.. وظلت أغنية (يا ضلنا) من الأغنيات العلامات في تجربة مصطفى سيد أحمد لأنها احتشدت بالمفردات والمعاني والمضامين الجديدة التي لم تستوعبها لجنة النصوص.
(5)
العديد من النصوص الشعرية تم رفضها وكان ذلك الرفض سبباً في نجاحها والنماذج كثيرة، ولكن أغنية (أضحكي) هي أيضاً من الأغاني التي تم رفضها من قبل لجنة النصوص.. حيث برروا سبب رفضها بأنها تمس الذات الإلهية في المقطع الذي يقول (ضحكك شرح قلب السما.. ولون سحاب كل الفضا).
(6)
تلك هي الذهنية التي تتعامل بها لجان النصوص.. ولكن يبدو أن تلك الذهنية القاصرة مازالت متواصلة حتى اليوم.. لا تتورع في الوقوف أمام التيارات الشعرية الجديدة ذات النمط الكتابي والحداثي الذي يواكب روح العصر بكل تقلباته.. وحينما ترفض ذات اللجنة أغنيات لمصطفى سيد أحمد أو خالد الصحافة فذلك يعني أن هذه اللجنة (محنطة) وتقف في مكان واحد لم تتحرك منه لأكثر من خمسين عاماً.
(7)
أقول ذلك وفي ذهني الأغنيات التي رفضت اللجنة إجازتها للفنان الشاب خالد الصحافة في إلبوم (صمت العيون) الذي كان من المفترض أن يخرج للناس في توقيت قريب.. ولكن من المؤكد أن تلك الأغاني ستجد الانتشار والتاريخ يؤكد ذلك .. لذلك عليهم أن لا يهتموا بما قالته اللجنة
وستنجح كل الأغنيات التي تم رفضها.
(1)
شعراء وردي.. ما أجملهم!!
من الشعراء الذين بدأ وردي التعامل معهم عقب ثورة أكتوبر الشاعر إسحاق الحلنقي ، وهو صاحب أكثر أغنيات عاطفية غناها وردي بعد إسماعيل حسن. وأول قصيدة غناها له هي (جربت هواهم)، ثم توالت الأغنيات (عصافير الخريف)، (صواردة) ، (دوري يا أيام)، (فرحي خلق الله)، (الحنينة السكرة)، (إستنيني)، ( أقابلك)، (يلا وتعال)، وآخر أغنياته (بالسلامة).. وتمتاز علاقة وردي بالحلنقي بالاستمرارية، وهو شاعر رقيق جداً، ولديه موهبة وملكة وضع الأفكار التي تطرح له شعراً كما يتصورها صاحبها.
(2)
وتبقى العلامة البارزة في علاقته بالشاعر محجوب شريف.. حيث ارتبطوا مع بعض، وبصورة حميمة لأكثر من عشرين عاماً، وبالرغم من فارق السن الذي بينهما وهو الرباط الذي عبر عن نفسه بصورة خاصة في مجال الأغنية الوطنية ولدرجة أن وردي صار يضن بألحانه على شعراء آخرين، ومحجوب شريف يقول إنه يسمع صوت وردي أثناء تأليفه القصائد، كما تم سجنهما سوياً في كوبر أيام نميري..
(3)
ولمحجوب خصاله الشخصية فهو لا يشرب الخمر أبداً، ويدخن قليلاً، هو لا يكذب، ولا يخلف وعداً، ولديه مقدرة عظيمة على رفع الكلفة والتواصل ببساطة مع الأطفال، إلى جانب احتقار عظيم للفلوس والأكل والشرب، وعلى استعداد أن يمشي على رجليه من الخرطوم حتى نهاية أم درمان إلى منزله في الثورة الحارة (11)، ويرفض أن يركب مع وردي قائلاً بتهكم: (يا خي عربيتك المرسيدس دي عاملة زي المرة العزباء .. أحسن أمشي علي رجلي)، وكل ذلك بتلقائية ودون افتعال.