وأدى السيد عبد الله حمدوك القسم رئيساً للوزراء وقبل أن يباشر مهامه ويقدم مثقال ذرة من خردل انطلقت الهتافات (شكراً حمدوك، وكما يقول المثل (قام من نومو ولقى كومو)، وبحكم أنه كان يعمل في أديس أبابا في وظيفة إدارية بالأمم المتحدة التي يتبع لها موظفون كثيرون بمختلف درجاتهم يعملون في دول عديدة وظن البعض أن دكتور حمدوك بحكم شغله لهذه الوظيفة الأممية سيتيح للبلاد فرصاً واسعة للتعامل مع المجتمع الدولي والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ونادي باريس …الخ، وسيحصل على دعم مالي هائل للسودان في زمن قياسي، وأضيف للقائمة آخرون من الذين اعتبروا موظفين دوليين ومنهم دكتور إبراهيم البدوي وزير المالية الأسبق، وتضم القائمة آخرين عادوا من الخارج اعتبروا من أهل الخبرات وبعضهم كان يعمل في بعض الدول الأوربية في مهن عادية، وفات على هؤلاء أن الأمم المتحدة بكافة منظماتها والمجتمع الدولي لا يتعامل مع أفراد بصفاتهم الشخصية، وقد يتيح لهم فرص اللقاءات بشخصياتهم الاعتبارية ويتم كل شيء عبر القنوات الرسمية والأجهزة والمؤسسات وليس في تعاملاتهم الرسمية عشوائية ولا يتعاملون مع الدول عبر الأفراد مهما كان لهم ثقل ذاتي مع شغلهم لأرفع المناصب الأممية، وتوجد نماذج لهؤلاء الأساطين الجهابذة أذكر منهم على سبيل المثال السيد مكي عباس محافظ مشروع الجزيرة الذي عمل بالأمم المتحدة حتى اعتلى موقع نائب الأمين العام للأمم المتحدة مستر داج همرشولد وبعد مقتل همرشولد في حادث تحطم طائرة إبان أحداث الكنغو في عام 1961م كان نائبه السوداني السيد مكي عباس أقوى المرشحين لشغل موقع الأمين العام للأمم المتحدة وكانت تسانده كثير من الدول وعلى رأسها المملكة المتحدة وكان فوزه شبه مضمون، ولكن الحكومة في عهد الحكم العسكري النوفمبري تباطأت في تزكية ترشيحه ودعمه وأدى هذا لفوز المرشح الآخر أوثانت وهو من بورما رغم أن السيد مكي عباس كان هو صاحب الحظ الأوفر في الفوز لكثرة المساندين له باستثناء حكومة وطنه الذي ينتمي اليه. ومن الذين احتلوا مواقع رفيعة في الأمم المتحدة دكتور منصور خالد الذي عمل بنيويورك والجزائر وباريس وجنيف، وكان صديقاً شخصياً لدكتور هنري كيسنجر وعلى معرفة وعلاقات وثيقة بعدد من الرؤساء والزعماء والرموز في مجالات عديدة بالخارج. ومن الذين عملوا بصندوق النقد الدولي الخبير الاقتصادي السيد حمزة ميرغني الذي عينه السيد الصادق المهدي وزيراً للمالية في الفترة بين شهر يوليو عام 1966م وشهر مايو عام 1967م . ومن ذكرتهم كانوا من ذوى القدرات والثقل الذاتي وكانوا يدركون أن المجتمع الدولي يتعامل عبر الأجهزة والقنوات وليس بتأثير علاقات الأفراد..
وفي هذا العهد أعلن أن وزير المالية الأسبق دكتور البدوي كان يعمل موظفاً بالبنك الدولي أو بصندوق النقد الدولي. وأقر بموافقة رئيس الوزراء ومجلس الوزراء زيادة مرتبات الموظفين والعمال بالدولة بنسبة خمسمائة وخمسين في المائة وفرح العاملون بهذه الزيادات وأصبح مرتب العامل القديم سبعة ألاف وخمسمائة جنيه ومرتب الموظف الكبير الذي عمل سنوات طويلة وترقى للدرجة الأولى أربعة وعشرين ألف جنيه، وأدت هذه الزيادات الهائلة لتضخم رهيب وارتفعت الأسعار بصورة جنونية شيطانية، وأصبح دخل العامل القديم في الخدمة مائتين وخمسين جنيهاً في اليوم، وهي لا تكفيه لشراء صحن فول وأصبح دخل الموظف الكبير ثمانمائة جنيه في اليوم وهي لا تغطي قيمة الفطور والمواصلات. وبعد رفع الدعم زاد أصحاب المركبات العامة قيمة المواصلات في كل الخطوط بنسبة مائة في المائة، وكان يفترض أن تكون بنسبة خمسين في المائة.. وتوجد قطط سمان وتماسيح كبيرة جشعة لا تشبع وتتعامل في تهريب المواد الغذائية والأدوية والذهب وتضارب في الدولار وتفعل كل هذا بلا وازع من ضمير ودين وأخلاق ووطنية وإنسانية، والأخطر من هؤلاء المجرمين توجد شرائح اجتماعية كنا ندافع عنها بشدة كبائعات الشاي والقهوة، ولكن جشع هؤلاء فيه مبالغة إذ أن سعر رطل السكر مائة وخمسين جنيهاً ويباع كوب الشاي بسبعين جنيهاً وتم رفعه لمائة جنيه وكوب القهوة بمائة وخمسين جنيهاً أما عن بائعات وبائعي الطعام فحدث ولا حرج وهم يبيعون بأسعار أرقامها فلكية وكنا لا نخوض في الحديث عن الطعام والشراب ونرى في هذا عيباً، ولكن الضرورة اقتضت أخذ جولة قبل كتابة هذا الموضوع وهو شأن عام لا خاص، أما الباعة في الطرقات والمتاجر فإن كلاً منهم بل أغلبهم (يقطع من راسو أي سعر) لعدم وجود حسيب ورقيب مع إحساس عام بالفوضى وغياب الحكومة وفقدان الدولة لهيبتها.. وهذا غيض من فيض، وهناك ملفات الأمن والدفاع، وهي أكثر تعقيداً وملفات التحرشات الأجنبية والسعي لإضعاف السودان توطئة لتقسيمه لعدة دول. والموسف أن ميزان العدالة مختل لتجميد عمل المحكمة الدستورية لمدة عامين مع المماطلة والتسويف وتأخير قيام المجلس التشريعي الانتقالي لئلا تكون هناك محاسبة ومراقبة صارمة ومن الظلم أن نرمي العبء علء فرد واحد والمسؤولية جماعية (وشكراً حمدوك)!