شاكر رابح يكتب.. يا ضابط السجن
في الوقت الذي تبني وتفتتح فيه حكومة الثورة السجون والمعتقلات وتنشئ مزيدا من الأجهزة الأمنية «جهاز الأمن الداخلي» في الوقت نفسه هناك دول كثيرة أغلقت بل حولت السجون إلى متاحف وفنادق للتنزه، وبعض الدول الاسكندنافية في شمال أوروبا تستورد من دول الجوار سجناء لسجونها الخاوية. وكما هو معلوم الدول الاسكندنافية هي الدنمارك النرويج السويد وفنلندا ولا توجد فيها دولة واحدة مسلمة حكمة الله.
ومن المفارقات العجيبة ان يتم افتتاح سجن سوبا وقريباً سجن النيل الأبيض في ظل حكومة تدعي المدنية والديمقراطية وتنشد الحرية والسلام والعدالة، طالما تم افتتاح سجون إذاً لا توجد عدالة لا في توزيع الثروة ولا السلطة ولا التنمية ولا الخدمات، وهذا يقودنا إلى سؤال مهم ما هي الأدوار التي تؤديها السجون؟ بالطبع دور السجون هو إعادة صياغة وتأهيل وتربية وتأديب المتفلتين والخارجين عن القانون وعلى ما يبدو أن السجون في السودان تعيد وتفرخ عتاولة المجرمين ويتم التخطيط لارتكاب الجرائم من داخل السجون وسبق أن تم التعرف على مرتكب جريمة قتل في مدينة بحري وهو يقضي عقوبة السجن في أحد السجون الشهيرة بهذا الفهم الشعب السوداني موعود بالمزيد منها لكثرة المجرمين والمخالفين للقانون.
وفي تقديري عدم الاستقرار السياسي والتشرذم وانقسام أحزاب قحت «الحاضنة السياسية» للحكومة الانتقالية والتباين الشديد لكافة القوى السياسية إضافة إلى تراجع وتدهور الاقتصاد السوداني سبب مباشر في زيادة أعداد المجرمين وتنوع الجرائم. القائمون على الأمر يجب عليهم أن يحتذوا بالتجربة السويدية في هذا الجانب حيث إن السجن يلعب دورًا في الإصلاح والقوانين تعزز الثقة بين المحكوم والسجن حيث كل سجين محكوم بمدة أقل من خمس سنوات يمكنه الذهاب والمبيت مع أسرته مع إمكانية العودة صباحاً كذلك يسمح للطلبة بالذهاب إلى المدارس و الجامعات ثم يعودون إلى السجن بهذه الإجراءات تناقص عدد السجناء منذ العام 2004م، حيث انخفضت نسبة المدانين بتهم السرقة وتعاطي المخدرات والعنف من 60% إلى 12% بيد أن السويد قامت بإغلاق أكبر سجن وحولته إلى فندق خمسة نجوم ومتحف يزوره أكثر من 100 ألف زائر سنوياً وتقام فيه الفعاليات والأنشطة الثقافية والسياسية هذا هو حال السويد حالياً كنموذج للدولة المتقدمة. الغريب في الامر قبل أكثر من مائة عام كانت تعاني السويد من ظروف اقتصادية واجتماعية أجبرت الآلاف على الهجرة للولايات المتحدة.
إيقاف التوسع في السجون يحتاج إلى إرادة سياسية وإعادة وضع مناهج تعليمية جديدة وتنمية بشرية تراعي التنوع وعدالة واحترام لحقوق الإنسان والقضاء على البطالة والتشرد والفقر افتتاح مزيد من السجون والمستشفيات دليل تخلف كلام افتتحت سجناً ببساطة يعني عدم وجود عدالة وافتتاح المستشفيات يعني أن هناك فقرا مدقعا وتدهورا صحيا وبيئيا وانهيارا اقتصادياً.
وطالما الحديث عن السجون هناك قصص حزينة وطريفة وما قصة الشاعر محمد آدم حامد وهو واحد من المبدعين الذين تم اعتقالهم إبان عهد نميري إلا واحدة من القصص الخالدة لارتباطها بالظلم وعدم تحقيق العدالة، والشاعر استطاع أن يشجينا بأعذب الالحان وأجمل الأغنيات يحكي أنه عندما انقلب الحزب الشيوعي على الرئيس نميري تمت اعتقالات لكافة المنتمين والمتعاطفين ومن ضمنهم شاعرنا الفذ محمد وقد فشلت كل المحاولات لإقناع السجان ببراءته وتم حبسه مع الحراسة المشدده خمسة شهور وقيل خمس سنين وهو محروم من زيارة الأسرة فكان ميلاد هذه الأغنية التي ولدت بطعم المعاناة تغنى وأبدع فيها الفنان عبد الرحمن عبد الله والتي تقول:
صبرك لحظه واحده يا ضابط السجن
أزوّد بنظره
وأرجع وانسجن
خمسة سنين طويلة
مرت ليله ليله
ودموع الشوق الهميلة
وري الدمعة الهميلة
تسرح شايله حالي
وتكتب في مثيله
قصة وردة جفت
من فرق الخميلة.