القوات المشتركة.. ميلاد وشيك لمهمة صعبة
تقرير- صلاح مختار
كشف النائب الأول لرئيس مجلس السيادة، رئيس اللجنة الوطنية العليا لتنفيذ اتفاق جوبا، محمد حمدان دقلو “حميدتي”، عن صدور قرارات مهمة خلال الأيام المقبلة تتعلّق بتأسيس القوات المشتركة لحفظ السلام. وقدم “حميدتي” خلال لقاء انعقد بينه ووفد من الأمم المتحدة بالقصر الجمهوري أمس، شرحاً حول سير تنفيذ اتفاق سلام جوبا وناقش القضايا العالقة في تنفيذ الاتفاق. وأعرب “حميدتي”، عن تقدير السودان للدعم الكبير الذي يجده من بعثة (يونيتامس)، وأشاد بالتواصل المستمر الذي تقوم به البعثة مع الحكومة.
وقال رئيس البعثة فولكر بيرتس في تصريح صحفي بحسب صحيفة “الصيحة”، إن “حميدتي” أبلغه أن اللجنة الوطنية العليا لمتابعة تنفيذ اتفاق جوبا للسلام، ستصدر قرارات مهمة خلال الأيام المقبلة فيما يتعلق بتأسيس القوات المشتركة لحفظ السلام التي سيتم تكوينها من القوات النظامية وشركاء السلام. ولفت بيريس إلى أن تلك القرارات سَتَلقى اهتماماً كبيراً من المجتمع الدولي الذي يراقب تطورات الأوضاع في السودان.
تفاؤل
ودعا الخبير العسكري الفريق أول ركن محمد عبد القادر نصر الدين رئيس الركان الأسبق، إلى التفاؤل خيراً أمام عملية تأسيس القوات مشتركة رغم العقبات والصعوبات التي تواجهها وقال لـ(الصيحة): معيار النجاح والفشل نسبي في هذه الظروف مهما عملنا من قوات ونشرنا منها لتأمين المواطنين، وقال إن تحقيق السلام وتوفير الأمن أمر بديهي وحيوي وهام ولا يمكن أن نجعل قبائل وعشائر تعيش مع بعضها البعض ولا يمكن أن نجعل الجيش أمام كل بيت أو على رأس كل بيت أو أمام أي قبيلة في ظل ظروف انتشار السلاح في يد القبائل، وقال أي شخص مسلح مهما عملنا له من معالجات فإن الامور لا يمكن أن تمضي للأمام.
نار الفتنة
نار الفتنة عندما تنتشر لا تبقى ولا تذر خاصة إن كانت الفتنة بين القبائل حصدت نار الفتنة كثيرا من الأرواح مما دفع إلى نشر قوات عسكرية سواء كانت أممية في دارفور مثل قوات اليونميد أو في أبيي مثل قوات اليونيسفا.
ويرى المحلل السياسي د. أبوبكر آدم لـ(الصيحة)، أن نشر القوات الأممية كان القصد منه تحييد القوات المسلحة التي بها عناصر تنتمي إلى قبائل معينة مما يخشى البعض من اتهامهم، ولكن رغم ذلك القوات الأممية فشلت في مهامها وظلت في كثير من الأحداث تقف متفرجة على قتل المدنيين، وبالتالي القوات الأممية كما يفسره البعض أنها جاءت لجمع الأموال وليس حماية المواطن في دارفور.
وقال: حتى مقار تلك القوات لم تسلم من استهداف المسلحين، وأضاف إذا كانت القوات لم تستطع حماية نفسها فكيف تحمي المواطنين، ولكن في ظل تأسيس قوت مشتركة لحفظ السلام في دارفور من الصعوبة تحقيق ذلك، وسبق أن نشرت الحكومة قوات في بعض الإقليم، ولكنها فشلت في مهامها لأسباب منها انتشار السلاح في يد القبائل واتساع رقعة الصراع وبالتالي من الصعوبة تحقيق السلام من دون مراعاة كثير من الأسباب التي أدت إلى اندلاع الحرب منها تحقيق التنمية ونشر الوعي بحرمة الدماء وفرض هيبة الدولة وتفعيل القانون ولذلك أمام القوات المشتركة المزمع الدفع بها بموجب اتفاق وجوبا للسلام في دارفور أن ترسخ قيم الوطنية ودولة القانون.
صعوبات الانتشار
وكانت الحكومة قد أعلنت في وقت سابق عزمها نشر 6 آلاف جندي في دارفور، ويكتمل عددهم لاحقاً إلى أن يبلغ 12 ألفاً بعد الانتهاء من تشكيل القوات المشتركة، ووجه حكام ولايات الإقليم بتوفير مقرات لها، غير أن هناك صعوبات تقف عائقاً أمام تشكيلها، وهو ما كان دافعاً لإرسال دفعة أولى (3 آلاف) انتظاراً لاكتمال وصول باقي القوات.
ويرى مراقبون أن الأوضاع الأمنية في دارفور غير مستقرة في ظل انتشار السلاح على نحو واسع بين المواطنين، وهو ما يفرض وجود قوة لديها إمكانيات تساعدها على التعامل مع أي انفلات، وتهيئة الظروف قبل وصول القوات المشتركة. وتسعى السلطة الانتقالية للإمساك بزمام الأمور في غرب السودان، وهي تعلم أن ذلك يخضع لحسابات عسكرية في ناحية الشرق على الحدود مع إثيوبيا، بما لا يسمح بتشتيت القوات على أكثر من جبهة.
وقال الباحث والمحلل السياسي، الدكتور محمد علي تورشين، إن قوات الدعم السريع التي وصلت إلى دارفور جزء من القوات المشتركة المزمع تشكيلها من قوات الجيش والشرطة والمخابرات والحركات المسلحة، ونتيجة للإشكاليات المتعددة في برتوكول الترتيبات الأمنية وإرجاء تنفيذه إلى ما بعد إعادة تكوين هياكل السلطة تقرر سد الفجوة الأمنية هناك بصورة مؤقتة. وأضاف في تصريح لـ“العرب” أن قوات الشرطة أثبتت عدم قدرتها على التعامل مع حوادث الانفلات الأمني غرب وجنوب دارفور، وتفتقر لوسائل النقل الحديثة وغير مدربة على التعامل مع الاشتباكات القبلية، والأمر يمتد أيضاً للقوات المسلحة التي لديها مشكلات في الكفاءة والتدريب والعقيدة العسكرية.
ضرورة وحتمية
وكان القيادي بتحالف حركات جيش التحرير الموقع على اتفاقية جوبا للسلام، إسماعيل أبو، إبان الأزمة الأخيرة بولاية غرب دارفور قال إن الناس في أمس الحاجة للقوة المشتركة لحفظ الأمن والاستقرار، مؤكداً أن الواقع الأمني في غاية السوء، وأن القوة المشتركة أصبحت ضرورة حتمية، وزاد: هناك انفلات أمني واقتتال قبلي، وأن القوات الأمنية الموجودة عجزت عن توفير الأمن بالصورة المطلوبة لذلك لابد من إيجاد قوات بديلة من قوات الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام في السودان في ظل الصراعات القبلية والانتماءات الموجودة، وقال إنه أصبح هناك مهدد كبير للقوات النظامية أن تقوم بدورها كما ان المواطن يرى أن هذه القوات غير محايدة، لذلك لابد من قوة مشتركة تضم قوى السلام والأجهزة الأخرى. وقال إن استعادة الأمن مربوط بهذه القوة. وكشف إسماعيل من أن اللجنة الفنية المختصة بتشكيل هذه القوات من الحركات المسلحة الموقعة على السلام اتفقت على (40) عربة من كل فصيل وهذا قليل جداً وفقاً لإسماعيل ابو. ولابد من أن يكون هناك قوة ضاربة من (20) ألفاً تبدأ بستة آلاف ثم تكمل إلى (12) ألف جندي حتى يصل العدد للنسبة المقدرة لحماية الإقليم، وقال إنه لا مشكلة من إشراك أي قوات إضافية من حركات أخرى أو أجسام تعترف بها الدولة لأجل حفظ الأمن والاستقرار.
مشيراً إلى أن الدعوة لدخول قوة أممية لحماية الأمن والاستقرار في دارفور غير جديدة لكنها في نفس اللحظة ليست كافية لارساء دعائم الأمن والاستقرار مشيراً إلى الأحداث التي واكبت حضور اليوناميد بدارفور، وقال إن القوة الدولية ليست مهمة بقدر ما أننا في حاجة إلى قوة أممية بقدر ما نحن نحتاج إلى قوة رادعة لحفظ الأمن في دارفور وهذا هو الأهم وفقا لإسماعيل أبو.
(12) ألف جندي:
ووفقاً لاتفاقية جوبا، فإن القوة المشتركة تضم 12 ألف جندي كإطار عام، وقد طالبت حركة تحرير السودان “إحدى الأربعة عشر فصيلاً مسلحاً” ضمن الجبهة الثورية التي وقعت على اتفاق سلام جوبا، بتشكيل آلية بأعجل ما يكون في إطار بروتوكول الترتيبات الأمنية، لتنتشر في إقليم دارفور من أجل توفير الأمن على الأرض وضبط كل مظاهر التفلت وفرض هيبة الدولة. وأوضح رئيس حركة تحرير السودان القائد مصطفى نصر الدين تمبور، أن حسم هذا التفلت يتطلب من الحكومة التحرك لقفل الحدود الإقليمية بدارفور مع دول الجوار في ” تشاد وإفريقيا الوسطى وليبيا وجنوب السودان “، وذلك للحد من انتشار السلاح ولإيجاد سد منيع للذين يعبرون هذه الحدود من المتفلتين والمليشيات. وقال تمبور إن الوضع الأمني لا يحتاج إلى مؤتمرات صلح متكررة وإنما المطلوب تكوين القوة المشتركة وجمع السلاح غير المرخص من كل المواطنين والمليشيات وحصره في أيدي القوات النظامية، على أن يكون هذا الجمع على مرحلتين، الأولى الجمع الطوعي، ثم الجمع القسري بقوة القانون.
وأكد تمبور أنهم الآن بصدد تشكيل القوة المشتركة، وقال إن توفير الأمن مسؤولية يتحملها الجميع بدءاً من الحكومة والحركات الموقعة على بند الترتيبات الأمنية والإدارة الأهلية. وأضاف قائلاً إن تشكيل القوة المشتركة مسألة ملحة لحماية المدنيين، وعزا التأخر في التشكيل لأسباب لوجستية في ظل الوضع الاقتصادي المتردي الذي تعاني منه البلاد.