جرائم الخرطوم ..انفلات أمني أم تعقيدات مرحلة (1)
175 جريمة قتل 22381 سرقة و823 نهب و147اغتصاب أطفال و58 تزييف عملة و1883 مخدرات
خبير قانوني: جرائم الخطف والنهب تقوم بها مجموعات معروفة
انتشار ظاهرة سرقات البكاسي دبل كاب
خبير اجتماعي: الأجانب الذين دخلوا بصورة غير شرعية جزء من جرائم الخرطوم
الشرطة تتهم النظام البائد بالضلوع في عمليات السلب
انتشرت مؤخرًا بالعاصمة الخرطوم جرائم الخطف والنهب والسرقة من قبل متفلتين لا يتورعون عن تنفيذ جرائمهم لا يفت عضدهم ولا يهابون أيًا ما كان ..
يصطادون ضحاياهم بسهولة بعد أن تملكهم إحساس أنهم بمأمن ..
هؤلاء غرسوا الرعب في نفوس مواطني الخرطوم وخلفت جرائمهم ضحايا كُثر مثل طالب جامعة أم درمان الإسلامية الذي أردوه قتيلًا داخل حرم الجامعة وفروا بهاتفه الجوال ..
ومن الجرائم التي هزت الرأي العام مؤخرًا جريمة مقتل الطبيب مجدي ووالدته، حيث دخل الجاني بكل هدوء إلى شقته ونفذ جريمته الشنيعة ..
كما زادت جرائم المخدرات واغتصاب الأطفال وتزييف العملة ..فيا ترى لماذا كل تلك الجرائم وهل هنالك تقصير شرطي أم إن الشرطة أيضًا تعاني وتنقصها الإمكانات ولم تقصر مطلقًا في مكافحة الجريمة بل ونجحت ببراعة في القبض على كثير من المتهمين في ظروف معقدة …
تحقيق ــ محيي الدين شجر
الطالبة الجامعية سهام قالت لي إنها أصبحت تخشى السير في أي مكان بالخرطوم بعد أن تعرضت إلى صدمة مدوية باقتلاع هاتفها الجوال عنوة ورميها على الأرض، وذكرت أنها كانت تسير بالسوق العربي لتفاجأ بأحدهم وهو يقتلع هاتفها بقوة. وأضافت: تفاجأت بالهجوم وأصبت بصدمة شديدة لأسقط على الأرض لا أدري ما حدث وذكرت أن ما حدث لها أدخل الخوف في نفسها وجعلها غير متزنة مبينة أن تلك الجماعات تحتاج إلى حسم من قبل الأجهزة المختصة ..
وزادت قائلة بنبرات حزينة :لم أجد من يساندني أو يدافع عني وفر المجرم بسهولة ..
أخرى تدعى هيام قالت لي: وأنا بالحافلة شعرت فجأة بأحدهم وهو يمسك يدي بعنف بالشباك محاولًا سرقة حقيبتي التي كنت أضعها أمامي ولولا مقاومتي له لنجح في تنفيذ جريمته، وأضافت: أظنه كان يراقب الحافلة وحين توقفت في التقاطع نهض من مكانه وأراد تنفيذ جريمته ..
الطالب الجامعي هيثم قال لي : ثلاثة أشخاص أوقفوني بحجة السؤال ووضع أحدهم سكينًا في ظهري وطلب الآخران هاتفي وفروا بعد ذلك وأوضح أن الخرطوم أصبحت مخيفة للغاية وإن لم تتحرك الشرطة بقوة نحو هؤلاء لتفاقمت الجرائم ولساد قانون القوي يأكل الضعيف ..
الفوضى
الخبير القانوني محمد أحمد عثمان قال لي إن جرائم الخطف والنهب التي تتم بالخرطوم يقوم بها متفلتون رأوا أن البلد تعيش في فوضى وأنهم بعيدون عن العقاب والمساءلة، وذكر أن تلك الجماعات معروفة وهم ما يطلق عليهم بالنقرز وهم جماعات متمردة على القوانين ودائمًا مايظهرون أيام الأزمات ويركزون على النساء والطالبات وينفذون جرائمهم بخطف حقائب النساء وهواتفهن ويختارون ضحاياهم بعد مراقبة ويتحينون الفرسة لتنفيذ ضربتهم والفرار ..
وقال إن دفاتر الشرطة تسجل عشرات البلاغات من قبل المواطنين مؤكدا أن الشرطة في كثير من الأحيان تنجح في الوصول إليهم ..
وقال إن جرائم الخطف والنهب كثرت في الآونة الأخيرة بسبب الظروف الاقتصادية السيئة.
أسواق للمسروقات
الوضع الاقتصادي
الخبير الاجتماعي عمار محمد علي قال إن ازدياد جرائم النهب والسرقات بالعاصمة الخرطوم نتيجة للظروف الاقتصادية المتدهورة لمعظم سكان الولاية وقال إن أسرع وسيلة لجني الأموال كما يظن أولئك المجرمون تكون بنهب الناس أموالهم، وقال إن المشكلة الخطيرة هي أن كل المسروق يتم التصرف فيه بالبيع بسهولة، مشيراً إلى وجود أسواق كثيرة معروفة بأنها أسواق للمسروقات .
الأجانب
وقال إن مرتكبي تلك الجرائم معظمهم من الذين دخلوا البلاد بصورة غير شرعية وطالب الحكومة بضبط الوجود الأجنبي ..
واتفق معه معاوية أبابزيد رجل أعمال وعضو اتحاد اصحاب العمل بقوله إن الوجود الأجنبي بالخرطوم هو سبب أساسي في تفشي الجريمة، وقال إن الدول من حولنا لا تتهاون في مسألة الوجود الأجنبي وتفرض قيودًا مشددة على الوافدين إليها، وقال إن بالسودان ملايين الأجانب يعيشون بلا ضوابط وبلا هويات ويشكلون خطورة على الخرطوم ..
الشرطة تتدخل
بعد ازدياد حالات النهب والسلب والقتل بالخرطوم في الآونة الأخيرة قالت شرطة ولاية الخرطوم إنها وضعت جميع منسوبيها في الاستعداد الكامل في وقت أعلنت فيه ولاية الخرطوم نزول القوات لضبط الشارع العام .
وأوضحت إشارة صادرة عن مدير دائرة الشئون العامة بشرطة ولاية الخرطوم اللواء حقوقي صلاح حسن الطيب أنهم قرروا وضع قوات الشرطة في محليات ولاية الخرطوم في حالة استعداد 100% .
وقال تصريح صادر عن إعلام ولاية الخرطوم إن الولاية شهدت خلال الأيام الماضية حالات عنف متعددة من العصابات والمجموعات المتفلتة على المواطنين وممتلكاتهم وعلى الممتلكات العامة مستغلين توجه الحكومة الانتقالية لحماية الحق في التعبير وعدم التعرض للتظاهرات السلمية عقب القرارات الاقصادية الأخيرة.
واتهم التصريح فلول النظام البائد بالضلوع في عمليات السلب وقال “لازم ذلك تحركات من فلول النظام المباد لخلق حالة من الفوضى، والإخلال بأمن وأمان المواطن في عمل منظم لتشويه سلمية الثورة”.
وأكد البيان أن الأجهزة الشرطية والعدلية بالولاية ستقوم بالتعامل مع هذه المجموعات والعصابات المتفلتة وفقًا للقانون للحفاظ على سلامة المواطنين وصون أمنهم.
سرقات بكاسي دبل كاب
كما انتشرت بولاية الخرطوم هذه الأيام ظاهرة سرقة عربات البكاسي عبر عصابة مدربة تنفذ عملياتها في وضح النهار.
وأشار عدد من المواطنين في حديثهم لـ (الصيحة ) إلى سرقة عرباتهم البكاسي صباحًا.
وكشف عادل القراي موظف ببنك الاستثمار المالي عن سرقة سيارته البوكس من أمام منزله بالطائف الساعة الثامنة صباحًا وقال إن أكثر من عشر سرقات لبكاسي تمت في حي الطائف وإن أحدهم أصيب بجلطة بعد أن رجع من صلاة الجمعة ولم يجد عربته البوكس، وأبان أن أحد ضباط الأمن تعرض لسرقة عربته البوكس قبل أن يتم العثور عليها من قبل شرطة المكافحة بشرق النيل ..
وذكر عادل القراي بأن الذين سرقوا عربته البوكس حسب إفادة أحد الجيران حضروا بعربة بوكس ومنها ذهبوا إلى الرياض لكنهم فشلوا في سرقة بوكس آخر.
وأشاد القراي بشرطة المكافحة وقال إنها تبذل جهودًا كبيرة وتحتاج إلى مزيد من الدعم ..
واستغرب مواطنون تحدثوا لـ” نادوس نيوز” من التركيز على سرقة البكاسي دون غيرها من العربات وطالبوا الشرطة بتكثيف عملها للوصول الى تلك العصابة التي تسرق البكاسي في وضح النهار .. وأبدوا قلقهم من تنامي عمليات سرقة البكاسي بالخرطوم ..
وكشف مصدر شرطي لـ (نادوس نيوز) عن تدوين عشرات البلاغات لسرقات بكاسي بالعاصمة الخرطوم وقال إن هنالك عصابة متخصصة في سرقتها تملك الجرأة لتنفذ عملياتها في وضح النهار ..
تقارير تفصيلية
وأشارت تقارير أمنية تشمل إحصاءات وتحليلات لمعدلات الجرائم بولاية الخرطوم إلى ازدياد جرائم النهب المتسم بالعنف المميت بالعاصمة الخرطوم منذ العام 2020 مما شكل هاجسًا للسكان وتحديًا أمنيًا وسياسيًا للحكومة الانتقالية.
وقارن تقرير لشرطة ولاية الخرطوم بين معدلات الجريمة في الثلث الأول للعام الحالي وبين الفترة ذاتها من العام الفائت، ليثبت انخفاضًا في ارتكاب الجرائم.
وشكا التقرير من نقص تعانيه الشرطة في وسائل الحركة، وتقصير أقسام الشرطة في تغطية كل أنحاء ولاية الخرطوم، وكمثال فإن عدد مواقع التأمين بالولاية يبلغ 509 مواقع منها 363 موقعًا معطلًا.
غير أن اللافت في تقارير لجهاز المخابرات العامة أنها، إلى جانب الإحصاءات، حوت تحليلات وتوصيات اتسمت بالجرأة لمتخذي القرار في الحكومة الانتقالية بالخرطوم.
ويرى والي ولاية الخرطوم أيمن خالد نمر في حديث للجزيرة نت أن ثمة تضخيمًا للجرائم لاستغلال بند الأمن سياسيًا وإثارة الهلع.
وتثير جرائم النهب المتسم بالعنف المميت الرأي العام في مواقع التواصل الاجتماعي، وتعد تحديًا أمنيًا وسياسيًا يتخذ كمؤشر لضعف أو تماسك الحكومة الانتقالية.
عصابات نسائية
وأفادت تقارير لجهاز المخابرات نشرتها الجزيرة بتزايد العصابات بولاية الخرطوم حيث أصبح لديها مناطق مغلقة، وتوقّع حدوث تنسيق بينها للعمل كمجموعات كبرى في النشاط الإجرامي وتبادل المعلومات.
وأكد التحليل الأمني وجود أعداد كبيرة من القوات النظامية وقوات الحركات المسلحة -الموقعة على اتفاق السلام مع الحكومة- تصعّب مهمة الشرطة في التصدي للجريمة، فضلًا عن ظهور تشكيلات نسائية داخل العصابات، مما قد يؤدي لإحداث تغيير اجتماعي كبير في المجتمع.
وأوضح التحليل أن تردي الاقتصاد والغلاء فاقم ظهور المجموعات الإجرامية، كما حذر من انتقال الانفلات الذي شهدته الولايات إلى العاصمة، وانتشار السكن العشوائي بأطراف الخرطوم باعتباره حاضنة للانفلات الأمني.
وأوصت تقارير الجهاز بحصر قوات الحركات المسلحة داخل الخرطوم، وتحديد جدول زمني واضح لعمليات الدمج والتسريح، وإبعاد هذه القوات خارج المناطق السكنية، ومنع القوات النظامية من قيادة السيارات من دون لوحات ومصادرتها.
كما أوصت بالتعامل بحزم مع المتفلتين، وتكثيف الدوريات داخل الأحياء التي تضم أعدادا كبيرة من عصابات”النيقرز”، وتجريم حمل السلاح الأبيض، وحصر حمل السلاح الناري على القوات النظامية.
النهب بالدراجات النارية
وبحسب تقرير شرطة الخرطوم، فإن الولاية خلال الثلث الأول من العام الحالي شهدت 175 جريمة قتل، و22 ألفا و381 سرقة، و823 حالة نهب، و147حالة اغتصاب أطفال، و58 حالة تزييف عملة، و1883جريمة مخدرات.
وأعطى التقرير مقارنة بين فترة التقرير لهذه السنة والفترة ذاتها من العام السابق في جرائم النهب والخطف التي باتت تعرف محليا باسم “9 طويلة” بعد تزايد حالات النهب بالدراجات النارية.
وأوضح أن الثلث الأول من العام الحالي سجل 823 حالة نهب مقارنة بـ1570 حالة في الثلث الأول من العام 2020، بنسبة نقصان %46.9.
وطبقا للتقرير وقعت 196 سرقة سيارة هذا العام، استرد منها 116 سيارة بنسبة% 59، ومقارنة بأشهر هذا العام وقعت 106 سرقات لسيارات في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط الماضيين مقارنة بـ90 سرقة سيارات في مارس/آذار وأبريل/نيسان السابقين.
ويشير تحليل جهاز المخابرات إلى أن معظم سرقات السيارات تتم بدوافع إجرامية لاستخدام السيارة المسروقة في تنفيذ جرائم أخرى.
استغلال سياسي
ويؤكد والي الخرطوم أيمن نمر في حديثه للجزيرة نت أن إحصاءات الشرطة بالفعل تشير بوضوح إلى انخفاض الجريمة مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، لكن هناك محاولات لتضخيم الجرائم وبث الشائعات لاستغلال الأمر سياسيًا وبث عدم الطمأنينة وسط المواطنين.
ويقر الوالي بأن شرطة الخرطوم تعاني من نقص حاد في القوة العاملة، فكل 700 مواطن يقابلهم رجل شرطة واحد، إضافة للنقص الكبير في المتحركات وعدد الأقسام مقارنة بمساحة الولاية وعدد سكانها.
ويؤكد أن حكومته تعمل مع قيادة الشرطة على سد النقص في المطلوبات اللوجستية من متحركات (سيارات ودراجات..) وتأهيل الأقسام والمراكز الشرطية ونقاط التأمين بالأحياء لأن أمن المواطن تنبني عليه كل الخطط الأخرى.
ويشير إلى أهمية إعادة هيكلة قوات الشرطة بعد أن عرضها نظام عمر البشير للتشريد والتخريب والتسييس، وذلك بترسيخ عقيدة جديدة تساهم في بناء دولة القانون المدنية وقيام الشرطة بدورها في صون أمن وسلامة المواطن.
“هزر أمني”
وأحصت تقارير المخابرات العامة نحو 70 منطقة “هزر أمني” في مناطق الولاية الثلاث -الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري- بواقع 24 منطقة بالخرطوم، و24في أم درمان، و21 بالخرطوم بحري.
ومناطق”الهزر الأمني” هي مناطق معرضة للجريمة بحكم موقعها ومستقبلة للجرائم من مصادر جريمة قريبة.
وبحسب تقرير شرطة الخرطوم، فإنه أمكن السيطرة على المواقع المصدرة للجريمة بالأحياء الطرفية، وتكثيف إجراءات المنع في المناطق المستقبلة عن طريق أحزمة أمنية فاصلة.
وحدد التقرير أسباب جرائم النهب في الدراجات النارية غير المقننة وانتشار السلاح الأبيض مما دفع الشرطة لتنظيم حملات مصادرة، ومراعاة زيادة الانتشار الشرطي في أوقات عودة الموظفين وطلاب الجامعات.
وأثبت تقرير المخابرات أن السلاح الأبيض هو المسيطر في ارتكاب جرائم القتل، وكمثال فإن جرائم القتل العمد سجلت 38 حالة خلال مارس/آذار الماضي، منها 30 حالة قتل بآلة حادة.
وعكس تقرير الشرطة صعوبات لوجستية تواجه عناصرها بولاية الخرطوم
وأوصى بزيادة وتحديث أسطول سيارات الشرطة “دوريات ونجدة”، وتوفير دراجات نارية جديدة للعمل في الشوارع ومنع جرائم النهب والخطف.
وأورد أن عدد الأقسام الجنائية 101 قسم بمحليات ولاية الخرطوم، لكن الحاجة تتطلب المزيد لتغطية دائرة الاختصاص، وطلب إنشاء 7 أقسام كمرحلة أولى بالمواقع الطرفية، وتأهيل 19 قسم شرطة، وتشييد 4 أقسام لحماية الأسرة والطفل.
كما أوصى التقرير بتوفير 101 سيارة حادث جديدة بأقسام الشرطة، وأفاد بأن العمل جارٍ مع حكومة الولاية ورئاسة الشرطة ولجان خدمات الأحياء لصيانة 363 موقع تأمين من جملة 509 مواقع لا يعمل منها سوى 140 موقعا فقط.
ويشير إلى أن قطاع النجدة يعمل بأقل من نصف قوته بعدد 64 سيارة من أصل 148 مركبة بنسبة تشغيل %43 فقط، وعليه يحتاج إلى 100 سيارة جديدة لتحقيق الانتشار الشرطي الفاعل.
ويضيف أن “قطاع السواري” “الحراس الذين يمتطون الخيل” يحتاج لرفده بخيول جيدة وتهيئة الإسطبلات وتوفير الرعاية البيطرية.
وبشأن الاتصالات يوصي بتوفير 150 جهاز قصير المدى ثابتًا، و300 جهاز قصير المدى متحرك ومثلها أجهزة يدوية، و32 جهاز طويل المدى ثابتًا و30 مثلها متحركًا.
ونسبة لتمدد الولاية الجغرافي، طلبت الشرطة إضافة 817 كاميرا مراقبة وما يلزمها من أجهزة طاقة شمسية، وتوفير تكاليف إعاشة المنتظرين بأقسام الشرطة.