هبوط الطيران الإسرائيلي بالخرطوم.. تدشين التطبيع!
تقرير- عبد الله عبد الرحيم
لم يعد السير في مساعي إحلال التطبيع مع إسرائيل انتهاكاً لحقوق الشعب السوداني لجهة أن إجراءاته تمضي سراً بين الأطراف المختلفة في السودان وإسرائيل، فقد تشربت الساحة من هذه المغالطات السياسية منذ البدايات الأولى التي بدأت فيها التمهيد للعلاقات المشتركة إلى أن تم الاتفاق سراً بين البلدين، تلك العلاقات التي قسمت الساحة السياسية لنصفين أحدهما يرى أن الاقتراب أكثر في العلاقات مع إسرائيل لا يتقبله الشعب والجمهور السوداني بحكم الثوابت الدينية التي عاش عليها. ولكن أيضاً في نفس الوقت يرى الطرف الثاني، أن الابتعاد عنها يفقد السودان مقدرات كثيرة يمكن أن يتحصل عليها وينالها بسبب مكوثه تحت ربقة نظام بائد ساده كدولة لأكثر من ثلاثين عاماً، أقعدته كثيراً عن مجاراة الدول والوصول لما وصله غيره من تنمية واستقرار اقتصادي وغيره.
وترى هذه الجماعة أنّ في الأصل أن يتم الموضوع بشفافية تامة بشأن العلاقة مع إسرائيل. وبالأمس كشف الاعلام الاسرائيلي عن رحلة غامضة قامت بها طائرة كانت مخصصة لرئيس الموساد السابق يوسي كوهين إلى السودان. وأكد مراسل التلفزيون العبري إيتاي بلومنتال، في تغريدة له، تكتمت الحكومة الإسرائيلية الجديدة عن تفاصيلها وأوضح أن الطائرة أقلعت عند الساعة التاسعة صباحاً إلى الخرطوم وعادت من رحلتها إلى تل أبيب التاسعة مساء نفس اليوم. بينما يقول الصحفي الإسرائيلي شمعون آران، إن الرحلة التي يكتنفها الغموض تشير لاستمرار العلاقات بين اسرائيل والسودان.
فما هي طبيعة الزيارة؟
عبور “بوينج 737”
لم تكن هذه الطائرة الأولى التي تحط في مطار الخرطوم، فقد حلقت أول طائرة إسرائيلية، لأول مرة، في نفس الشهر من العام الماضي، في الأجواء السودانية، في طريقها إلى أوغندا، بحسب إعلام عبري. وقالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” إن الطائرة التابعة لشركة “إلعال” مرت فوق أجواء السودان، في طريقها من مطار بن غوريون الدولي في تل أبيب إلى مدينة عنتيبي. وأوضحت أن الطائرة “بوينج 737” ستقل في طريق عودتها 153 مواطناً أوغندياً، سيحضرون دورات متقدمة في الزراعة ضمن برنامج أطلقته وزارة الخارجية الإسرائيلية. وبفضل المرور فوق السودان، تم تقصير مسار الرحلة بنحو نصف ساعة مقارنة بمسارات أخرى. وهذه هي المرة الأولى التي تحصل فيها رحلة تجارية تابعة لشركة طيران إسرائيلية على تصريح بالمرور عبر أجواء السودان والذي على الرغم من اتفاق التطبيع لا تربطه حتى الآن رسمياً علاقات مع إسرائيل، بحسب الصحيفة. وفي يونيو، حصلت طائرة خاصة إسرائيلية على الموافقة للعبور في أجواء السودان، بينما كانت في طريقها من الأرجنتين إلى تل أبيب. وختمت الصحيفة بالقول “يدور الحديث الآن عن مسار يتوقع أن تستخدمه شركات الطيران الإسرائيلية إلى وجهات في أفريقيا. فيما نفت وزارة الخارجية السودانية وقتها أنها لم تتلق طلبًا بعبور طائرة إسرائيلية للأجواء السودانية. وكان قادة الولايات المتحدة وإسرائيل والسودان قد أعلنوا في بيان مشترك في الثالث والعشرين من أكتوبر لعام 2020، عن توصل الخرطوم وتل أبيب لاتفاق سلام بينهما. وتم رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بعد اتفاق التطبيع، لتصبح بذلك الدولة العربية الخامسة التي تعلن تطبيع العلاقات مع إسرائيل بعد مصر والأردن والإمارات والبحرين.
أول هبوط عقب التطبيع
وفي مايو العام 2020م اضطرت الحكومة السودانية للتعليق على الأنباء التي أفادت بهبوط طائرة إسرائيلية في مطار الخرطوم. ونفت الحكومة السودانية ما أوردته مصادر إسرائيلية بهبوط طائرة إسرائيلية من طراز N84UP في مطار الخرطوم، حيث أفاد مراسل هيئة البث الإسرائيلي شيمون آرون في تغريدة على حسابه في تويتر إنها طائرة خاصة، لكن المتحدث باسم مطار الخرطوم الدولي محمد المهدي عابدون نفى في تصريحات إعلامية تلك الأنباء قائلا: “لم تهبط أي طائرة إسرائيلية اليوم بمطار الخرطوم.. ليس لدينا أي رحلات مجدولة بمطار الخرطوم”. وتأتي هذه التطورات بعد يومين من إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إجراء اتصال هاتفي مع قيادات إسلامية لتهنئها بعيد الفطر، بينهم رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان. وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد ذكرت في مارس أن طائرة إسرائيلية عبرت الأجواء السودانية بعد أيام من لقاء فريد جمع نتانياهو والبرهان في مدينة عنتبي الأوغندية.
توابع التطبيع
وكانت الخرطوم طبقاً لموقع (فرانس بريس)، قالت إنها أعطت الطائرات الإسرائيلية موافقة مبدئية على الطيران في الأجواء السودانية، بيد أن الأمر تطور لاحقاً عقب اكتمال حلقات التطبيع بالتوقيع على اتفاقية إبراهام للسلام مع اسرائيل وأصبح ربما من الممكن استقبال الطيران الإسرائيلي في إطار اكتمال حلقات التطبيع عقب اجتماع البرهان مع نتانياهو في أوغندا. بيد أن بعض خبراء في مجال الطيران المدني وصفوا في حديث لـ(الصيحة) عبور الطائرات الإسرائيلية الأجواء السودانية أو استقبالها في مطارات السودان يعتبر ناتجا عن عملية التطبيع للعلاقات بين إسرائيل والخرطوم. وأكدوا أن الخط الجوي قلص الرحلة من إسرائيل إلى أمريكا الجنوبية والدول التي تقع في الغرب الأفريقي، وقالوا إن المجال الجوي السوداني يوفر للخزينة الإسرائيلية مبالغ كبيرة، ورأوا أن استقبال الطائرة الإسرائيلية تطور طبيعي للنقاش علناً الذي بدأ بين الجانبين في لقاءات بدأت بعنتبي واستمرت بواشنطن إلى أن تطورت لاحقاً للتوقيع على اتفاقية إبراهام للسلام مع إسرائيل. وقالوا إن الأمر يأتي في إطار التطبيع حيث أن هناك الكثير من الاتفاقيات المشتركة والثنائية التي قد تأتي بعد تلك الخطوة. ولم يستبعدوا أن وصول الطائرة الإسرائيلية تحمل مسؤولاً إسرائيلياً رفيعاً إن كان أمنياً أو استخباراتياً من الموساد بحسب ما ذكره الصحفي الاسرائيلي، مشيرين إلى أن ذلك يأتي من صميم عمل الدوائر ذات الصلة في الحكومة السودانية.
ولم تنف أو تؤكد الخرطوم ما أعلنته وسائل الإعلام الإسرائيلية حول استقبالها لطائرة تحمل مسؤول الموساد السابق والذي يبدو أنه قدم للخرطوم في مهمة سرية تتعلق بخطوات السلام المتعثرة بينهم وبين الفلسطينيين.