الحكايات، الشخوص، مشينا بها فضاءات العالم
عرس الزين جائزة أفضل فيلم لمهرجان الفيلم العربي بباريس
عرس الزين محط أنظار السينمائيين والنقاد والجمهور في مهرجان (كان) السينمائي الدولي، وشكّل إضافة كان يمكن أن يكون لها ما بعدها للسينما السودانية
مسرحية عرس الزين تضيء فضاء القاهرة ومهرجانها العالمي للمسرح التجريبي
(عدت إلى أهلي يا سادتي بعد غيبة طويلة، سبعة أعوام على وجه التحديد، كنت خلالها أتعلم في أوروبا. تعلمت الكثير، وغاب عني الكثير، ولكن تلك قصة أخرى).
عدتُ يا أحبائي إلى (لندن) ذاك الصيف مبكراً، قلت ألحق المطر، خاصة أول الصبح، فتوحات الفجر تسعد النفس بالمشي تحت الأشجار، وتبتل أكثر، وتلك من منحنيات الفرح في الداخل قبل الطريق، وتشتاق للتلاقي، أصنع التصاوير في المسافات بين سكني، غير بعيد من حديقة (بيز وتر) الأشهر، وشارع (إدجور رود) ، أبني في المسافة بفرح صوري عنهما، أحبابه، وهم كُثر، بعضهم مشوا معه سنوات عمر، وآخرون حديثو مودة عنده، عرفوها واقتربوا منه، اقترب أكثر، كنّا كعادتنا نلتقي، نجتمع عند الحبيب، مركز الحُسن، يمسك خيوط الود، ويبادلها بين الأحبة، يجدد فيها .
سيدي ومحل ودي الطيب صالح، قدس الله سُرَّه، ظل لسنوات يجمعنا عنده، نأتي من كل بحر عميق، وأراضي الله واسعة، خضراء وصحراء وغير ذلك .
وتلك السنوات تفرقنا المدن والأقطار، نقطعها المسافات البعيدة، ونعبئ الطائرات والسفن، نختار القطارات أحياناً، وما كنتُ أقربهم ولا أبعدهم عنه.
يوم أكون في البقعة المباركة، فتلك حكاية، أعود إليه بالأوراق الأكثر، وكتب ومطبوعات، أقلها وزناً، لكنها أفخمها علوماً ومعارف، بعضها بحوث ودراسات عن أعماله، ومشروعات تخرّج لطلاب الآداب، ومحبي إنتاجاته الإبداعية، وفيها حكايات لا يتيح الهاتف لأصحابها استكمالها، آخذها عنوة، وبلا تردد، وبرغبتي أحيانا كثيراً، أسعد بها، لأنه يبتسم عند جرد حساب (البوستة) القادمة من البلد، يصرح لي بالاطلاع على بعضها، ما دامت مفتوحة الأظرف، وفيها مشتركات بيننا .
أكون قد ذهبت في اتجاه مدخل الشارع العتيق، كثير الزحام، إلا في بدايات الفجر، تقل الأرجل وتنقطع تماماً، توصد المقاهي والمطاعم أبوابها لساعات، لتستعد لاستقبال غدٍ جديد، بزبائنها الجُدد، أكثرهم ليسوا من سكانها، أجانب من فجاج الأرض، عرب، أفارقة، أفارقة سود .
أكون مشيتُ مبتعداً عن السور المخضر، والناس في ذاك الصيف مشوا على أطرافها الحديقة الكبرى (هايد بارك)، فيها من كل شيء الألوان، وتصاريف من الألوان، ألف وألف.. .
سيدي الطيب صالح، أول مرة أنظر رسمه في اسمه على سطح كتاب. وسنوات العمر وأنا نبحث عن تركيز الانتباه. والبيت والمكتبة فية حاضرة، جمعت، وكما قلت قبلها، بين علوم الباطن والظاهر، فقه ومعارف، وأدب، وعلوم معاصرة، الحساب والجبر، وبعض أوراق عن الفلك والسماء، كلمات تصفها بالزرقة، وتشير في أوراق إلى أسباب تكوينها، تبدو لي في بعدها أقرب إلى كونها ممكن الوصول إليها، تتهادى فيها أطياف السحاب، ألوانها تتدرج، فتفتح لك آفاق اللون، فتعرف التنوع، وتعتمد التعدد عندك منهجاً وطريقاً. وأمام تلك الساعات فيها أيامي الأولى في مكتبة بيتنا الكبير، مشيت إلى سطح الكتاب و(عرس الزين) مكتوبة بعناية، حروفها وقتها وعندي غريبة، لم أعرف للخط العربي اختلافات في الرسم، الألف عندي قائم، واحد، ممتد، والسين بسنونها تحفر في كل كلمة ما توحي به لمعانٍ، حيثما نضعها في خانة الحرف المفضي للمعنى المعبّر عن حالة كوننا نكتب الآن، كما أفعل، أستذكر لسيدي الطيب صالح قدس الله سُرَّه، تصاوير تخرج ما بين صلب الفكرة، وترتيبك لوقتها في المسافة. وأنت ترد للرجل فضلاً كبيراً في مسيرة انشغالك بفنون الأداء ثم بعدها عشق الحرف والكتابة.
التقينا أول مرة، وقد جاء يزور موقع التصوير لفيلم (عرس الزين) للمخرج الكويتي الصديق (خالد الصديق)، صاحب الفيلم الكويتي الأول (بس يا بحر)، بطولة الصديق الفنان الكويتي الجميل محمد المنصور.
وكنتُ تلك الأيام طالباً أدرس فنون الأداء بمعهد الموسيقى والمسرح يومها، وحكاية اختياري لأداء شخصية (الزين) في الفيلم فيها الكثير، وكما يقول هو دوماً، وتلك حكاية أخرى.
ظللت لأيام وأشهر التصوير ما بين الخرطوم والشمالية، حريصاً على الذهاب لمواقع التصوير، بذات أزياء الشخصية، ظننت يومها أن ذاك يساعد على التشخيص، في ذاك الصباح كنا نصوّر جنوب الخرطوم في منطقة (التريعة) غير بعيد من (الكلاكلة)، كان قد وصل قبلي، وأنهى تصوير مقطع، استخدم بعدها في الترويج للفيلم.
جالسًا على الأرض كان، الجلباب الأبيض والعمة، والبسمة موحية، تدرك معها أماناً وراحة.
مشيت إليه، وقف أمسك يدي، وهي في حالها ذاك قليلة اللحم موفورة العضم، نظر ثم نظر وابتسم، وخرجت الكلمات، الشهادة المحفزة، والسبب في تحسين الأداء بعدها لمشاهدي كلها، وكأنها الكلمات فتحت بيني والشخصية أبواباً، وأدخلتني في ويهابها، دهاليز (الزين) المبروك، كنت كلما تعبت أعيدها، أدرك طاقة في روحي، وترتد إليّ عافيتي، أجري، أقفز، أفعل ما فعله (الزين) بقوة ورشاقة ومحبة.
قال ولم يترك يدي، أو تفارقني نظراته
(ده لقيتو وين الخالق الناطق الزين) بعدها بسنوات، يوم التقينا نشهد معاً أول مهرجان سينمائي لي في العالم ذهبنا إلى (تونس) الخضراء، والفيلم كان يفترض عرضه في برنامج المسابقة الدولية لمهرجان (قرطاج ) السينمائي، وجلسنا في مقهى فندق (مريديان) الأشهر في شارع الحبيب بورقيبة. وتونس العاصمة صباحها مغاير، والشارع الفسيح يمور بالناس، ناس وناس، من كل مكان كانوا فيها ذاك الصباح. سينمائيون وأهل إعلام وصحافة، ومتابعون ومحبون لفكره وما يكتب، كان تلك الأيام أشهر من نجوم السينما. وفتيات في حُسن الورد، يعرضن علينا الياسمين، فترق للحالة كلها، وأيامي تلك كنت جديد التعلق بالمدائن، بأنوارها، وأشكال العمارة في اختلافاتها، منفتحاً باستعداد مبكّر لقبول الآخر، كثير النظر إلى جمال وحُسن جديد علي، ودنياي الجديدة .
تلك أيام سفري الأولى، وما عرفت غير البحث والتمعن، ثم النظر وإعادة النظرة. والفيلم يقول لي تفضل، أمشي إلى طريق العالم والأوساط الفنية فيه، بالفن بالتمثيل، ثم اُحِسِن الحضور، نعم تُحسِن وتشكل حضورًا فريدًا، يدفعهم للنظر إليك من بين فناني العالم، مرحبين وهم أكثر سعادة، قبلك سبق أن حققوا لمبدعين من أفريقيا والشرق الأوسط فرص قبول ونجاح كبرى. ثم أضاف وهو يقف، لا تتردد، الفرصة الآن عندك، لا تنتظر، أمشي نحوها. وعاد يجلس، صمت وأضاف واثقاً، وكانت بعدها كلماته مصدر ثقتي في خطواتي وترحالي ومشاركاتي الإقليمية والدولية.
( شوف يا الزين، هذا هو الزين كما تخيلت وكتبت، مبروك يا الزين).
ومشيت بسرعة أخرج من تصاويري الأقدم تلك، نحو موعدنا في المطعم العربي الأشهر في (لندن)، يحتفي بحبيبنا وضيوفه، ويحجز الموقع الذي عرفه لسنوات، ويجهز من مطبخ جمع فنون الطهي العربية بأنواعها أشهى الأطعمة. يتوسط شارعنا الأحب (ادجور رود) غير بعيد عن مركز الزحام والدنيا الممتدة طولًا في شارع (أكسفورد).
جئت في موعدي تماماً، لم يسبقني إلا هو، صامتاً يحدق في مسافة بعيدة، أظن، لما وصلت انتبه، وقف، أخذني إليه في رقة، تعرفها عنده، سالمني كما نقول، سلام الأب للابن، وإذا تمعنت وقتها، الجد.
وإن كانت الفكرة عندي أن شخصية الجد في (موسم الهجرة للشمال) تباعد بيني وبينها شدة وتوحش في لغة، مع غير أصحابه، وترتقي قليلاً بمحنّة ظاهرة مع (محيميد) .
وقف (مريود) ولم يجلس، يواصل في الترحاب، بوصول أول من دخل، (الشيخ الحنين)، مصور وملوّن العصر، الفنان العالمي الأستاذ إبراهيم الصلحي. وجلسنا، وكأن الأحباب أتاحوا لنا فرصة أن نحكي قليلاً قبل وصولهم، والحكايات كثيرة، والشكاوى متبادلة، ومواعيد العيادات ومقابلات الأطباء الدوري في الجداول، وضحكنا، وفاضت المآقي بدموع الفرح. نعم، ومنذ أن اقتربنا، أو كما قال هو مرةً في مصر، والقاهرة تستضيف المؤتمر التأسيسي لمنظمة الفكر العربي، مبادرة خلاقة، تركت ما بعدها، لسيدي صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الرحمن، كنا جلوساً في البهو الوسيع، نستمع إليه وكانت استراحة قصيرة بين الجلسات، والقهوة حاضرة، وسعادة السفير بشير البكري عليه الرحمة، أنهى تقديم ورقة بالغة الأهمية، وأتيح لي وقتها التعليق على مجريات اليوم، كنت يومها أميناً عاماً للاتحاد العام للفنانين العرب، عاد إلى الخلف، وضع الفنجان برفق، وضحكة قصيرة، وقال بوضوح الحرف عنده.
(شوف يا الزين أنا والحنين كنا رفقة طويلة ثم جئت أنت لتشكل مثلث) .
وكنا منذ أن توثقت معارفنا ببعضنا، يناديني (الزين) ونقول للشيخ إبراهيم الصلحي (الحنين)، وهو عندنا (مريود). وما انتظر سعادة السفير بشير البكري المعلم تكملة لجملة حسبتها ناقصة. وسأل
( طيب مين فيكم رأس المثلث)؟
يومها في القاهرة التي يحب ويعشق، كان سعيدًا بمحبة الناس، الأحباب كلهم كانوا في حضرة الحبيب (مريود) الطيب صالح. وزياراته المتعددة تلك للقاهرة، جمعت من جاء من أقصى الدنيا لتكتمل ليالي وصباحات مصر الجميلة، وفرص تتجدد لحوارات قديمة حول أفكار الأصدقاء من زمن المدارس، والمدن العريقة، والعمل المتقن، والتدريس، والوظيفة، والتأسيس والإسهام في بناء أم الإذاعة الكبرى (هنا أم درمان)، وإصدار المجلة الراتبة الأولى الحكومية (مجلة الإذاعة والتلفزيون) وبعدها أضيف إليها و(المسرح) .
بين أوراقي القديمة رسائل بينه وأهلها الإذاعة، بعد رحيل وتجوال ما بين (لندن وباريس وقطر) ومدن الخليج وغيرها، ثم عودته الكبرى أيام الخرطوم عاصمة للثقافة العربية في العام ٢٠٠٥ وتلك كما يقول ونقول حكاية أخرى.
أيامه تلك في (مروي)، كان مثل طفل عاد بعد غياب طويل لبيته القديم، فرحاً يبحث عنها الأشياء القديمة والبيت في (كرمكول) والشوارع في مدينة (الدبا).
ثم سألني مرة قبل عودته إلى لندن، أن نذهب إلى زيارة قبة وضريح السيد مصطفى البكري بن القطب التام الولاية، الشيخ إسماعيل الولي قنديل كردفان، وقف كثيرًا في المكان، ثم عدنا في صمت، وكنت أعرف أنه إسماعيلي الطريق، ووالده من خلفاء السيد المكي، وتلك حكاية تذهب إلى كيف بعد كل تلك السنوات تحققت أمنيات قديمة له؟ يوم عاد ودفن في مقابر السيد البكري، وأنشد مُدّاح الطريقة الإسماعيلية (البراق) اجتمعوا من المركز العام للطريقة في حي السيد المكي، ومن الخرطوم ثلاثة، أبناء سيدي محمد الحنفي، بالرايات، والإنشاد وسمعنا (البراق) مرة ومرة .
مررتُ على قبره قبل أسابيع، وقفتُ، وتأملت، ثم مشيت وحدي وهو في الخاطر دومًا .
في الطائرة إلى مدينة (مروي) نشهد السد، ونقف بين الأهرامات وتحت الجبل المهيب (البركل)، جلست خلفهم تماماً، هو وصلحي، ونحكي ويحكي، ونضحك، واحكي ثم تنطلق الضحكات.
ثم غاب الأمس مني، نعودها لندن بعد الرحيل، قد نجلس في ذات الأماكن، والظل غائب. لكنك تلمح الصوت، لا تسمعه، وتظن أن السفر الطويل، خاصة إذا كنت عائداً من الغرب الأقصى، ترك عليك تأثيراً، فتظن الأشياء ليست كما هي الأشياء في أصلها، فتصمت عنها .
ورغم الرحيل المر ظل بيننا تماماً، لا في الذي نكتبه عنه، لكن كما جمع الناس حوله في حياته العامرة، التقينا بعد الرحيل مراراً وتكرارًا، نستذكر فيه والأحداث، ونكتب، ونحكي،ونقدم التجارب التمثيلية، في أول دورة من دورات مهرجان البقعة الدولي للمسرح قدمنا، الفريق التمثيلي لمسرح البقعة فرجة (من طيب الطيب صالح) عرض تذكاري، من تكويني، نستعرض من خلاله الشخوص التي عرفنا ومشينا معها بين فضاءات العالم، وحظي العرض بمشاركة طيبة من مشخصاتية العصر، نجوم ومبدعو الأمة. ذاك وقت طيب، وفرجة أمتعتنا وجمهور البقعة المباركة.
وأعود إلى واحدة من أسباب اللقاءات المتكررة تلك في (لندن)، كنت أعرض عليه والتشاور معه حول جهدي ومحاولاتي وإحالة رواية (عرس الزين) لعرض تمثيلي، يسمع مني بطولة بال مع الاهتمام، يترك أسئلته لآخر الحوار، وبعضها لا يطلب عنها أجوبة، وبعدها ولأشهر كانت عندي مسرحية (عرس الزين). ووقفت البقعة كلها في انتظار العرض، وجلسنا لأسابيع في مسرح البقعة، قبل أن يتراجع أهله عن الاتفاق، ولكنها البقعة، الفكرة كبرت، وكما قلنا يومها من فرحنا بالنجاح
(البقعة في المعاني خلفها لا في المباني) تلك شعارات متوحشة، من وحي الغضب الشخصي، لكنها موحية، على الأقل أننا لم نتوقف، وظل المشروع الفكرة يتطور ويمشي بين الناس، فيها البقعة والعالم، ويجمع الكل على مسرح متجدد .
وجاء محبو الطيب صالح، مشخصاتية مبدعون، نلتقي يومياً من أجل البروفات، طبّقتُ بعض ما عرفته من سفري ومشاهداتي، لكن الأهم كانت أيامي القديمة في جامعة (هاورد) منحتني حرفية أحدث، أجلس في مكتبي بالبيت، أصمم الحركة، أرسم خطوط الممثلين بعلاقاتهم مع الآخرين، واتصال كل ذلك مع ما في الرواية عرس الزين لا المسرحية، وتقاطعت الإشارات، في ساعة (البروفة) أعمل على تنفيذ ما رسمت لذاك اليوم لا أكثر، وتتنامى عندي الفكرة (التكوين الزمن المتجدد في الاحتفالية).
ودخلنا القاهرة فاتحين، مهرجانها الدولي للمسرح التجريبي، والحبيب الدكتور فوزي فهمي العالم والكاتب يرأس المهرجان، ولم يكن هذا عرضي الأول فيها، بعد نجاح فرجة (سلمان الزغرات سيد سنار) في عرضها الأول في (باريس) أواخر تسعينات القرن الماضي، أحلنا بطبولها وراياتنا مع الأجراس والبخور عوالم (باريس) غير .
وعُدنا بعدها لتفرح القاهرة بعرضنا المؤسس العملي للتنظير للاحتفالية العربية الأفريقية، كما قال عنها الشيخ والعالم الدكتور عبد الكريم برشيد.
يومها غاب سيدي الطيب صالح عن القاهرة، ولكن أحبابه حاضرون كلهم، لم يتغيب أحد، وجلست باقات الورد على مقدمة خشبة مسرح السلام في شارع قصر النيل، والجمهور تضيق به المقاعد، فقدمنا ولأول مرة في تاريخ المهرجان عرضين استجابة لطلب إدارة المهرجان. وكان عرسي وعرس الزين تقدمني من جديد بغير لباس الإدارة والتنظيم الأمين العام للفنانين العرب. هنا وقفت بعد العرض عرس الزين من إعداد و(سينوغرافيا) وتكوين علي مهدي. بعدها لسنوات، وفِي البقعة المباركة تمكنا بحوار منتج قاده الدكتور المبدع الأستاذ عثمان البدوي إلى التوافق على ترجمة أضحت الآن هي الصائبة عند ذات الإشارة.
قلنا (الصورة المشهدية) .
مشى معنا للقاهرة وشارك في تلك الفرجة أسياد الفنون الوطنية، من عند أساتذة الأجيال، شيوخ وآباء حركة الفنون التمثيلية وشبابها، عملوا في تناغم ومودة، وكانوا فريقاً، يجتمع لأول مرة في التاريخ، وتلك من فيوضات سيدي الطيب صالح، شارك في العرض المسرحي.
مكي سنادة، محمد شريف علي، عبد الواحد عبد الله، عبد الحكيم الطاهر، محمد نعيم سعد، مصطفى أحمد الخليفة، جمال حسن سعيد، جمال عبد الرحمن، عوض حسن الإمام، عبد السلام جلود، محمد صالحين، إمام حسن، كندي الأمين، محمد عليش، تهاني الباشا، قاسم أحمد، مجدي عوض صديق.
ومنذ الرحيل صدق الأحباب في الاحتفاء به، واسترجاع المشاهد عنها، ما بين عواصم الدنيا، عربياً وأوربياً، وكان الاحتفاء الأهم يوم رتبنا مع إدارة مكتبة (الكونقرس الأمريكي) في (واشنطن)، وتلك حكاية وحدها دهليز، يفتح من جديد أبواب التعاون الثقافي والفني السوداني الأمريكي.
لكن في المدينة الأجمل (بيرجن)، و(السويد) عرفته، زارها مرارًا، خاصة جامعاتها، ونظم الراحل محمود صالح عثمان صالح، واحدة من أجمل أيام الاحتفاء بعد الرحيل، حضر أصحابه من BBC، ومن ترجم له الروايات الأولى.
يومها ذهبت مع الراحل محمود صالح لاستقبال الابنة سارة الطيب صالح، لنعود بها من المطار، وتكفي مسافة الطريق لتتعرف على البرنامج، كانت السيدة والدتها قد حضرت مبكراً مع مجموعة لندن، سارة ابنته في ذات الطول، وجمال خاص، وروح طيبة. أخذت من طيب الطيب صالح كل الرضا والسماحة. وكثير من أهل السودان كانوا حاضرين في (بيرجن)، من جاء من عواصم أقرب، سعادة السفيرة إلهام شانتير، وسعادة السفير أحمد عبد الرحمن سوار الذهب، وسعادة السفير خالد فتح الرحمن، والدكتور مصطفى عثمان، والراحل محمود صالح يشرف على مختلف التفاصيل. يوم وأكثر كنّا في رحاب ذكرى حبيبنا الطيب صالح.
أيامنا في (بيرجين) حكاية وحكايات، البرنامج احتوى على مشاهد من فيلم (عرس الزين) وحكى أحبابه عنه، واستمعنا لشعر فاخر مجيد من سعادة السفير خالد فتح الرحمن. وشارك أساتذة أجلاء من الجامعة بمداخلات أشارت لعلاقاته بالجامعة علمية وزيارات راتبة له، الاحتفال خرج عن العادي والمشاركون قدموا ما أسهم في التوثيق لحياة كلها عمل وخير عمّ المعمورة من عنده عليه الرحمة.
التصاوير منها تلك الأيام إهداء من الحبيب سعادة السفير أحمد عبد الرحمن سوار الدهب
له التقدير ولكم مودتي
الدهاليز تعود ليومها القديم السبت
وذاك خير عندي والناشر أظن