× ويحدثونك عن التعليم في السودان كيف كان منذ فجر الاستقلال من حيث الكم والكيف.. وكيف كانت مجهودات محو الأمية وتعليم الكبار.. ويقولون إن ذلك كان ميسوراً ومتوازناً ومتطلعاً نحو الأفضل.. وقد يحتسبه الجيل الحديث أن منه ما يعتبر ضرباً من التندر والمبالغة.. لأنك حينما يقال لك إنه كان مجاناً وميسوراً للكل وفي مقدمتهم الفقراء, فيجد التلميذ والطالب “الشاطر” والناجح المتفوق دعماً مادياً منذ مرحلة الأولية ثم الأوسط والثانوي حتى الجامعة ويسكن في داخليات وبيئة مدرسية وجامعية توفر له كل أسباب العلم والتخرج بنجاح..
× وقد تحسب ذلك تندراً إذا قيل لك إن السمعة الطيبة للتعليم أغرت دولاً مجاورة وصديقة لكي يتلقى شبابها التعليم في السودان وتزداد دهشتك إذا علمت أنه قد تخرج منها قادة ومسؤولون كبار لدول مجاورة أفريقية وعربية شقيقة.. وأن مناهجها كانت علمية ومجربة على مستوى معهد بخت الرضا الذي طبقت شهرته آفاق التعليم في العالم..
× ولا تزال في مربع الدهشة حتى تعلم أن المتخرجين منذ مراحل الأولية مروراً بالثانوي والجامعة يجدون حظاً متساوياً في الوظيفة والحصول على العمل بمجرد تخرجهم وأنهم هم الذين زودوا دواوين الخدمة العامة ومرافق الدولة كافة بالكفاءات، الشيء الذي ترك سمعة طيبة للخدمة المدنية ومؤسسات الدولة كلها..
× هذا الذي أغرى القائمين على شأن التعليم أن يتحمسوا لمحو أمية الكبار, فكانت بدايات موفقة وطموحة, لم لا والعالم الذي سبقنا في التطور كانت أهم مرتكزات نهضته ونموه هو العلم ومحو الأمية.. ثم يأتي علينا زمان نقف فيه اليوم على مفترق الطرق, نعاني فيه رياحاً وعواصف دمرت ولا زالت تفعل الكثير بأهم مقومات الاستقرار والتنمية والنهضة متمثلة في تردي الأحوال المعيشية في البلاد بصورة غير مسبوقة ففعلت ما فعلت في قطاع التعليم ساعدتها جائحة كورونا في التردي وأصبح ينطبق عليها المثل القائل “عايرة وأدوها سوط”..!
× ولعل أكثر ما يبعث على الحزن والأسى هو أن يتحول الحال الذي ذكرنا على النقيض وتخرج قاطرة التعليم عن مسارها الصحيح ويصبح التندر الذي كان فيما كنا نفخر به ونرجوه معكوساً وفي مقدمته تصريح أحد وزراء التعليم بأن بعض التلاميذ “دخلوا السوق”..!!
× وتطل الأمية بوجه كالح على السودان, وكما هو معلوم فإن الفقر يصنع الجهل, وأي حكومة مهما كانت مشغولياتها ومسؤولياتها وأجندتها ينبغي أن يكون التعليم خطاً أحمر.. لا فرق بين غني وفقير في حقه في التعليم..
× دخول التلاميذ السوق لم يكن فقط بفعل جائحة “كورونا” فالضائقة المعيشية “تسونامي” أخطر من الكورونا.. ما يتندر به الناس من تكاليف باهظة في التعليم فعل لا يليق بدولة نامية تتحسس بناء كيانها “العدلي” المتناسق والخروج من ظلمة وأخطاء الحكومات المتراكمة..
× دخول بعض التلاميذ السوق يعني أنه حتى الكبار لا مجال لهم في محو الأمية التي بدأت تعشعش في جيل الغد الذين لا ذنب له اذاً فإن ثمة مصانع للأمية بدأ “يؤسسها” وبسرعة مذهلة انفلات الأسواق وغلاء الأسعار وسوء الإدارة وافتقاد هيبة الدولة والسلطة.. وليت التلاميذ والصغار الذين يدخلون الأسواق ينجون مما بالأسواق..!!
والله المستعان