تعديل أسعار الوقود.. زيادة المعاناة
فشل حكومي في ضبط سعر الصرف يرفع سعر الوقود 3 مرات خلال عام
تضاعف أسعار الوقود 46 مرة خلال عامين
توقعات بتجاوز التضخم الشهر المقبل 500%
خبير اقتصادي: رفع الدعم كاملاً عن الوقود خيانة لدماء الشهداء
الخرطوم: جمعة عبد الله
وُوجِه قرار الحكومة بتعديل أسعار الوقود، بموجة من الانتقادات، قياساً بالانعكاسات السلبية المتوقعة من رفع أسعار الوقود لمستويات فلكية، حيث عدلت وزارة المالية سعر لتر البنزين إلى “290” جنيهاً، مقابل “285” جنيهاً للتر الجازولين، وهي أسعار من المتوقع أن تؤدي لإشعال المستوى العام للأسعار لمستويات بعيدة، فيما توقع مختصون تزايد معدل التضخم لأكثر من 500 نقطة في الشهر المقبل.
وبحسب وزارة المالية، أن القرار يأتي في إطار سياسة الدولة الرامية لإصلاح الاقتصاد الوطني وتأسيس بنية تمكن مؤسسات الدولة والقطاع الخاص من التعامل مع مؤسسات التمويل الدولية.
ووفقاً للبيان، فإن الأسعار الجديدة تخضع لتكلفة الاستيراد والتي تشكل بين 71– 75% من سعر الوقود، مضافاً إليها تكاليف النقل ورسوم الموانئ وضريبة القيمة المضافة وهامش ربح شركات التوزيع، وهذه التكاليف تشكل مجتمعة ما بين 25- 29% من سعر البيع للمستهلك.
وأوضح البيان أن سياسة تحرير الوقود ستسهم في إزالة العديد من التشوهات في الاقتصاد، حيث تنفق الدولة حوالي مليار دولار سنوياً دعماً للمحروقات.
وتبدو الحكومة مجبرة على زيادة سعر الوقود، لضمان تحقيق معدلات الربط المحددة بالموازنة وتلافي أي عجز هي في غنى عنه، علاوة على قرار سابق بتحرير سعر الصرف جعل استيراد المشتقات النفطية خاضعا لسعر الدولار الجاري، والثابت أن الأسعار الأخيرة قبل التعديل وضعت وفق دولار 375 جنيهاً، بيد أن سعره الآن يتجاوز ذلك بكثير، ومن المؤكد أن ثمة فروق في السعر لن تتحملها الشركات المستوردة للوقود، كما لا طاقة للحكومة بتوفير ميزانية للاستيراد وبيعه بالسعر القديم.
انعكاسات سلبية
وتوقع الخبير الاقتصادي د. محمد الناير وصول معدل التضخم بنهاية شهر يوليو لأكثر من 500%، وقال إن قرار رفع المحروقات في ظل محدودية الدخل وارتفاع معدل البطالة والفقر بصورة كبيرة بجانب الضغوط المعيشية التي يعاني منها المواطن سينعكس سلباً على حياة الناس ومعاشهم.
وأوضح الناير أن الحكومة برفعها أسعار المحروقات يكون اتخذت قراراً صعباً جداً على المواطن وعلى الاقتصاد السوداني، مؤكدا أنها تمضي في تطبيق المتبقي من روشتة صندوق النقد الدولي بالكامل.
وأضاف” لقد ذكرنا من قبل بعد مؤتمر باريس نتخوف أن تأتي حكومة الفترة الانتقالية من باريس وتحمل في حقائبها مزيداً من القرارات الصادمة للمواطن السوداني والاقتصاد السوداني.
ونبه الناير أن الاقتصاد علم البدائل، وبالتالي يفترض أن تكون هنالك بدائل كثيرة، مثلاً يفترض الدولة تفكر حول تحقيق الاستقرار الاقتصادي أولًا ثم تفكر في قضية رفع الدعم التي تؤثر سلباً على المواطن، مشيرًا إلى أن رفع الدعم سيظل موضوعاً لا نهاية له، فكلما تدهورت قيمة العملة تولد دعم جديد، وقال” لو عملنا عملية حسابية جديدة سنجد أن سعر البنزين ارتفع خلال العامين الماضيين بنسبة 4500% وسعر الجازولين 7000% وهذه نسبة كبيرة قياساً بالأسعار الماضية.
وأبان أن القضية ليست وقود سيارات فقط وإنما القضية تؤثر في مجمل النشاط الاقتصادي في البلاد، وتابع: يعني إذا مسكنا عجلة الإنتاج، تحديداً القطاع الزراعي حينما يتم رفع المحروقات نجد الجازولين يؤثر على قطاع النقل وسترتفع كل مدخلات الإنتاج بسبب هذا الإجراء غير المدروس، وبالتالي العملية الإنتاجية في القطاع الزراعي قد تتوقف تماماً.
في جانب المدافعين عن قرارات تحرير أسعار الوقود، سبق أن أشار الخبير الاقتصادي د. عادل عبد العزيز، لأهمية التحرير، بيد أنه اشترط على الحكومة توفير مواصلات عامة زهيدة التكاليف باستغلال خطوط السكة حديد، واستجلاب بصات ركاب ذات حمولات كبيرة، وتشجيع الناس على استخدام الدراجات النارية والعادية بإلغاء الجمارك عليها، وعلى الحكومة الاستمرار في الدعم النقدي للأسر الفقيرة، وزيادة عدد الأسر المشمولة بالدعم النقدي، والامتناع نهائياً عن أي دعم سلعي. حتى الخبز يتم دعم الفقير نقدياً عند الشراء باستخدام بطاقة الكترونية وعليها تشجيع قيام الجمعيات التعاونية الإنتاجية والاستهلاكية.
ويوضح عبد العزيز أن أسعار الوقود بعد تحريرها ستصبح قريبة جداً لأسعار نفس المشتقات النفطية في دول الجوار، لهذا سوف تتوقف عمليات التهريب التي كانت تجري على نحو واسع لتلك البلدان، وهذه واحدة من فوائد القرار، والفائدة الثانية أنه سوف يتم شطب بند دعم المحروقات من منصرفات الموازنة العامة، وبالتالي هذا سيقلل من حجم العجز الكلي، وربما يوفر فوائض تستخدم لترقية خدمات الصحة والتعليم وتغطية المرتبات وتنفيذ بعض مشروعات التنمية.
مضيفاً: كما سيؤدي القرار لاستقرار سعر الصرف، إذا تم تمويل استيراد المواد البترولية من خلال الموارد الحقيقية، المتمثلة في العائدات من صادرات الذهب والصادرات الأخرى، أما إذا اتجه مستوردو المواد البترولية لشراء العملة الأجنبية من السوق، فإن المضاربات سوف ترفع أسعار العملات الأجنبية لمستويات قياسية وبالتالي حدوث زيادات جديدة على أسعار الوقود المرتبطة أساساً بسعر الصرف الجاري.
لافتا إلى أن الزيادة سيكون لها تبعات كارثية سالبة، تتمثل في ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، وزيادة تكلفة النقل، وسترتفع تكاليف المواصلات العامة للمواطنين، أما من يملكون السيارات فسوف تزيد الميزانية التي يخصصونها للوقود.
خلافات الدعم والإلغاء
وطوال العامين الأخيرين، ظلت قضية رفع دعم المحروقات نقطة خلافية بين الحكومة واللجنة الاققتصادية لقوى الحرية والتغيير، التي ترفض مبدأ إلغاء الدعم، ولم يحسم المؤتمر الاقتصادي الخلاف بين الحكومة ولجنة الخبراء الاقتصاديين بقوى الحرية والتغيير، حيث شملت توصياته الـ 160 توصية كتبت بصيغة “ترشيد الدعم السلعي”، وهي عبارة وصفها اقتصاديون بأنها فضفاضة وتخلو من التفاصيل، ولا تجيب على أسئلة مهمة وملحة، مثل تبيين كيفية هذا الترشيد ونسبته وهل يعني الترشيد الرفع الكامل للدعم أم جزئياً وهل يشمل جميع السلع أم الوقود فقط، مع عدم تحديد المدي الزمني للترشيد.
رفض
وانتقدت عضو اللجنة القيادية للتحالف الاقتصادي لقوى ثورة ديسمبر د. أساور آدم، رفع أسعار الوقود، ودعت الشعب لمقاومة الزيادات المضطردة وغير المنطقية والمتواصلة في أسعار الوقود الذي ارتفع من 28 جنيها للجالون الى 128 جنيها ثم إلى 540 جنيهاً حتى وصل إلى 1305 جنيه.
وأوضحت أساور في تصريحات صحفية أمس، أن هذه الزيادات ادت إلى ارتفاع تكلفة المواصلات للفرد في اليوم الواحد من 50 جنيهاً كحد أعلى إلى ما يفوق الألف جنيه حالياً وتصاعدت أسعار كل السلع بسبب ارتفاع تكلفة النقل وها هو الشعب موعود بارتفاع جديد في أسعار النقل والسلع لدرجة لا تطاق.
وأشارت أساور إلى أن الحكومة تكذب على الشعب عندما تعمل على القيام بحملة تضليل كبرى حول نتائج مؤتمر باريس التي وصفتها بالبائسة، لافتة إلى أن موازنة 2021 التي بلغت إيراداتها 928 مليار جنيه كان ثلثها أي 300 مليار جنيه من مصدر واحد فقط وهو رفع سعر الوقود من 128 إلى 540 جنيها مما يعني أن الحكومة تجني أرباحاً طائلة من بيع المحروقات وتلجأ لجيوب المواطنين المسحوقين للصرف على الجهاز الحكومي المتضخم.
وقالت أساور إنهم يمارسون إذلال الشعب حيث تركوا النساء والأطفال يقفون في صفوف الرغيف من الثانية صباحاً وحتى العاشرة صباحاً متزامنا ذلك مع انعدام الجازولين والمياه في الأحياء ووصلت قطوعات الكهرباء إلى عشر ساعات في اليوم رغم مضاعفة أسعارها إلى أكثر من خمسة أضعاف، وتساءلت ماذا ينتظر الشعب سوى المزيد من التجويع والإذلال، وقالت إن التحالف يدعو الشعب لممارسة حقه القانوني المشروع في الرفض العلني لسياسات الحكومة بكل وسائل المقاومة السلمية المشروعة من مواكب ووقفات احتجاجية وإضرابات ومذكرات.
خيانة
وفي السياق أكد الدكتور المحجوب محمد عبد الله الخبير والمحلل الاقتصادي أن تنفيذ حمدوك لبرنامج البنك الدولي الاقتصادي والاستجابة الكاملة لشروطه بما فيها رفع الدعم نهائياً عن الوقود دون مراعاة للشرائح الضعيفة من الأسر السودانية البسيطة، أكد أن ذلك يعتبر بامتياز خيانة لدماء الشهداء الغزيرة التي سالت في ثورة ديسمبر المجيدة من شباب الشعب السوداني. وقال المحجوب إنه ليس هناك أي اقتصادي متخصص يرفض إزالة التشوهات من جسد الاقتصاد السوداني، مبيناً أن الدعم الحكومي لكافة السلع والخدمات يمثل تشويهاً للاقتصاد ولكن الاختلاف يكمن في الطريقة التي تزال بها هذه التشوهات، منوهاً الى أن حمدوك اختار الطريق الأسهل بتنفيذ برنامج البنك الدولي دون وضع أي معالجات آنية قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى لتخفيف وطأة الإجراءات المصاحبة للبرنامج على الشرائح الضعيفة من الأسر السودانية الذين لن يستطيعوا أن يعيشوا حياة كريمة بعد رفع الدعم عن الوقود بصورة نهائية، مؤكداً أن هذه الشرائح الضعيفة من الأسر السودانية هي التي قاد شبابها الثورة ضد نظام البشير، ولكنهم الآن يتفاجأون بأن ذات الأسباب تتجدد أمامهم مرة ثانية.
وأضاف د. المحجوب أن رفع الدعم عن الوقود سيتسبب في ارتفاع أسعار جميع السلع والخدمات والكهرباء والمواصلات بصورة جنونية بينما لا تملك الحكومة أي آليات للوقوف مع المواطن السوداني المغلوب على أمره بكبح جماح الأسعار، مبيناً أن المواطن سيعاني من غول ارتفاع الأسعار وغول التضخم وراتبه الذي لن يسعفه لمدة أسبوع لقضاء حاجات أسرته خاصة لو حظي بعدد من الأطفال في المراحل التعليمية المختلفة، مشددًا على أن كل الخطط التي وضعتها حكومة حمدوك لتخفيف أعباء الضغوط الاقتصادية على المواطن السوداني المغلوب على أمره ثبت كل يوم خطلها وفشلها من سلعتي وحتى ثمرات مرورًا بأسواق البيع المخفض.
وحذر عبد الله من أنه إذا استمرت السياسات الاقتصادية على نفس وتيرتها، حذر من أن هذه السياسات سيرافقها انفلات أمني كبير في العاصمة الخرطوم وعواصم الولايات وسترافقها احتجاجات شعبية كبيرة، مؤكداً أنه حيثما ينتشر الجوع والمعاناة اليومية للمواطنين في أي بلد في العالم تنتشر الجريمة المنظمة وتعاطي وتجارة المخدرات، مجدداً تحذيره من انفراط عقد السودان إذا أصر حمدوك على الاستمرار في تنفيذ خطط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.