وللحزب الشيوعي مشاركاته منذ بداياته الأولى في النصف الثاني من أربعينيات القرن الماضي. ومن الإيجابيات التي تحسب له أنه في الماضي كان يحصل سنوياً على عدد مقدر من المنح الدراسية للطلبة المنتمين إليه ويبعثهم ليدرسوا بجامعات الإتحاد السوفيتي وغيره من دول شرق أوروبا المنضوية في المنظومة الشيوعية ونالوا دراساتهم وشهاداتهم في الطب والهندسة والآداب والقانون والإقتصاد والبيطرة …إلخ وعادوا وعملوا وخدموا الوطن في مجال تخصصاتهم المختلفة وهذه إضافة إيجابية، وأن عدداً من المبدعين المنتمين للحزب كانت لهم لمساتهم وبصماتهم في مجالات الفنون والآداب من شعر وقصة ورواية ومسرح وتشكيل وموسيقى..إلخ والإبداع هو شيء فردي ينسب للفرد المبدع لا للحزب المنتمي إليه. وإن سعي الحزب لتحريض وقيادة قواعده وجماهير الأحزاب والقوى السياسية الأخرى التي لا تنتمي إليه تجعله بمثابة رأس مركب في جسم غريب عليه غير جسمه!!
وإن كل الوطنيين المخلصين يسعدهم ويفرحهم أن يروا أوضاع بلادهم في كافة المجالات على أحسن حال ومن منطلق الحرص لا الشماتة يسؤهم أن تكون على غير ذلك. والرئيس السابق أدلى وهو في محبسه ببعض الإفادات والتصريحات التي ذهبت بذكرها الركبان ويبدو جلياً أنه سعيد وشامت على تردي الأوضاع ولو أبدى حرصاً وإخلاصاً وتمنى إصلاح أي اعوجاج لتستقيم المسيرة لكان ذلك أفضل، والمؤكد أن تردي الأوضاع لن يكون سبباً للعودة المستحيلة للسلطة وكراسيها وأبهتها وحتى لو اقتضت الضرورة إحداث تغيير في السياسات والقيادات وفي عمليات الإحلال والإبدال فإن هذا لن يحدث بالعودة للوراء وعود الثقاب لا يشتعل مرتين وتصبح العودة مستحيلة كالغول والعنقاء والخل الوفي، وإن عدداً كبيراً لا يستهان به من المسؤولين في النظام السابق كانوا يمثلون شريحة يمكن أن توصف بأنها شريحة الطبقة الحاكمة وظل الكثيرون منهم على مدى ثلاثين عماً يتقلبون في المناصب كما يقفز العصفور من غصن لآخر وفي وقت واحد يعتلي عدة مناصب ويصبح مثلاً عضواً في المكتب السياسي أو قيادياً بالحزب ووزيراً أو والياً أو في أي موقع تنفيذي أو يشغل موقعاً في القصر الرئاسي وفي ذات الوقت يمكن أن تكون للواحد من هؤلاء رتبة في الأمن الشعبي مع نيل عضوية المجلس الوطني. وشريحة الطبقة الحاكمة المسيطرة المهيمنة لها حلقاتها ودوائرها الضيقة الممتدة في تسلسل هرمي من القاعدة للقمة. والآن بعد انطواء صفحة عهد الإنقاذ فإن البعض يتلهفون للعودة للسلطة والجاه والامتيازات ويظنون واهمين أن سوء وتردي الأوضاع الحالية سيكون هو وسيلتهم لإرجاع أوضاعهم وامتيازاتهم السابقة التي يتباكون عليها والعين تبكي النفاع ومن الظلم تعميم هذا القول على جميع المنتمين عضوياً لذلك النظام والتنظيم وهو قول ينطبق على شريحة منهم، ولكن بكل تأكيد توجد أعداد كبيرة من الشرفاء المخلصين المنتمين لذلك النظام في مختلف شرائح وفئات المجتمع ومنهم مهنيون يتمتعون بمؤهلات رفيعة وقدرات عالية والوطن بحاجة لبذلهم وعطائهم في كافة العهود، وتوجد الآن شريحتان إحداهما شريحة المتلهفين للسلطة والجاه والامتيازات والشريحة الأخرى التي تمثل الأغلبية فإنها تضم عدداً كبيراً من العقلاء المخلصين وهؤلاء يعول عليهم في عقد ملتقيات نقد ذاتي ومدارسة للتجربة السابقة والوقوف على إيجابياتها وسلبياتها وأوراقها البيضاء والأخرى السوداء لتجنبها مع السعي لإيجاد إجابات حاسمة عن أموال التنظيم ومصيره المجهول ويعول على هؤلاء في قيام تنظيم جديد في سياساته وقياداته. وبعض المتلهفين للعودة للسلطة يظنون أن حزبهم سيكتسح أي انتخابات قادمة وهذه أحلام وأوهام لأن الحزب كان يكتسح الانتخابات اعتماداً على آليات السلطة وأجهزتها وإعلامها وكوادرها المسيطرة والمهيمنة على كل مقابض السلطة والمال في ظل الوحدة الاندماجية التي كانت بين الحكومة والحزب والحركة وكانت تعرف بالحاءات الثلاث ولكن الحزب بعد إعادة تكوينه قد يحصل على خمسين دائرة مثلاً قد تؤهله في المستقبل ليكون حليفاً جزئياً في السلطة أو معارضاً ولكن الهيمنة والسيطرة الأحادية قد انتهت لغير رجعة.. وتجربة الحكم السابق التي امتدت لثلاثين عاماً لم تعد ملكاً لفرد أو لجماعة أو لحزب بل أضحت تجربةعامة لكل السودانيين بل أضحت تجربة إنسانية بكل اجتهادات البشر بما فيها من صواب وخطأ، ولهذا فإن فتح صفحات ذلك العهد بكل تفاصيلها الدقيقة وخفاياها وأسرارها في كافة المجالات بكل إنجازاتها وإخفاقاتها وملفات حقوق الإنسان وملفات الفساد والمؤامرات والصفحات المشرقة في بعض مجالات العمل الطوعي الإنساني والاجتماعي ستظل مفتوحة للرصد الدقيق والعرض بلا استئذان من أحد لأن ملكيتها أصبحت عامة.
والوضع الراهن لا يصلحه قيام انقلاب عسكري مجهول الهوية ولن تصلحه المظاهرات والمواكب والهتافات المضادة، وبداية المعالجة تبدأ بالاعتراف بإعادة هيكلة الفترة الانتقالية بقيام مجلس سيادة محدود العدد يقتصر دوره على الرمزية السيادية ويكون تركيز مهام العسكريين فيه على حفظ الأمن القومي والدفاع عن الوطن ووحدة وتماسك القوات المسلحة وكافة القوات النظامية الأخرى، مع قيام حكومة خبراء وتكنوقراط من ذوي الخبرات التراكمية والمؤهلات العالية والحزم والعزم والحسم من أقوى الشخصيات وأصلبها وأكثرها ورعاً لتشكيل حكومة عمالقة تكون أشبه بحكومة الحرب وتجابه وتعالج الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والتنموية والخدمية والأمنية ويكون رئيسها في مستوى دكتور مهاتير محمد وفي قوة الجنرال ديجول وحكمة وقوة شخصية البانديت جواهر لال نهرو. ورئيس الوزراء الحالي دكتور عبد الله حمدوك هو جندي من جنود الثورة والجندي يمكن أن يسد أي ثغرة توكل إليه دون أن يتمسك تمسكاً صمدياً بموقع واحد ويمكن أن يعهد إليه موقع تنفيذي يتلاءم وقدراته كأن يصبح مثلاً وزيراً للزراعة ومسؤولاً عن هذا القطاع أو يكون مسؤولاً عن قطاع التعاون الدولي أو أي موقع آخر، مع تكوين مجلس تشريعي انتقالي يكون أعضاء كل لجنة من لجانه المتخصصة خبراء في مجال اللجنة المنضوين إليها ويكون الأعضاء في مجملهم هم أعضاء المجلس التشريعي الانتقالي المنوط به السلطات التشريعية والرقابية الصارمة على الجهاز التنفيذي مع تكوين أجهزة السلطة الولائية والمحلية على ذات النسق وأن ينصرف جميع السياسيين لتنظيم أحزابهم وإقامة تحالفات قوية استعداداً للمرحلة القادمة.