سراج الدين مصطفى يكتب: نقر الأصابع
عقد الجلاد أكثر تماسكاً
ما يثيرني في فرقة عقد الجلاد قدرتها على تجاوز كل المحن والمصائب وامتصاصها بقدر هائل من الذهن المفتوح والذكي.. ومن يشاهد الكم الهائل من الأغنيات الجديدة التي تجرى لها البروفات يتيقن تماماً أن الفرقة ماضية في مسيرتها لا تضع بالاً لمن يذهب أو يشعل نار الخلاف بالتصريحات والكتابات الصحفية.
ويبدو أن الخلافات جعلت الأعضاء الحاليين للفرقة أكثر تماسكاً وقوة وقدرة علي مجابهة أي عاصفة أو رياح وذلك بفضل ترابط النسيج الاجتماعي ما بينهم حتى أصبحوا وكأنهم أسرة واحدة. متماسكة ومترابطة في منتهى الإلفة والحب الكبير.
حنان بلوبلو.. تجربة جديرة بالتقدير
في فترة ما شغلت حنان بلوبلو الناس وأصبحت الفنانة الأولى وتفوقت على كبار الفنانين من حيث اكتساحها للساحة الفنية وتربعها لقمتها لسنين طوال.. وأصبحت هي المغنية المرغوبة في كل الحفلات الجماهيرية والخاصة.
لم تبتذل حنان غنائيتها رغم بساطة ما كانت تغنيه من أغنيات تشابه تماماً (الصوت الأنثوي) وكانت كل أغنياتها هي لسان جيل تعبر عن الكثير من المشاعر المكبوتة والمسكوت عنها.. ولعل حنان هي من رسخت وكرست لما يعرف (بغناء البنات) والذي يمكن اعتباره (تأريخا) لحقبة هامة لتاريخ السوداني الثقافي والسياسي والاجتماعي.
تلك هي حنان الفنانة الملتزمة صاحبة الخلق الرفيع التي لم يدنس سيرتها القيل والقال وكثرة الترحال لنيجيريا.. فنانة في منتهى الالتزام تجاه قضيتها الفنية والإنسانية.
معزة خاصة ومكانة أكثر خصوصية تحتلها حنان في دواخلنا لأنها بتقديري تمثل نموذجاً حياً للفنانة ذات النقاء العالي وأنها بحق قدوة لكل الأجيال الجديدة لأنها تملك سر الغناء المعافى والعفيف والشفيف.
محاربة الفساد.. محاربة الأغنية الهابطة!
(محاربة الفساد) جملة مطاطة تحمل الكثير من الأوجه.. ليس فقط محاربة اختلاس المال العام والتزوير وما إلى ذلك.. فالغناء الهابط يندرج في تلك القائمة.. بل هو أخطرها لأنه يهدم البناء الأخلاقي للإنسان ويحيله الى ركام.. وفي محاربة الغناء الهابط ننمي الفضيلة ونبذر بذرة الإنسان المتكامل.. وبذلك تنخفض نسبة الفساد.. وتتعالى القيمة الأخلاقية.. ومع محاولات محاربة الغناء الهابط يجب أن ننفض الغبار عن الدعوة التي قدمها من قبل الحبيب هيثم كابو حينما نادى (بقانون ترقية الذوق العام) وأن يكون قانوناً نافذاً يخرج من خلال التشريع الشعبي في قبة البرلمان.
هيثم كابو لم يلاحق دعوته تلك لذلك ماتت في مهدها.. ولو أنه واصل الطرق المتواصل عليها لأصبحت قانوناً يمشي بيننا.. ولكن اهتمام أعضاء البرلمان ببعض القضايا الاقتصادية والسياسية والأمنية هو اهتمام ناقص لأنه يهتم بالقضايا التي تخص حياة المواطن ولكنه يتناسى المواطن ذات نفسه.. وهذا هو الخلل الكبير.. فما معنى أن توفر الأمن والمأكل والمشرب والعلاج والتعليم لإنسان بلا قيمة أخلاقية؟ لذلك يجب أن تنحاز كل التشريعات للإنسان أولاً ثم بعد ذلك تفاصيل حياته!!
من المؤسف أن كل محاولات الدولة لمحاربة الغناء الهابط .. هي محاولات خجولة ولا ترقى لمستوى الخطر الذي يسببه.. المحاربة اقتصرت على جملة واحدة مكتوبة في تصديق الحفلات (عدم ترديد الغناء الهابط) هذه هي مساهمة الدولة في محاربة الغناء الهابط.. لا يوجد تشريع أو قانون واضح لمحاربته.. وإنما تركت ذلك لشرطة النظام العام.. ولكن هل تمتلك شرطة النظام العام معيارا أو مقياساً للأغنية الهابطة؟ تلك المحاولة تضعنا أمام سؤال صعب عن ماهية الأغنية الهابطة!
إبراهيم عوض.. يا أعز عزيز في دنيانا!!
إبراهيم عوض.. الفنان الذري كما أطلق عليه المرحوم رحمي سليمان.. فنان نحت بصوته البديع نقوشاً مازالت ترن في ذاكرة السودانيين.. وتربع على أعلى قمم الحب.. ذلك لأنه انتهج نهجاً جديداً في شكل الغناء الذي يؤديه.. ولعله الفنان الأول الذي كان جريئاً في طرحه الغنائي.. فهو أول من واجه الحبيب وصرح بخيانته في أغنية “يا خاين”.. حيث كان الغناء قبله يتسكع في أضابير الخوف وعدم القدرة علي التصريح.. ذلك كان إبراهيم عوض الفنان الذي قدم عطاء جزيلاً ومتدفقاً وسيبقى مدى الأيام تاريخاً وسيماً ومضيئاً..
مسيرته الفنية بدأت عندما بلغ سن التاسعة عشرة وكان يتردد على منزلهم صديقه علي إبراهيم إبن أخت الشاعر الكبير عبد الرحمن الريح، وفي تلك الفترة تعلم عزف العود على يد علي سالم وكان يقوم بترديد أغنيات عميد الفن أحمد المصطفى مثل (أهواك يا ملاك) وعبد الحميد يوسف (غضبك جميل زي بسمتك)، وقد اصطحبه علي إبراهيم إلى منزل خاله عبد الرحمن الريح دون أن يلتقي به لفترة طويلة حيث كان يكبره سناً مما يتعذر الجلوس معه حسب التقليد السائد في ذلك الوقت، كما أنه كان مشغولاً أيضا بتصنيع الفلكوريات الشعبية ويتخذ من منزله مقراً لعمله إلا أنه كان يتابع ما يقوم به إبراهيم عوض من عزف وغناء من خلال الشباك الذي يفصل بين الغرفة التي يجلس بها إبراهيم عوض والغرفة التي خصصها للعمل والدههم.