كانت دهشتي كبيرة حين اعتلينا مسرح قصر الشباب والأطفال في ذلك اليوم التأريخي بالنسبة لي وأنا أشارك صفوة من العازفين المهرة والمجيدين ونحن نؤدي مع علم وقامة سامقة مثل أبوعركي البخيت..
تعرفت على رموز فنية كبيرة على آلات الكمان مثل عبد الرحمن عبد الله الشهير بـ (أب نضارات)، عبد الواحد عبد التام، صلاح عبد الرازق، والراحلين عز الدين فضل الله والفاتح صالح. وكان ياسر عبد الرحيم على الجيتار وحامد موسى على البيز وموسى عيسى على البنقز، وأستاذي الراحل الفذ عب دالله أميقو على الكلارنيت.
لم أكن من المحظوظين بملاقاة أحد رموز فرقة عركي وقد كان أن غطت شهرة عازف الترمبيت الرفيع (محمد ترمبه) الأوساط الفنية بما كان يؤدي من أدوار ضمن هذه الكوكبة، والذي سبق وأن سافر للعمل بدولة الامارات العربية مما ترك فراغاً وللآن، خاصة وأننا حين كنا نستمع لعركي يبرز صوت الترمبيت جاهراً ومفصحاً في أدائيات غير معهودة بين مؤدي هذه الآلة في مناطقها الصوتية العالية التي يتجنبها كثير من المؤدين عليها.
تفاجأت بذلك العشق الدافق والمحبة التي يحسها كل متابع لجمهور عركي، وأعتبره جمهوراً نوعيا يدفع من مصروفه الدراسي إن كانوا طلاباً، ومن حق (قفة) ملاحه إن كانوا ممن يعولون أسراً ولهم التزامات تجاهها..
تحس الإمتاع في نظراتهم وتفاعلاتهم وحرصهم على أن يؤدي عركي غناء يحكي عن حاجات أنفسهم بلا تشويش وبلا زعيق، فقط يتمايلون وهم يتحلقون المسرح حتى قدمي عركي.
كان هذا الجمهور الأكثر حرصاً على سلامة عركي وفرقته وأجهزتهم وآلاتهم وهذا مما سيرد بهذه السلسلة في مواضعه. حين المواجهات مع الأجهزة الأمنية والقمعية وأذيال النظام ممن كان يزعجهم جمهور وغناء عركي..
ولك أن تعلم عزيزي وعزيزتي المطلعون أن جمهور عركي لم يكن سوى جزء هام من الفرقة والعروض الغنائية في كل المواقع بما نلقاه من عناية واهتمام وحرص لتأمين كل الظروف الملائمة للأداء الفني.
كان يعود ريع كل الحفلات الجماهيرية النهارية منها والمسائية لصالح مريض أو منشأة وإصلاح مؤسسة وهيئات خيرية وغيرها مما يصب في المصلحة التي تعود لمجتمع وجماعة، ولفرد في حالات الإعانة.
لم يكن عركي مغالياً في قيمه المالية ولم يكن هنالك وسيط بينه وبين عشاقه وجمهوره، فقط عركي لمن يستحق خدماته الفنية من بعد استيفاء تعريفه بغرض الحفل والذي كان معظمه للاعمال الإنسانية…
نواصل بإذن الله…