سراج الدين مصطفى يكتب :نقر الأصابع
شمت محمد نور
تجدني أتوقف بإعجاب كبير عند تجربة الموسيقار شمت محمد نور عضو فرقة عقد الجلاد الغنائية.. فهو ـ بتقديري ـ واحد من قلائل قادر على أن يصنع جملة موسيقية جديدة وحديثة في كل مكوناتها وتفاصيلها.. ومن يستمع للألحان التي وضعها للفرقة يلحظ أنه مؤلف موسيقي يجيد سبك الأغنية ويجعلها متكاملة من حيث المفردة واللحن العميق.. فهو يتقن إختيار المفردات التي يلحنها.. فكل أغنية من أغنياته تحكي عن ذائقة فنية عالية الجودة والتقنية.
ثمة أغنيات جديدة دفع بها شمت محمد نور للمستمع بداية من تبتبا ـ يا با مع السلامة وأخيراً أغنية ست البيت ونتمناك موحد.. ومن يتوقف عند تلك الأغنيات يلحظ قدرته الفائقة على اختيار الأشعار وهي كلها تقريباً للشاعر الكبير محجوب شريف.. وما يجمع شمت ومحجوب شريف هو أقرب للثنائية الوجدانية والتوافق والأنسجام المدهش.
الطريقة التي يؤلف بها شمت محمد نور موسيقاه سبقه غيره فى ذلك، لكن هنالك أشكال وعناصر جديدة أدخلها جعلت أغنياته تتميز عن موسيقى الآخرين في شكل الطرح والقالب الأدائي الذي تقدم به، وهو بذلك قد حقق نوعاً من الريادة بفضل القواعد الجديدة التي أرساها في طريقة تفكيره لوضع موسيقاه حتى يكون نسيج وحده.. مع الوضع في الإعتبار أن عقد الجلاد حوت ثمة مدارس لحنية سبقته في وضع موسيقي الأغاني.
وإذا تأملنا تجربة شمت محمد نور في التأليف الموسيقي نجدها تجتمع تحت عنوان واحد هو التحرر، فأصبحت السمة الأساسية أنه لا توجد قاعدة، فقد تحرر في تأليفه الموسيقي من القوالب القديمة للموسيقى البحتة والكلاسيكية.
أغنيات شمت محمد نور تمتاز بخصائص عديدة لا تتوافر لغيره من الملحنين.. ويأتي في أول ذلك أنه يحصر الأغنية في زمن أدائي محدد لا يتجاوز بضع دقائق يحشد فيها كل أفكاره من حيث المفردة الشعرية والجملة الموسيقية فتصبح الأغنية عبارة عن كبسولة مضغوطة دونما خلل يؤثر على طرحها العام وأفكارها المراد توصيلها.. لذلك تأتي في شكل جرعة سماعية مناسبة ومتناسقة مع أستايل الفرقة والشكل الغنائي الجديد الذي جأ به الموصلي ليحرر الأغنية من التفاصيل.
استخدم شمت في أغنياته وألحانه إمكانيات مختلفة للتعبير، وقد أثرى بذلك التفكير حركة الموسيقى عموماً فلجأ إلى توظيف الأداء الموسيقي بالاهتمام بالصوت البشري وإدخال وإيقاعات جديدة وتراكيب ميلودية مبتكرة تثري حركة الصوت في طريقة التراص الصوتي للفرقة.
أدخل شمت مقاطع صوتية فيما ليس لا بغناء ولا بآهات أو همهمات أو ماشابه ذلك، وإنما كلمات قصيرة قد تكون كلمة واحدة يؤديها صوت كورال أو صوت فردى للحظات وسط القطعة الموسيقية، ففي أغنية ست البيت نجد كلمة (القرقريبة قريبة)..
شمت محمد نور عموماً يعرف كيف يستفيد من الصوت البشرى كأداة وسط المنظومة ليؤدي عدة وظائف حسب موقعه فهو تارة لتأكيد إيقاعية الجملة بما للكلمات من وقع موسيقى، وتارة لترديد نغمة شعبية، وأخرى لتأكيد غنائية مقطع بعينه، وإدخال مثل هذه المقاطع الصوتية في منظومات موسيقية ابتكار جديد .
التوقف في تجربة الموسيقار شمت محمد نور هو نوع من التوقف عند شاب جميل يحمل قسمات إبداعية جديدة.. وفي ظني هو قادر على أن يكتب سطورا مغايرة في تاريخ الموسيقى وذلك بفضل قدراته المتجاوزة التي يكاد ينعدم مثيلها.. وعقد الجلاد التي يوجد بها امثال شمت لا يحق لها ان تحزن لأي سبب فهو قادر علي أن يؤلف موسيقي ذات قدرة علي التحليق في فضاء شاسع ومتسع.