شاكر رابح يكتب : من يُضيّع فرص السلام
وضعت الوساطة الجنوبية برعاية الرئيس الفريق سلفاكير مياردت فرصة ذهبية أمام الحكومة الانتقالية وحركة جيش تحرير السودان شمال «الحلو» للتوصل إلى سلام شامل وعادل دون شروط تعجيزية مسبقة.
كنت قد أشرت في مقال سابق إلى ضرورة توفر حسن النوايا من طرفي العملية التفاوضية والبحث عن حلول مستدامة من خلال معالجة جذور المشكل السوداني خاصة في المنطقتين «جنوب كردفان والنيل الأزرق»، واستمرار الحرب يعني استمرار معاناة المواطنين وإهدار للموارد الاقتصادية. طرحت الحركة الشعبية شمال موقفها التفاوضي عبر مسودة سمتها الاتفاق الإطارى والتي دفعت بها للوساطة وهي عبارة تفاصيل إعلان المبادئ الذي وقعته الحركة مع حمدوك في وقت سابق وقد وردت بنود إيجابية وأخرى سلبية معيبة، البنود الإيجابية تمثلت في التزام الحركة بالحل السلمي التفاوضي للنزاع والتوصل إلى سلام شامل وعادل ومستدام كما أكدت الحركة على ضرورة وحدة السودان والحكم الديمقراطي والمساواة والمساءلة والعدالة لجميع مواطني السودان.
أما رؤية الحركة لنظام الحكم فترى أن النظام الرئاسي هو الطريق الأمثل لحكم السودان، وقد ورد في البند 12 الهوية الوطنية ترى الحركة الآتي: (الاعتراف بالتنوع التاريخي المعاصر المتأصل في المجتمع السوداني الذي يشكل أساساً للوحدة في السودان وأن لا تبنى الهوية الوطنية على ثقافة عرقية أو إثنية أو دينية أو لغوية أو جهوية), وورد أيضًا في البند 12-5 يتم توظيف عمل الدولة لبناء هوية مشتركة ووضع ترتيبات عادلة وبناءة تسمح لجميع الشعوب والكيانات السودانية المختلفة والمتنوعة بالمساهمة فيها والاستفادة منها على قدم المساواة.
كما ورد أيضًا في البند 12-6 (يجب أن تقوم الهوية السودانية على حقائق التنوع التاريخي والمعاصر للدولة السودانية في ظل السودان الجديد). ورغم إيجابية ما ورد في بند الهوية ونظام الحكم والتي يمكن أن تصلح كأساس يبنى عليه دستور دائم يعبر عن التنوع الثقافي والديني والقبلي، إلا أن هناك قضايا مختلفة حولها مضمنة في بنود المسودة حال تمسك الحركة بها سوف تنسف عملية التفاوض وإعادة الجميع إلى مربع الحرب مرة أخرى.
ما ورد في المسودة من شروط تعجيزية متمثلة في مطالبة الحركة للحكومة الانتقالية باعتماد بعض القضايا كمبادئ سامية فوق الدستور وأعتقد يمكن أن تضمن كافة هذه المبادئ في الدستور فلا توجد حاجة لرفع مبادئ تمت صياغتها من جهة واحدة وعليها خلاف قانوني وديني وعرقي ان يتم رفعها في مرتبة أعلى من أحكام الدستور نفسه، كذلك وردت بنود لا يمكن قراءتها إلا من باب أنها وضعت نكاية في الإسلام والمسلمين مثل فصل الدين عن الدولة العلمانية وإلغاء مادة التربية الإسلامية وأن تكون اختيارية وعدم اعتماد العرببة لغة رسمية للدولة وإلغاء الزكاة وتغيير يوم العطلة من الجمعة إلى الأربعاء .
بالرغم من التصريحات التي صدرت من رئيس الوفد الفريق شمس الدين الكباشي عضو مجلس السيادة باعتماد الورقة كأساس للتفاوض إلا أنه لم يحقق حتى الآن أي تقدم ملحوظ وذلك بسبب هذه الشروط التعجيزية وغير القابلة للتطبيق من جانب الحركة والتي من شأنها إضاعة الفرصة.
تحقيق السلام والذي يحتاج لإرادة سياسية قوية من كافة الأطراف مثلما فعل الفريق أول محمد حمدان دقلو النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الانتقالي عندما التقى بالحلو بجوبا قال إن الحكومة سوف تتجاوز كافة العقبات واعتماد منهجية جديدة للتفاوض تقوم على مناقشة العقبات بشكل مباشر وتعزيز مساعي الوسطاء الرامية إلى تحقيق السلام في السودان وأعتقد وجود حميدتي على رأس وفد الحكومة المفاوض ضرورة ملحة وذلك لما يملكه من شجاعة وروح وطنية عالية يمكن أن تدفع بعملية السلام قدمَا للأمام.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.