الخرطوم: سارة إبراهيم
يواجه الاقتصاد الوطني مشكلة كبيرة تتعلق بنقص حاد في العملات الأجنبية لدى الجهاز المصرفي مما ترتب عليه تعقيدات في الاستيراد والصادر وتبدو الصورة ضبابية والطريق مجهول لمآلات الأوضاع بشأن العملات الأجنبية نتيجة الشح الكبير في موارد النقد الأجنبي لدى الدولة، وما زال الموقف ضبابياً بالرغم من الإجراءات والتدابير الحكومية التي اتخذت مؤخرًا بتطبيق سياسة تحرير سعر الصرف والإعلان عن تدفقات مالية ومنح دولية وصاحب ذلك تنظيم بنك السودان المركزي لمزادات لبيع النقد الأجنبي لتوفير العملات للمصارف.
وفي المقابل شهدت أسعار الدولار ارتفاعاً كبيراً مقابل العملة المحلية في السوق الموازي على وجه الخصوص، حيث وصل سعر الدولار 480 جنيهاً للبيع، وكشف تاجر ــ فضل حجب اسمه ــ عن توقف البيع لعدم وجود سعر حقيقي للعملة، وكل تاجر يبيع حسب هواه، لافتاً إلى أن سعر الريال السعودي يتراوح ما بين 126 و126 جنيهاً أما الدرهم الإماراتي بـ 132 جنيهاً الى 133 جنيهاً واليورو 540 جنيهاً والاسترليني 615 جنيهاً والجنيه المصري يتراوح ما بين 29 إلى 30 جنيهاً.
من جانبه قال الأستاذ بجامعة المغتربين د. محمد الناير لـ(الصيحة)، إن تدهور قيمة العملة الوطنية واحد من الأسباب الرئيسية لعدم وجود احتياطي من النقد الأجنبي، وأضاف: حذرنا الدولة حينما أقبلت على خطوة تخفيض قيمة العملة الوطنية امتثالاً لموجهات صندوق النقد الدولي وخفضت قيمة الجنيه من ٥٥ جنيهاً مقابل الدولار إلى ٣٧٥ جنيهاً مقابل الدولار قبل أن يرتفع الآن ويتجاوز ٤١٥ جنيهاً في السوق الرسمي وأكثر من ذلك في السوق الموازي، وأضاف أن الدولة مجبرة على اتخاذ هذه الخطوة في الموعد المحدد لتنفيذ موجهات صندوق النقد الدولي في التاريخ المحدد لذلك لم تستطع أن تدرس هذا الأمر، ولم توفر احتياطياً قدرناه بـ 4 إلى 5 مليارات دولار حتى تقبل على هذه الخطوة، وقال: بعد تطبيق الخطوة تولد مناخ إيجابي تمثل في أي شخص لديه أموال بالنقد الأجنبي استبدلها وهي روح وطنية تولدت مع القرار، وقدمنا نصحنا للدولة لتهيئة المصارف وزيادة سعتها وساعات العمل وتسهيل الإجراءات وفتح صرافات فضلاً عن المغتربين التي لم تطبق لهم الحوافز المجزية مثلاً أن تطرح الدولة للمغتربين أبراجاً سكنية ويكون السداد بالنقد الأجنبي وهذا من شأنه تنشيط حركة النقد الأجنبي، وقال: نشعر ببطء شديد في إدارة الشأن الاقتصادي في البلاد، الأمر الذي يكلف الدولة تكاليف كبيرة في ظل التدهور والضحية هو المواطن وقال إن كل السياسات الاقتصادية التي تنفذ الآن يدفع ثمنها المواطن حينما يقفز الدولار إلى مبلغ كبير أكثر من 400 جنيه تأتي الشركات التي منحتها الدولة صلاحية استيراد المحروقات وتلوي ذراع الدولة لأنها تزيد أسعار المحروقات، وأوضح: الدولة لم تحسن سياسة توظيف قطاع التعدين ولم تعلن إنشاء بورصة للذهب لتحد من التهريب ولم تحسن جذب مدخرات المغتربين، هذه عوامل من شأنها جذب العملات الوطنية إلى البلاد ولكن لم يحدث شيء حتى الآن.
من جانبه أوضح الخبير الاقتصادي د. حسين جبريل خلال حديثه لـ (الصيحة)، أن الأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع الدولار من وقت لآخر هى عدم وجود سوق منظم للتعامل بالنقد الأجنبي، لذلك هنالك جهات بعينها تتسبب من وقت لآخر في الارتفاع، مضيفًا أن ذلك يتم في غياب سلطات البنك المركزي الأمر الذي أثر سلباً على الوضع الاقتصادي في البلاد دون أن يجد الرقابة أو الدراسات المناسبة للوقوف على الأسباب الحقيقية للتأثير على الأسعار، ومن ثم اتخاذ الإجراءات المناسبة، لافتاً إلى اتجاه بعض الجهات إلى إخراج مواردها إلى خارج البلاد بمختلف الطرق أو عن طريق تسييل الأصول الثابتة والأرصدة بالبنوك وغيرها والتي تساهم بدورها في ارتفاع الأسعار، وأشار حسين إلى المعالجات التي يجب أن تضعها الدولة تتمثل في تفعيل قانون التعامل مع النقد الأجنبي ومحاربة تجار العملة بالإضافة للتهريب خاصة السلع الصادرة والواردة للبلاد، وقال: يمكن الاستفادة من تجربة الدعم السريع في محاربة التهريب عبر الحدود.
ويعتبر ارتفاع الدولار أحد أسباب وراء ارتفاع الأسعار، الأمر الذي أدى إلى حدوث ضائقة معيشية طاحنة استعصى معها توفير أبسط معينات المعيشة خاصة لذوي الدخل المحدود. فقضية تراجع العملات الوطنية مشكلة ممتدة منذ فترة طويلة لم تفلح معها كافة المعالجات من قبل القائمين على الأمر في الحكومة السابقة والحالية.
ومن جهته قال الخبير السياسي د. الفاتح محجوب إن السودان تعرض لعقوبات أمريكية متنوعة أعاقت تواصله مع الاقتصاد العالمي لكن أزمة السودان الحقيقية بدأت في أواخر عهد النميري أي في عام 1983م عندما عجزت الحكومة عن سداد أقساط الديون وعانت من أعباء المجاعة وهو ما أدى الى سقوط النميري وورثت الحكومة الانتقالية ثم المنتخبة بقيادة المهدي مشكلة العجز عن دفع أقساط الديون وهو ما أعاق الديموقراطية وأفشلها وأدى إلى سقوطها وهي ذات الأزمة التي نجحت الإنقاذ في تجميدها لكن انفصال الجنوب وذهاب البترول معه أعاد إنتاج الأزمة أي العجز عن التواصل الفعال مع الاقتصاد العالمي.
وما تم في مؤتمر باريس مقدمة مبشرة لإنهاء أزمة الديون الخارجية ومعها معظم العقبات التي تحول دون الاندماج في الاقتصاد العالمي. أما ما يحدث الآن من تدهور في سعر الصرف للجنيه السوداني وازدياد الفقر وضيق المعيشة فهو يرجع الى سوء أداء الحكومة الانتقالية في المقام الأول لأنها تدير شؤون الحكم بعشوائية شديدة ويوجد لديها سوء كبير في ترتيب أولويات الحكومة فتسببت في أزمة ميناء بورتسودان وفي الانهيار المتواصل لسعر الصرف للجنيه السوداني، وفشلت في تبني سياسات مواتية للتنمية والصادر والاستثمار وهذا هو السبب الحقيقي للمعاناة، ومع ذلك سيحدث تحسن تدريجي للاقتصاد في الغالب إعفاء شبه كامل للديون الخارجية وتدفقت الاستثمارات الأجنبية. لكن هذا أمر يتطلب من الحكومة أن تقدم على تبني سياسات مواتية للتنمية والصادر والاستثمار أما أن واصلت في نهجها الحالي فلن تحصد غير الفشل وستورث البلاد والشعب المزيد من الفقر وضيق المعيشة.