السياسات الاقتصادية.. “روشتات” الخارج وتداعيات الانهيار!
الخرطوم- جمعة عبد الله
تزايدت حدة الانتقادات لسياسات الحكومة بشأن إدارة الاقتصاد، تزامناً مع تزايد أسعار الصرف، في وقت وصفت فيه اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير، الوضع الاقتصادي بـ “الخطير” وأن البلاد على شفا الانهيار، وهو ذات الاتجاه الذي سارت عليه المنظمة السودانية للشفافية، التي وصفت الحكومة بالعجز عن تحقيق سيادتها في تحديد سعر الصرف.
انتقادات قديمة:
وليس في هذه الانتقادات جديد، فكثيرًا ما أعلنت اللجنة الاقتصادية موقفها تجاه ما تتبناه الحكومة من سياسات، حيث ترى أن الأنسب هو الاعتماد على “برنامج السياسات البديلة” التي طرحته منذ عام ونصف، وهو يعتمد بالدرجة الأولى على الموارد الداخلية في قطاعات الزراعة والصناعة والتعدين، مع تشجيع الإنتاج المحلي لزيادة الصادر. بيد أن الحكومة تتبنى نظاماً عكسياً، محوره الأساسي المعونات الخارجية، وهي على كونها غير مضمونة العائد، فهي تنطوي على قدر كبير من الاشتراطات التي يضعها المانحون.
مكافحة الفساد:
وبحسب بيان للمنظمة السودانية للشفافية، فإن إخفاق الحكومة في تحديد وتشخيص ومعالجة معضلة سعر الصرف يمثل أهم تحديات مكافحة الفساد الماثلة الآن. واعتبرت المنظمة، أن جذور المشكلة تتمثل في غياب سياسات وإجراءات الصادر السيادي والوارد الضروري والجهات المنفذة والآليات والكيفية التي يتم بها التصدير والاستيراد، وتجاهل أثر الكتلة النقدية المحلية الضخمة المتدفقة على مدار الثانية والتي يضع يده عليها قطاع الاتصالات المملوك في غالب أسهمه وعائده لجهات أجنبية، وتشارك بعض مكوناته وعلى مرأى ومسمع من الحكومة في فوضى الأسعار وزيادة حدة التضخم والتأثير سلباً على سعر الصرف وعلى حياة ومعاش الناس. ودعت الحكومة لتحقيق سيادتها في تحديد سعر الصرف دون مؤثرات خارجية، وأن تضع سياساتها وإجراءاتها للصادر السيادي والوارد الضروري بما يحقق مصلحة البلاد وإنسانها ولصالح ميزانها التجاري حتى تتمكن من توفير المكون النقدي الأجنبي لسد ثغرة الاحتياجات الضرورية واحتياطي البنك المركزي، وأن تعيد ترتيب قطاع الاتصالات حتى تتحكم في الكتلة النقدية الصخمة لتصب في مصلحة الاقتصاد السوداني، ولتوفر المكون النقدي المحلي لشراء الصادر السيادي، إضافة إلى احتياجات مشروعات التنمية من المكون المحلي، وكذلك الأجور والتسيير لأجهزة الدولة من دون إلحاق الضرر باقتصاد البلاد عبر اللجوء إلى طباعة العملة المحلية، أو الاستدانة من الجهاز المصرفي.
وقريباً منها، وصفت اللجنة الاقتصادية بقوى الحرية والتغيير، ما تمر به البلاد، بأنه “مأزق اقتصادي خطير”، وقالت إنه كان نتاجاً طبيعياً للسياسات الاقتصادية التضخمية الخاطئة التي تم تطبيقها خلال عام ونصف.
غير مسبوقة:
وترى اللجنة أن سياسات الحكومة لم ينتج عنها سوى المزيد من التدهور الاقتصادي والإفقار للشعب وارتفاع وفوضى الأسعار وأزمات ندرة الوقود ومضاعفة سعر الجالون لأكثر من 20 ضعفاً وأزمة الغاز والخبز والكهرباء والدواء وارتفاع تكلفة المواصلات وتدهور قيمة العملة الوطنية بمعدلات غير مسبوقة وتدني إنتاجية القطاع الزراعي والصناعي والخدمي ولا زالت السلطات تصر على المضي في ذات الطريق وبوتائر أسرع. وأوضحت اللجنة، أنها ظلت منذ ديسمبر 2019 تطرح رؤيتها لتقوية سعر صرف العملة وتمثلت تلك الرؤية في ضرورة سيطرة الحكومة على صادر الذهب وإنشاء بورصة الذهب والمحاصيل الزراعية وإرجاع عمل الشركات الأربع التي كانت تعمل في مجال الصادرات وهي شركة الصمغ العربي وشركة الحبوب الزيتية ومؤسسة الماشية واللحوم وشركة الأقطان لضمان توريد حصائل الصادر ووضع الدولة يدها على رسوم عبور الطائرات للأجواء السودانية ورسوم عبور نفط الجنوب وتطبيق مبادرة المغتربين المسماة بمبادرة داعمي البنك المركزي بحيث تؤدي تلك البرامح إلى توفير العملات الحرة بمبالغ كبيرة لا تقل عن 12 – 14 مليار دولار في العام على أقل تقدير، تغني البلاد عن أي استجابة لضغوط خارجية أو تخفيض لقيمة العملة الوطنية أو مجاراة السوق الموازي الذي لا يقف عند حدود.
اتجاه معاكس:
وتأسف عضو اللجنة، التجاني حسين، على إصرار الحكومة للسير في الاتجاه المعاكس تماماً وقال: لم تنفذ تلك البرامج وخضعت للشروط الخارجية بالتخفيض المستمر لقيمة العملة الوطنية حتى وصلنا إلى طريق التدهور المستمر في سعر صرف العملة الوطنية الذي انخفض من 47 جنيها للدولار إلى ما يقارب 500 جنيه للدولار، وترتب على ذلك تصاعد جنوني في أسعار كافة السلع وتأزيم متواصل في الوضع المعيشي للمواطنين. وانتقدت اللجنة تكوين السلطة التنفيذية محفظة السلع الاستراتيجية وصارت تبيع الوقود المنتج محلياً للمواطنين بسعر المستورد محسوب بدولار السوق الموازي + 10٪ مما أدى إلى أن تصبح ثلث إيرادات موازنة 2021 البالغة 928 مليار جنيه أكثر من 300 مليار جنيه من مورد واحد فقط هو مبيعات الحكومة من الوقود مما أدى لزيادة تكلفة المواصلات للفرد في اليوم من 30- 50 جنيهاً إلى 800 جنيه في اليوم في المتوسط وارتفاع أسعار كافة السلع بسبب ارتفاع تكلفة النقل.
الحلول:
وتطرح اللجنة الاقتصادية، دعم المواسم الزراعية والإنتاج الصناعي والتعديني لزيادة الصادرات ودعم التعاونيات الإنتاجية والاستهلاكية بما يؤثر إيجابيًا على حياة الناس ويساعد في استقرار الأسعار ومراقبتها وضرورة تشغيل الشباب واستيعابهم في مشروعات صغيرة ومتوسطة لمحاربة البطالة والفقر. كما جددت المطلب بالرجوع إلى البرنامج الإسعافي للحرية والتغيير ومقررات المؤتمر الاقتصادي القومي الأول ومذكرات وبرامج اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير وتطبيق ما ورد فيها باعتباره الحل الشامل لأزمة الاقتصاد، ثم يكون العون الخارجي في حالة وصوله عاملاً مساعداً، وإلا فإن البلاد موعودة بمستوى شامل وأكثر عمقاً من الانهيار الاقتصادي والتجويع للشعب والانفراط الأمني بسبب السياسات الراهنة للسلطة والتي تتناقض جذرياً مع أهداف وبرامج الثورة وطموحات الشعب. وضرورة دعم المواسم الزراعية والإنتاج الصناعي والتعديني لزيادة الصادرات وضرورة دعم التعاونيات الإنتاجية والاستهلاكية بما يؤثر إيجابياً على حياة الناس ويساعد في استقرار الأسعار ومراقبتها وضرورة تشغيل الشباب واستيعابهم في مشروعات صغيرة ومتوسطة كجزء من خطة محاربة البطالة والفقر.