حرب الشائعات .. مُحاولات إجهاض الفترة الانتقالية
تقرير : صلاح مختار
تحديات عديدة تحاصر الفترة الانتقالية وتُهدِّد وجودها، تستخدم العديد من الأسلحة، مُستغلة في ذلك الضغوط الاقتصادية وبطء قطار العدالة في سكة الوصول إلى محاكمات ناجزة، وإنصاف لدماء الضحايا في العديد من الملفات والقضايا، وفي ظل هذه الواقع والضغوط المُتلاحقة والمُتسارعة في كل الاتجاهات تنشط (حرب الشائعات) وبَثّ سُمُوم الإحباط في عروق التغيير المُرتجى، الذي لم يغادر محطات البدايات في أمل الوصول إلى تحقيق أهداف الثورة كاملةً وغير منقوصة في سودان ما بعد الثورة الذي مازال في مرحلة المخاض.
وفي الأثناء، اِتّهم وزير رئاسة مجلس الوزراء خالد عمر يوسف، قوى عديدة لم يسمها بالعمل على إجهاض الفترة الانتقالية والانقلاب عليها، ونوه إلى أن أخطر هذه الأجسام تنتمي للثورة المُضادة وتسعى لعودة النظام البائد في ثوب جديد.
نشر الأكاذيب
شدد وزير مجلس الوزراء خالد عمر يوسف في منشور على حسابه بـ(فيسبوك)، على أنّ بعض قوى الثورة المضادة يسعون لنشر الأكاذيب انتصاراً منهم لمواقف سياسية محددة، وسعياً لتصفية حسابات، وقال يوسف (هذه القوى تظن أنّ سيول الشائعات والأكاذيب التي تطلقها كفيلة بتعطيلنا من المضي في طريق اكمال مهمام ثورة ديسمبر حتى آخرها)، وحذر يوسف من أن أخطر مخططات النظام البائد تركز على استخدام سلاح زرع الشقاق بمكونات البلاد، وقال (هاؤلاء سيعون إلى زراعة الخلافات بين القوى السياسية والحركة الجماهيرية ويسهمون في ضرب مكوناتها)، وأضاف (من أخطر مخططات النظام المباد، استخدامهم سلاح الفتنة داخل المؤسسة العسكرية بغية تقسيمها وتأليب مكوناتها وتوسيع الشقة بينها وبقية مكونات الشعب)، وتابع: السؤال الذي يطرح نفسه مَن يقف وراء تلك الشائعات وهل هذه القوى المُضادة فعلاً تستطيع الانقلاب وإجهاض الانتقالية..؟
مهددات الفترة
يرى المحلل السياسي والقانوني إبراهيم محمد، أنّ عوامل كثيرة يمكن أن تصبح مهددات للفترة الانتقالية، ويمكن أن تساعد في إجهاضها، وقال لـ(الصيحة) إن من تلك العوامل حالة التردي الاقتصادي والأمني، ويمكن أن تصبح من العوامل المحفزة لكل من يُريد النَّيل من الثورة، وأضاف (بالتالي تلك العوامل ليست بالضرورة أن تقف خلفها شخصيات بعينها، لأنها موجودة بفعل الحكومة أو بغيرها لتدفع كل من يريد التغيير إلى استغلالها)، ورأى أن الحكومة ساعدت في هذه المعطيات والحالة التي وصلت اليها البلاد بعد أن بدأت تظهر المُقارنات بين الأوضاع الحالية والسابقة، ما يؤشر إلى أن حالة الاحتقان بدأت تتشكّل في الشارع العام مع حالة السيولة السياسية وعدم حسم كثير من الملفات المُهمّة خلال الفترة الانتقالية، ونوه إلى أنه من أكبر مُهدِّدات الفترة الانتقالية عدم الالتزام بالتوقيتات المضروبَة لإنفاذ مطلوبات الفترة نفسها وعلى رأس هذه المطلوبات الترتيبات الأمنية، وقال (لعل وجود الحركات المُسلحة بالعاصمة خلق حَالة عدم الأمان والطمانينة لدى المُواطنين، هذا بجانب الخلافات التي طفحت خلال الفترة الأخيرة بين قوى الثورة والحاضنة السياسية وتركت آثاراً سالبة في الشارع العام).
عوامل محفزة
ويرى إبراهيم أن الفترة الانتقالية تحمل في داخلها عوامل كثيرة مُحفِّزة لأيِّ قوى مُتربِّصة للانقلاب أو إجهاض الفترة الانتقالية عليها، مُستغلةً في ذلك حالة السيولة السياسية والأمنية والأزمة الاقتصادية، وعدم حسم العديد من الملفات المهمة، بجانب الخلافات التي عصفت بقوى الحرية والتغيير وحالة التشكيك وعدم الثقة التي بدأت تظهر بين قوى الحاضنة السياسية، وأشار إلى أن حديث وزير شؤون مجلس الوزراء خالد عمر يوسف يقصد به قطع الطريق أمام تحرُّكات نظام الإنقاذ المُباد والمؤتمر الوطني المحلول التي نشطت خلال الفترة الأخيرة، وقال (بالتالي الدعوة كانت من أجل تنبيه الجهات السياسية والحكومة، بأنّ عليها المزيد من الحسم والاهتمام تجاه عناصر الحزب المُباد), وأضاف (ربّما يشير الحديث إلى الخلافات التي بدأت تطفو بين القوى المُشكّلة للحكومة والاتّهامات المُتبادلة بينها، بجانب عدم اكتمال مُؤسّسات الفترة الانتقالية حتى الآن، والتأخير الذي أصاب الترتيبات الأمنية).
إضعاف التحالُف
مِن جِهته، دافع المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير عن نفسه أمام الاتهامات التي تربط بينه وبين زعزعة الفترة الانتقالية، وأكّد أنّ الخلافات لا تُساعد على عملية الإصلاح الجارية، بل تُعقِّد الموقف وتُضاعف من تحديات الانتقال وتخدم الخط الرامي لإضعاف الحرية والتغيير، وإجهاض الفترة الانتقالية، وفنّد نائب حزب الأمة إبراهيم الأمين تلك الاتهامات، نافياً تعطيل حزبه عملية تشكيل المجلس التشريعي، واتّهم قوى الحرية والتغيير بمُحاولة إقامة مجلس ضيِّق التمثيل وغير قادر على أداء دوره بالشكل المطلوب، وشدّد على أنّ حزب الأمة ظَلّ يُنادي بشكلٍ مُتواصلٍ بضرورة ترسيخ المُؤسّسية داخل قوى الحرية والتغيير، وأشار إلى أنّ التحالف أصبح مجرد جسم “يبصم” على قرارات الحكومة ويهتم فقط بتوزيع المناصب – بحسب تعبيره.
وأوضح الأمين لموقع (سكاي نيوز) عربية، أن حزب الأمة لم يخرج من قوى الحرية والتغيير، بل جمّد نشاطه بسبب تحفُّظات واعتراضات على بعض الجوانب منها محدودية التمثيل، وأشار الأمين إلى “الضعف” الشديد الذي أصاب قِوى الحُرية والتّغيير خلال الفترة الماضية وانسحاب عدد من الأجسام المُكوِّنة لها.
أخطاءٌ كَبيرةٌ
لكن المحلل السياسي والخبير القانوني بروفيسور عثمان محمد الحسن خيري بدأ حديثه لـ(الصيحة) في وقتٍ سابقٍ، بتعريف الحكومة الانتقالية ومهامها على ضوء البنود التي لم تُنفّذ في المصفوفة الانتقالية، وقال (الحكومة الانتقالية امتطت صهوة جواد غير حقيقي وتكفّلت بالتزامات غير مسؤولة عنها، وفي نفس الوقت تركت المسؤوليات المسؤولة عنها)، وأشار إلى أن الخطأ التكتيكي أن الحكومة الانتقالية وضعت للسلام سقفا زمنيا محددا واعتبر ذلك من أكبر الأخطاء الموجودة، ما أدى إلى وجود مُماطلات والبحث عن منبر ومسار آخر.
فَشلٌ ذَريعٌ
ويقول خيري (أما فيما يتعلق بالملف الاقتصادي، كانت مهمة الحكومة ومسؤوليتها الأساسية ادارة الاقتصاد ولكنها فشلت فشلاً ذريعاً في ذلك)، وأوضح أنّ السبب الأول أنّها رفعت سقوفات وطموحات الشعب السوداني عالياً في بداية الثورة، وتحدّثت عن التنمية والدعم الخارجي المهول وطمأنت الناس بأنّ الأوضاع الاقصادية تسير على ما يرام، وأضاف (لكن بصورة مُفاجئة حدثت الطامة الكبرى، ووجد الناس أنفسهم في الدرك الأسفل، خَاصّةً فيما يتعلّق بالأوضاع الاقتصادية)!!! وأشار إلى أنّ الملف الثالث هو الحكم المحلي وتشكيل الحكومة الفيدرالية، وقال (الحكومة الانتقالية كان من أولى أولوياتها ان تصل إلى توافقٍ، والعمل على تكوين المجلس التشريعي الذي يحل مشكلة الدعم السريع والقوات المسلحة والتشريع والقوانين والتخطيط والمشاكل الجدلية)، ورأى خيري أن مسالة القضاء واحدة من المصفوفات التي حدث فيها إخفاقٌ، ونوّه إلى عدم قيام مجلس القضاء، وشدّد على أن مسألة تعيين رئيس القضاء بطريقة غير مُنظّمة، أدّت إلى عُطْبٍ في الجهاز العدلي.