المطلوبون للجنائية.. المثول أو التسليم.. خيارات لاهاي
تقرير- عبد الله عبد الرحيم
لا زالت قيادات الحركات المسلحة تنادي بضرورة تسليم المطلوبين لدى لاهاي من المتورطين في أحداث وجرائم دارفور ضد الإنسانية من النظام البائد. وقد أكد مني أركو مناوي، حاكم إقليم دارفور، على أهمية تسليم المتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، إلى محكمة الجنايات الدولية. وأوضح مناوي أن الرئيس المخلوع، عمر البشير، وأحمد هارون، يترأسان قائمة المتهمين، جاء ذلك خلال لقاء مناوي بالمدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، التي قدمت إلى الخرطوم في زيارة رسمية مؤخراً. هذا وقد أشاد حاكم إقليم دارفور، بموقف بنسودا الرامي لإحقاق الحق وإنزال العدالة، على مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية. ولفت مناوي إلى اهتمام بنسودا بوقوفها بجانب ضحايا الحرب والإبادة الجماعية في دارفور. داعياً السلطات القضائية في السودان بالإسراع في تطبيق القانون على مُرتكبي جرائم الحرب في دارفور تحقيقاً لأهداف الثورة.
من جهتها قالت فاتو بنسودا “تعرفون أننا بدأنا بالفعل بالتحقيق في قضايا الحرب والإبادة الجماعية ونقوم بزيارة لدارفور لهذا الغرض”. كما أعربت بنسودا عن شكرها لأهل دارفور بسبب مطالبتهم المستمرة بضرورة محاكمة مرتكبي الجرائم. فضلاً عن إشادتها باهتمام تحقيق العدالة ومعاقبة المجرمين، جراء ما تم ارتكابه في الإقليم. على صعيد منفصل، أرسل تحالف سياسي في السودان دعوته إلى المكونات السياسية المتعددة في السودان إلى إجراء مصالحة وطنية أو قيام انتخابات مبكرة لكي يتم تفادي التدهور الاقتصادي الذي تشهده البلاد. ودعا رئيس “تحالف السودان للعدالة” فرح العقار جميع الأحزاب السياسية للخوض في حوار وطني شامل يقود إلى مصالحة وطنية، معبرًا عن حرصه لأهمية الوفاق الوطني، حسبما أفادت. ويتكون التحالف من تسعة أحزاب سياسية وحركات مسلحة، فضلًا عن تجمعات شبابية ومنظمات مجتمع مدني، حيث تم تكوينه في يونيو من العام 2020. وأكد العقار على وجوب إنهاء الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها المواطنون، وأن معالجتها تتطلب تسوية سياسية وإجراء مصالحة وطنية، على حد قوله. واستطرد: “في حال فشل المصالحة الوطنية في السودان ينبغي أن تتم الدعوة لانتخابات مبكرة، فالوضع الراهن لا يبشر بالخير أبدًا”. وقال العقار إن التحالف قام بتسليم رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو، رؤيته المتعلقة بإجراء المصالحة الوطنية خلال شهر نوفمبر الماضي. وزاد: “مشروعنا في التحالف يبرز أهمية المحافظة على عدم تقسيم السودان ووحدة أراضيه، مع تكوين علاقات دولية أساسها المصالح دون تأثر الدولة. وختم بالقول: “لدينا كذلك رؤية متعلقة بنوع وشكل الحكم وكيفية التداول السلمي للسلطة، سنقوم بتسليمها لجميع الأحزاب حتى نعمل سويًا لمعالجة المشاكل التي تعاني منها البلاد”.
شاهد ملك:
ويقول د. عبد الناصر سلم الخبير في القانون الدولي إنه وحسب الوقائع فإن خروج علي كوشيب من السودان وتسليم نفسه للجنائية أشار إلى أن الكثيرين وقتها ينظر لما يجري بالسيناريو، وأنه أمر مرتب وسيناريو تم بسرية عالية جداً. مشيراً إلى ان بعض الجهات كانت تريد أن تضع علي كوشيب شاهد ملك لدى تلك المحكمة. وقال إن مطالبة كوشيب بأن تكون هذه الجلسة سرية هو لأن هناك معلومات يريد الإدلاء بها ولا يريد أن يطلع عليها عامة الناس . وقال سلم إنه ومن خلال هذه المحاكمة فإن الإفادات التي ألقى بها كوشيب ستكون لها مردودات كثيرة دولياً وداخلياً لجهة أنها مرتبطة بالأحداث التي وقعت في فترة زمنية في ولاية دارفور.
ويتفق القانوني د. إبراهيم خاطر لـ(الصيحة) مع ما قاله د. سلم في أن هذه المحاكمات ستجر وراءها الكثير من الذين شاركوا في حرب دارفور، وذلك هو السبب الذي دفع بكوشيب لتكون الجلسة سرية غير معلنة. وهو ما قد يفتح الباب واسعاً لاتهام آخرين وربما شهدنا خلال الأيام القادمة صدور مذكرات إيقاف بحق آخرين داخل السودان. وهذا هو السبب الذي دفع السيدة فاتو بنسودا بتكرار زيارتها للسودان وللمطالبة بمثول المطلوبين لديها لمواصلة وقائع المحاكمة التي بدأت بكوشيب. فيما التقت مناوي باعتباره حاكمًا عاماً لدارفور لمساعدتها في هذا الموضوع الذي يتعلق بهذه التهم الموجهة لبعض الذين تورطوا في أحداث وأزمة وجرائم ضد الإنسانية دارفور .
الدعوة لـ(لاهاي):
وأكد الخبير د. عبد الناصر سلم، أن هذه المحكمة ستستمر لفترة طويلة لارتباطها بأحداث دارفور التي استمرت لفترة زمنية طويلة، وزاد إن قضية دارفور كانت متشعبة، وأن الكثير من الأطراف شارك فيها. واتهم سلم الكثير من الجهات التي لها ارتباط بما يجري وكيف أنها تريد أن تخلق جوا من الفوضى، مشيراً إلى أن قانون المحكمة الجنائية يعطي المتهم ودولته الحق في طلب تحويل الملف للمحاكم العدلية والخاصة ببلده وأن يطالب بمحاكمة عادلة في بلده لطالما أن القضاء السوداني يشتغل في هذا الاتجاه في ظل وجود قضاء مستقل ونزيه يضمن امكانية محاكمات عادلة للمتهمين ويضمن حقوق المجنى عليهم.
وحول إمكانية تسليم السودان بقية المطلوبين لدى المحكمة الجنائية الدولية يقول إن السودان طلب من المحكمة إقامة محكمة مختلطة لتحقيق العدالة بيد إنه يرى أن القضايا لابد وان تحسم مهما طال الزمن أو قصر وجزم سلم بأن القضاء السوداني له القدرة على إقامة المحاكمات إذا تم تعديل القوانين، وقال إنه قدم صورة ممتازة جدًا للقضاء خلال محاكمة رموز انقلاب 1989م. وأكد أن محكمة كوشيب تختلف وفي منحى مغاير وسيعطي كوشيب الكثير من الأدلة التي من شأنها أن تجر خلال الأيام القادمة الكثيرين للإدلاء بأقوالهم أمام المحكمة، مشيراً إلى أن هناك جهات تريد تعميق الأزمة السودانية أكثر مما هي عليه اليوم.
القضاء السوداني:
ويرى د. السر محمد علي الاستراتيجي والمحلل السياسي لـ(الصيحة)، أن الكثير من المتابعين لهذا الملف دائماً ما يخلطون بين مثول المطلوبين لدى المحكمة وتسليمهم للمحكمة مشيراً إلى أن المثول لا يعني تسليماً بأي حال لأن القاعدة القانونية توصي بمثول، وهذا يعني إمكانية محاكمة هؤلاء المتهمين لدى محاكم قد تكون خارج لاهاي ولكن لديها انتماء قاطع بموضوع المحكمة بل وتتفق معه محكمة جرائم الحرب الدولية كالتي طالب بها السودان لمحاكمة مطلوبيه من المتهمين في تلك الجرائم وطلب السودان تشكيل محكمة هجين أو خليط للقيام بهذه المحاكمة فيما يعارض العديد من السودانيين إمكانية سفر أو مثول المطلوبين من السودان إلى لاهاي. وقد يرى البعض أن الخطوة فيها إذلال للإنسان والقانون السوداني لدرجة أن يوصف بنقصانه والخلل الذي يقع فيه. ويرى هؤلاء أن هذه ردة سياسية قضائية وصفعة في وجه السودان الذي ظل يرابط ويماطل منذ زمن بعيد في تسليم المطلوبين للاهاي. فيما انقسم الشارع إزاء تلك المواقف والدعوات والمطالبة بضرورة التسليم. الأمر الذي دفع مراقبين للتساؤل بإمكانية محاكمة المطلوبين بالداخل وما يترتب على ذلك في مستقبل القضاء السوداني؟