بعثات السودان بالخارج تواجه ظروفاً مالية مأساوية وأزمة بين الخارجية والمالية لهذا السبب..
الخرطوم- مريم أبشر
تعيش البعثات الدبلوماسية السودانية، إن لم تكن كلها، أوضاعاً مالية صعبة للغاية، حيث تعذر لمعظم البعثات صرف مرتباتهم الشهرية وميزانيات التسيير لفترة ليست بالقصيرة وصلت في بعضها لمدة عام ونصف، وضاعف من معاناة العاملين تفشي جائحة كورونا التي لم تستثن جزءاً في العالم. التعثر المالي إن لم تتداركه وزارة الخارجية سيعرض العديد من العاملين بتلك البعثات للدخول في محاكم بسبب تطاول أمد دفع إيجار مقرات السكن وإيجارات مقار البعثات التي هي ليست أملاكاً للحكومة كما قد تدفع الحاجة المالية لخروج كثير من أبناء العاملين من المدارس بجانب تخوف عدد من المراقبين من وقوع الدبلوماسيين تحت دائرة الاختراق في دول التمثيل.
أصل الحكاية:
وفق مراقبين يرون أن فهماً متوارثاً تاريخياً في وزارة المالية في مختلف الحقب المتعاقبة بأن الصرف على وزارة الخارجية ممثلة في بعثاتها الخارجية مسألة ثانوية لا تقع ضمن أولويات الصرف بالنقد الأجنبي، وأضافوا: وصلت هذه الحالة الذهنية ذروتها وخرجت للتداول في الوسائط في أعقاب الخطبة الشهيرة للوزير الأسبق البروف إبراهيم غندور في البرلمان والتي تسببت في الإطاحة به من منصبه بعد أن وجد منافسوه السياسيون مادة دسمة لتغذية العقلية المتسلطة لمن كان على رأس السلطة حينها وتحريضه بصورة سافرة عبر ادعاء خروجه عن أطر التشاور السرية ونشر غسيل بيروقراطية، وتعنت وزارة المالية للعلن. ويرون أن العقليات المتحكمة في مراكز القرار بوزارة المالية موغلة في المحلية ولا تتوفر على أي معرفة بأن الصرف على وزارة الخارجية يتم في دول أخرى لا علاقة لها بحساباتهم وبالكاد تفي بتغطية منصرفات البعثات الدبلوماسية وموظفيها وتغطي الحد الأدنى من الإيفاء بمتطلبات تمثيل البلاد بصورة لائقة ومحترمة.
لهذه الأسباب تأخرت..
ظاهرة تأخر التحويلات قديمة وكان وضع اسم السودان على قائمة الإرهاب وفرض عقوبات اقتصادية أسهم في تغذيتها ولكن ما زاد من حدتها حسب بعض الخبراء الدبلوماسيين بعد التغييرات السياسية في البلاد التي أعقبت سقوط حكومة المخلوع هو الاستهداف الواضح لوزارة الخارجية وطواقم بعثاتها الخارجية بالحملات السالبة الإسفيرية والتي صورت كل موظفي وزارة الخارجية كأذناب للنظام السابق وسفاراتها كأوكار للتآمر على الثورة مما حفز عدداً من الدوائر للتعامل مع ملف تحويلات البعثات بصورة مستهترة وخطيرة دون اعتبار للجوانب القانونية والإنسانية الوثيقة الصلة بهذا الأمر.
دور الوزارة
امتعاض شديد يبديه منسوبو الوزارة المتضررون في بعثاتها الدبلوماسية تجاه التعامل البارد جداً مع قضيتهم ويرون أن تعامل وزارة الخارجية حسب مصادر دبلوماسية وبعثاتها بالخارج مع هذه الأزمة، يتم بصوت خافت ونبرة مهادنة البعض عده بسبب ضعف القيادات التنفيذية والسياسية التي تعاقبت وخضوع بعضهم بصورة لأصوات الناشطين ومحركي الحملات الإسفيرية السالبة التي لم تترك مسبة إلا إلصقتها بوزارة الخارجية والعاملين بها بصورة جعلت تأخر التحويلات المالية أمراً ثانوياً مقارنة بفصل أكثر من ثلثي العاملين بها دون أن ينبسوا ببنت شفة ممن يرى القائمون على الأمر أنهم دخلوا الوزارة عن طريق التمكين، تسبب هذا الضعف بجانب التأثير على عدم حصول موظفي وزارة الخارجية على حقوقهم في سلبها معظم ملفاتها والدخول بها إلى مجاهل غير معلومة لا علم لها بكيفية إدارتها ولا طرق معالجتها في تعزيز واستمرار اعتبره مراقبون دبلوماسيون لنفس نهج النظام البائد فيما عرف بالدبلوماسية الرئاسية في وضع هش يفتقر لإحكام القيادة وتعدد مراكز اتخاذ القرار. يضاف لما سبق ولنفس الأسباب الإفراغ المتعمد للبعثات الدبلوماسية من السفراء والدبلوماسيين وبروز ظاهرة غريبة تمثلت في قيام عدد من الكتبة والإداريين بتصريف الأعمال بالسفارات في صورة مقلوبة وغير مفهومة المبررات تنم عن لا مبالاة غير مسبوقة بصورة البلاد وأهمية تمثيلها بالمستوى اللائق بها كدولة محترمة حيث ظلت معظم البعثات بالخارج دون سفراء للرئاسة بعيد سقوط النظام وحتى الآن.
ظاهرة جديدة:
المتابعون أشاروا إلى أن وزارة الخارجية استمرت في نقل الإداريين والكتبة بدرجات وظيفية عالية (تم نقل 40 إدارياً بالسلك الكتابي خلال الفترة المنصرمة من العام 2021) رغم الادعاء بأن مبررات عدم ابتعاث دبلوماسيين للعمل بالبعثات هي تخفيض النفقات، وهو إجراء يؤكد ما تم الذهاب إليه من خضوع الوزارة وقيادتها لحملات الاستهداف الممنهجة للطاقم الدبلوماسي.
الوضع الراهن للأزمة:
لم يتم تحويل المخصصات المالية (رواتب فصل أول) للعاملين بالبعثات الدبلوماسية السودانية بالخارج منذ ديسمبر 2019م مما اضطر بعض ما تبقى من العاملين بالبعثات لإعادة أسرهم للسودان وقطع دراسة أبنائهم وذلك للضغوط الهائلة التي يتعرضون لها بسبب عدم إيفائهم بسداد فواتير سكنهم ومعاشهم واضطرت بعض البعثات لإخلاء مقار الإقامة وتوفير سكن لمنسوبيها داخل مقر البعثة وعمل ميزات للطعام بما يقيم الأود تكافلاً مع أولئك الذين لا يملكون حتى حق الطعام ناهيك عن غيره فيما آثرت بعض البعثات لبعض منسوبيها خاصه العمالة المحلية البقاء في منازلهم لعجزها عن توفير حقوقهم الراتبة حتى يتمكنوا من الذهاب والعودة يومياً.
ارتدادات الوضع الراهن وأفق الحلول
أثر هذا الوضع البائس بصورة مباشرة على صورة البلاد وموقعها بين دول العالم وتأثر الأداء العام للعاملين بالبعثات الدبلوماسية وضعف المردود العام للعمل في وقت فيه السودان أحوج ما يكون لحشد كل وسيلة متاحة لفتح قنوات التواصل مع العالم والتبشير بالعهد الجديد يتضح بجلاء من واقع المسار الحالي للأحداث على صعيد وزارة الخارجية أن هناك اتجاهاً متفقاً عليه بين مكونات الانتقالية على إفراغ وزارة الخارجية وممثلياتها بالخارج من العاملين والمهام في وقت واحد أوكلت هذه المهمة عمداً لعناصر تفتقر للخبرة والمعرفة بإدارة الأفراد وضعت على هرم العمل الإداري بالوزارة حيث أصبح حتى التفكير في دخول المكاتب المعنية بالعاملين مخاطرة يتحمل مرتكبها احتمالات راجحة بالتعرض للمذلة والاستهداف بالتهديد بسيف التمكين معتبرين ذلك نوعاً جديداً من الدكتاتورية في أروقة الوزارة.
الحاجة الماسة:
مراقبون أكدوا لـ(الصيحة) أن وزارة الخارجية تحتاج لدعم كامل من منظومة الدولة للنهوض بها ومساعدتها في تولي مسؤولياتها في حماية المصالح وجلب المنافع للبلاد باعتبارها خط الدفاع الأول والأهم وتجديد الثقة بمن بقي من العاملين بها من السفراء والدبلوماسيين الوطنيين ووقف حملات التخوين المدارة في الخفاء بواسطة عناصر وصفوها بالمشبوهة ذات ارتباطات خارجية تنظر بغبطة لآخر قلاع المهنية وهي تتداعى.
دور الوزيرة
بعض العاملين أشاروا إلى أن الوزيرة ظلت منذ قدومها تعمل بصورة حثيثة على لملمة ما تشظى من جسم وزارة الخارجية وتواجه مقاومة عنيفة من دوائر النفوذ الجديدة. ورأوا أن تحويلات المالية هي عرض لمرض استشرى في وزارة عريقة حكمتها التقاليد وأذابت كل الانتماءات وأعلت قيمة الانتماء للوطن وتمثل معالجة الحالة الذهنية التي تم تشكيلها بعناية لدى من هم على رأس العمل الإداري والمالي بوزارة الخارجية والتي تعتبر مجرد المطالبة برواتب موظفيها ضربًا من ضروب عدم المسؤولية والافتقار للحس الوطني، أولى الخطوات نحو تصحيح الأوضاع بوزارة الخارجية وبعثات السودان الدبلوماسية بالخارج كخيار وحيد يضمن تحقيق العدالة وإيفاء المستحقين حقوقهم. الخيار الثاني هو إلغاء وزارة الخارجية وإغلاق البعثات الدبلوماسية للسودان بالخارج في حال عجز الدولة مالياً عن تغطية منصرفتها والزهد في خدماتها.. لا يجوز قانوناً ولا إنسانياً أن يتم استغلال العاملين بالبعثات بهذه الصورة البشعة واعتبار صمت العاجز المهدد بالفصل عن حقوقه قبولاَ بالواقع.
قرار مفاجئ:
خلال الأيام القليلة الماضية صدر قرار من وزارة المالية أكدت المصادر أنه تسبب في أزمة مكتومة بين وزارتي المالية والخارجية تقترب من الانفجار وكشفت معلومات صحفية عن وجود أزمة مكتومة بين وزارتي الخارجية والمالية والتخطيط الاقتصادي وديوان الحسابات، تقترب من الانفجار إلى السطح، وذلك على خلفية قرار وزير المالية د. جبريل ابراهيم بتاريخ الأول من أبريل الماضي والذي نص على تمثيل منسوبي وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي من محاسبين ومراجعين داخليين بكل البعثات الدبلوماسية وأن لا يسمح لغير المحاسبين والمراجعين الداخليين باستخدام نظام التحصيل الإلكتروني وذلك وفقاً لمنشور مجلس الوزراء الذي يؤكد على ضرورة ولاية المالية على المال العام. ولفتت مصادر مطلعة بأن هنالك استنكارا واضحاً لقرار وزير المالية وسط موظفي وزارة الخارجية لجهة أنهم يرون أنهم مسؤولون من المال العام ولا داعي لمحاسبين. وشددت وزارة المالية على ضرورة تطبيق منشور مجلس الوزراء وقرار وزارة المالية لضمان تمثيل المحاسبين بدلاً عن الإداريين.
وتمسكت وزارة المالية بالمحاسبين بدلاً من الإداريين للقيام بعمل المحاسب لجهة أنه عملهم المنوط بهم، فضلاً عن عدم دراية الإداري بنظام التحصيل الإلكتروني واستخدام الأرانيك المالية، حيث كشفت المتابعات عن مخالفة الإداريين للوائح وتقارير المراجع العام غير أن مصادر عليمة وصفت الخطوة بالابتزاز وقالت: هيكل وزارة الخارجية (البعثات) الحالي لم تتم إجازته إلا بعد أن عقدت الخارجية صفقة مع المالية وديوان شؤون الخدمة لخلق وظائف لهم بهياكل البعثات مما تسبب في حالة الترهل الحالية والتي أفضت لعجز الدولة عن الإيفاء بالرواتب لوظائف فارغة و طالب دبلوماسيون بأهمية تصفية وظائف الماليين والإداريين حتى ينصلح الحال باعتبارهم يشكلون عبئاً إضافياً، وتأكيداً على ذلك فقد أكدت المعلومات أن إحدى السفارات في دولة عظمى مهمة يوجد بها (3) إداريين و(٢) محاسبين وملحقية عسكرية فيها (٣) ضباط وملحقية أمنية فيها اثنان ودبلوماسيان فقط أحدهما بدرجة سكرتير ثالث ووفق المهام، فإن العمل الخارجي منوط به الدبلوماسيون على وجه الخصوص وما دون ذلك من وظائف عمل ثانوي ومدعاة لصرف غير ضروري. وأشار متابعون على سبيل المثال الإداريين والمحاسبين في إحدى السفارات تبلغ رواتبهم حوالى الخمسين ألف دولار في الشهر.. وكل عملهم يمكن أن يقوم به السكرتير الثالث وانتقد بعضهم هيكل البعثات للعام ٢٠٠٧ باعتباره ساوى بين الدبلوماسي والإداري والمالي في المخصصات رغم التفاوت الواضح في المهام والوصف الوظيفي.
وضع بائس:
واعتبر أحد السفراء في حديثه لـ(الصيحة) قرار المالية بأنه محاولة لتحقيق طموح قديم وإهدار موارد البلد وقال إن بعض السفارات ميزانيتها السنوية لا تتجاوز 200 ألف دولار في الشهر معروفة المصادر فكيف تعين لها محاسباً براتب شهري عشرة آلاف دولار ليشرف عليها وأكدت أن كل بعثات السودان بالخارج تعمل حالياً بالحد الأدنى نسبة لتقدير ظروف البلد الاقتصادية وأن عدد كل الدبلوماسيبن بالوزارة لا يتجاوز الـ 300 وأكدت المعلومات أن معظم السفارات والملحقيات التي يقارب عددها الثمانين لم تتسلم ميزانيات رواتب منسوبيها وميزانيات تسييرها منذ سبعة عشر شهراً وأن معظم العاملين فيها يعيشون حالياً اوضاعًا صعبة قطعت من بعضهم الخدمات الضرورية كالغاز والتدفئة لعدم مقدرتهم على دفع الفواتير وحسب متابعات (الصيحة) فإن أبناء الدبلوماسيين قد يصبحون قريباً خارج دائرة التعليم ومواصلة تعليمهم الأكاديمى بسبب سوء الأوضاع المالية وعدم مقدرة ذويهم على تحمل نفقات إرجاعهم لمواصلة التعليم داخل الوطن، وأكد المصدر الدبلوماسي أن معظم السفارات حالياً بدون سفراء رغم الحاجة الماسة لوجودهم لحلحلة مشاكل السودان الخارجية ومتابعتها وقطعت ذات المصادر أن المبالغ المخصصة للبعثات أن ما يصرف منها على العمل الدبلوماسي أقل من 50% حيث تذهب بقية المبالغ للجهات الأخرى الملحقة بالعمل الخارج وليس لها مردود يذكر وأكد أن الدبلوماسية الرئاسية التي كانت تمارس في العهد البائد ما زالت مستمرة وحذر بعض السفراء من أن تتسبب الضائقة المالية للبعثات في تعرض الدبلوماسيبن ومقار البعثات غير المملوكة للطرد والدخول في محاكم وقضايا بسبب المتأخرات أو أن يصبح بعضهم هدفاً للاختراق والاستهداف من جهات خارجية مستغلة اوضاعهم المالية.
هنا مكمن الخطورة:
الخبير الدبلوماسي والاستاذ الجامعي الدكتور حسن بشير عدد جملة من المؤشرات السالبة لتأخر مستحقات الدبلوماسيين أبرزها الشكل العام للدولة لجهة أن الأوضاع المالية السيئة لمنسوبي الخارجية تعكس صورة سالبة فضلًا عن أنها تفتح الباب واسعاً أمام حملات الاستقطاب كما أنه يعمل على تعطيل العمل الدبلوماسي، إذ لن يتنسى لدبلوماسي غير قادر على تسيير أموره الحياتية أن يؤدى واجبه العملي إضف الى ذلك كما أفاد حسن (الصيحة)، تجعلهم أوضاعهم السيئة مكاناً للتندر بين السفارات، ولفت إلى أن الوقت غير مناسب لنشوب نزاع بين المالية والخارجية لجهة أن هنالك في الأصل عجز عن تسديد الرواتب للسفارات منذ عام ونصف وكان الأفضل أن تمنح السفارات مستحقاتها القديمة ثم النظر فيما تصر عليه المالية بوجود محاسبين في السفارات، وفي هذا الخصوص أشار إلى أن وجود محاسبين يمكن أن يكون مناسبا من حيث المبدأ في السفارات الكبيرة باعتبار ولاية المالية على المال العام ولكن ليست هنالك ضرورة لمحاسبين في سفارات كل طاقمها لا يتحاوز الاثنين أو ثلاثة من العاملين وقطع بأن حق المرتب حق أصيل للعامل وفقا لقوانين حقوق الإنسان والقوانين الشرعية ورغم التحركات التي أجرتها قيادة الوزارة إلا أن الملف ما زال يراوح مكانه في ظل إصرار المالية على وجود منسوبيها ولفت الدكتور حسن بشير إلى أن الحكومة الانتقالية الآن في حاجة لدبلوماسييها لتفعيل العمل الخارجي بعد خروج السودان من عزلته وأنه يتوجب علينا أن لا نهزم شعارات الثورة وأن تعالج قضايا الخلاف بالداخل.
جلسة رباعية:
قيادي بالوزارة ــ فضل حجب اسمه ـ أكد لــ(الصيحة) أمر مرتبات العاملين ما زال شائكاً لكنه أشار إلى أن الوزارة تعتزم عقد اجتماع رباعي يضم قيادة الحكومة التنفيذية ممثلة في الدكتور عبد الله حمدوك رئيس مجلس الوزراء ووزيري المالية والخارجية وبحضور محافظ بنك السودان وطرح الملف بكل شفافية للخروج بقرارات تكون قابلة للتنفيذ لإنقاذ الموقف.