بعد أن كثُر الموت تحت الأنقاض .. (الصيحة) تبحث في مخاطر الذهب
مدير جيولوجي: الانهيارات تحدث في الأبار الضيّقة العميقة والمناجم غير المهيأة لعمد الجدران
خبير تعدين: من المخاطر على المعدنين غبار الطواحين وأغلبه “سلكا” يصيب الجهاز التنفسي
في السودان يمكن أن يهلك من ينهار عليه كوم تراب لعدم وجود من ينقذه
تبخير الزئبق يتم بصورة غير علمية بعيداً عن المعامل
كثيراً ما نسمع عن موت المعدنين تحت أنقاض المناجم المهترئة في حوادث مأساوية تدمي القلوب وتوجع الصدور، ذهبوا يحثاً عن المال والمستقبل المشرق ولم يعودوا لعدم وجود فرق تنقذهم وفي لمح البصر فارقوا الحياة..
ومؤخرا لقي 40 شاباً مصرعهم بوادي حلفا إثر سقوط منجم ذهب فوق رؤوسهم، كما أكدت السلطات السودانية مصرع 6 معدنين في انهيار منجم ذهب مهجور في منطقة قريبة من وادي حلفا.
ووقتها قال أردول مدير الشركة السودانية للموارد المعدنية في تغريدة له على تويتر، إن شرطة التعدين انتشرت لمنع الاقتراب من المناجم المهجورة، وناشد المعدنين الأهليين بالتعاون مع مشرفي البيئة والسلامة للشركة السودانية بغية تقليل الحوادث.
وطبقاً لوكالة السودان للأنباء، فإن المعدنين لقوا حتفهم إثر انهيار إحدى الآبار الكبيرة المتفرعة من منجم على بعد 65 كلم شرقي مدينة وادي حلفا.
واستقبلت مشرحة حلفا عدداً من الجثامين يومي الإثنين والثلاثاء وتمت مواراة أربع جثث بمقابر المدينة، بينما تم إنقاذ أحد المعدنين جرى نقله للمستشفى في وقت تواصلت فيه أعمال البحث عن المفقودين..
نعم، إنهم يموتون موتاً سهلًا تحت عروق الذهب كيف ولماذا…؟
تحقيق/ محيي الدين شجر
على بعد حوالي 35 كيلو شمال شرق مدينة بورت سودان تقع مجمعات أربعات لتعدين الذهب وشمال 50 مجمعاً لأستخلاص الذهب، وهي من كبريات شركات الاستخلاص بولاية البحر الأحمر( للامانة فلقد شاهدت بمنطقة أربعات بيئة صالحة من الكهرباء والأمن والمصارف).
وعلى بعد 15 كيلو متراً جنوب غربي المدنية يقع سوق خور موك، وهو من المجمعات الصغرى. كانت زيارتنا للموقعين التي نلخصها في التالي:
مجمع وجملونات أربعات
مجمع أربعات يضم مساحة كبيرة يعمل فيه حوالي آربعة آلاف معدن وتجري فيها عدة عمليات متكاملة للتحضير لاستخلاص الذهب وهي كالآتي:
1/ الكسارات التي تعمل على طحن الصخور وتحويلها إلى بودرة بغرض نقلها وغسلها في أحواض الغسيل، عدد الكسارات أكثر من 2500 كسارة.
2/ أحواض الماء، وهي عبارة عن أحواض 2* 2* 2 متر، وعددها يفوق الـ600 حوض ويعمل بكل حوض من 4 – 5 من الصبية ويقومون (بغسيل) طحين الصخور وهي عملية مهمة جداً لتركيز الخام.
يضاف الزئبق أثناء عملية الغسيل إلى محتويات الصحن (صحن الغسيل)، وهو ما ينتج عنه ملقم الزئبق الذي يجمع الذهب في الصحن.
3/ جملونات استخلاص الذهب.
يعرض ملقم الزئبق لدرجة حراراة عالية ليتبخر ويبقى معدن الذهب.
المخاطر على المعدنين
يقول لي السيد عمر إدريس حسن عمر (خبير تعدين): من المخاطر على المعدنيين:
1/ غبار الطواحين وأغلبها سلكا يصيب الجهاز التنفسي بمرض السيلوكزايزس القاتل وذلك لعدم استخدام الكثيرين للكمامات المصممة خصيصاً لهذا العمل، وهي ما يعرف بكمامات نخرة الكلب.
2/ عدم استعمال واقيات الأذن والعين يسبب تلف السمع والبصر.
3/ الزئبق ينزلق في ماء ويدخل في أجسام الصبية في أحواض الغسيل بواسطة فتحة الشرج والجروح ويؤدي إلى التسمم والوفاة.
بعض مناطق التعدين فيها نساء يعملن في التعدين أو يعملن ضباط إداريين وتعرضهن للزئبق يسبب الإجهاض.
4/ تبخير الزئبق يتم بصورة غير علمية بعيداً عن المعامل ويتم داخل الجملونات المفتوحة واستنشاق بخار الزئبق يؤدي إلى المرض والموت ولوحظ كثيراً ظهور حالات رجفة عند الصبية.
5/ تسرب الزئبق في الهواء والتربة فيه ضرر كبير على البيئة بخاصة المياه والمرعى وبمرور الزمن ينتقل الزئبق وهو مادة سامة بالحرارة والمياه والسيول من مناطق التعدين إلى مياه الأنهار والبحار ومياه المدن.
خطورة التعدين في مناطق المناجم:
يقول عمار سيد أحمد مدير شركة سودامين والجيلوجيا بورت سودان سابقاً
نعني بمناطق المناجم التي تجري فيها عمليات أخذ الصخور بالتفجير والحفر ما يسمى بالآبار والخنادق والمناجم المفتوحة الصغيرة.
ويضيف: الاستخدام الخاطئ للمتفجرات يؤدي إلى عواقب وخيمة تصل حتى الموت، والانهيارات دائماً تحدث في الآبار الضيقة العميقة والمناجم غير المهيأة لعمد الجدران، وكلما زاد عمق البئر زادت خطورتها وأدى إلى انهيار الآبار (العشوائية).
ويزيد قائلاً: عدم وجود التهوية السليمة داخل الآبار والمناجم مع استخدام الكيماويات يؤدي إلى الأمراض والهلاك.
وعدم استخدام قبعات السلامة على الرأس والواقية للأرجل يؤدي إلى إصابة هذه الأطراف بسهولة
ليقول شليعة: كل هذه المخاطر موجودة في مناطق المناجم وتحدث في كثير من مواقع التعدين الأهلي والعشوائي والمنظم بالبلاد، وهي كلها نتيجة للأسلوب والطرق العشوائية المتبعة في العمل والذي له أساسيات عملية ضرورية يهلك من لا يتبعها.
البيئة المجتمعية بمناطق التعدين والاستخلاص
قال لي المهندس الجيلوجي عبد الهادي إبراهيم: عموماً وباختصارعدم توفر الماء النقي والصحي والغذاء الجيد بمناطق التعدين وعدم توفر الرعاية الصحية والأمنية تؤدي جميعها إلى الإصابة بالأمراض مثل اليرقان والتايفويد والملاريا وأمراض سوء التغذية وحالات التسمم وغيرها ويؤدي انتشار الخمور والمخدرات بصفة عامة إلى انتشار بؤر الجريمة في مواقع التعدين.
جنوح الأحداث يبدأ من التمرد على البيت ثم المدرسة والهروب إلى مناطق التعدين للحصول على عائد مادي سريع، وهنا تضيع شريحة كبيرة من مستقبل الأمة بين مخاطر التعدين العشوائي والكسب السريع والوقوع في سوق الرذيلة حيث لا ولي أمر ولا ضابط ولا رقيب.
أخيراً ما هي الحلول؟
يقول عمار سيد أحمد: الحلول يجب أن تكون لوزارة المعادن السلطة المطلقة على مناطق التعدين وعمل دراسات جودة يتم فيها التعريف والإلزام بضوابط العمل والسلامة ويتولى هذه المهمة ذراع من أذرع وزارة المعادن.
2/ يجب أن توفر الدولة في أقرب منطقة لمناطق التعدين آليات للإنقاذ (بسبب الانهيارات) والتي هي معدومة تماماً.
ليضيف قائلاً: في كل دول العالم شاهدنا كيف يتم إنقاذ العمال الذين تنهار عليهم المناجم تحت آلاف الأمتار ويسعفون بالهواء والغذاء ويتم إخراجهم بما يشبه المعجزات، وفي السودان يمكن أن يهلك من ينهار عليه كوم تراب (في عمق نصف متر) لعدم وجود من ينقذه.
وجهة نظر خاصة
هذه الحلول في ظني ستكون حبراً على ورق في ظل هذا الوضع الذي يرفض فيه المواطن التعامل لأبسط القوانين ويتبع عشوائية مشهودة في كل مناحي الحياة ما أدى إلى انفلات غير مسبوق في السلوك تعجز معه الدولة في تقويمه خاصة وأنها لا ترغب إطلاقاً في فرض أي قانون من شأنه تقويم أي اعوجاج..