كلام تير
هاجس السكن.. مستجدات خطيرة (3)
عددنا في العددين السابقين أربعة مستجدات كبيرة تركت أثرًا بينًا وواضحًا في وفرة السكن الآمن للمواطن، وقلنا بأنها ستلقي بآثار خطيرة على حياة المواطنين لما للسكن من أهمية قصوى باعتباره أهم المرتكزات الأساسية الضرورية للإنسان أفراداً أو مجموعات وبالتالي على المجتمع والبلاد دفع عجلة التنمية والاستقرار.
وبالتأكيد فإن الحالة الاقتصادية المتردية التي تعيشها البلاد حالياً والارتفاع الجنوني (اليومي) في الأسعار المسؤولية الكبرى في كل ما يحدث.
فمن الناس كما كما أشرنا من اضطر لبيع مسكنه أو جزء منه كخيار قسري لرتق فجوة الاحتياجات الحياتية الضرورية للأسرة ومنهم في الحالة الثانية من باع ليستبدل السكن في خيارات طرفية لذات الغرض وآخرون لمن ليس لهم سكن بالملك قذف بهم ارتفاع الإيجارات الجنونية بفقدان مساكنهم وشردتهم لمساكن أبعد والأدهى أن الذي يعدونه من سكن يتساوى أو يزيد عن دخل الأسرة المادي في الإيجار!! ولك أن تتخيل عزيزي القارئ مدى الرهق والتدهور الذي يطرأ على كافة أفراد الأسرة والمعاناة المضاعفة. والحالة الرابعة: الارتفاع الجنوني في أسعار مواد البناء مما أخرج الكثيرين عن القدرة حتى لبناء غرف أو منازل في مساحاتهم التي هم فيها، فأغلق ذلك الطريق أمام الشباب الذين يتطلعون للزواج كما كان يحدث قديمًا.
إن تسونامي ارتفاع الأسعار في ازدياد مضطرد وليس وحدها العواصف والرياح والأمطار والفيضانات هي التي تشرد الناس فيصبحون دون مأوى وفي العراء الطلق يكابدون ظروفاً قاسية لفقرهم في أن يشيدوا مساكن جديدة.
ولكنها الأسعار والحالة الاقتصادية لها تشريد ناعم تمتد آثارها في أعماق كل أسرة وهو الأخطر لأنه لا يرتبط بفصل من العام، ولا يجدون من يغيث منكوبيه، فالحكومات منهمكة ومشغولة في ذاتها وعاجزة أن تغيث، فهي تعتقد أنها الأحوج للإغاثة.
حتى الحكومات المتعاقبة التي أولت قضايا السكن أهم اهتماماتها (دقست) في بدائل خيارات سكن الأجيال اللاحقه في الأسر الممتدة، فكان قدرنا في التخطيط الأفقي أنه استنفد خيارات الأراضي وباعد بين مرافق العمل العام والخدمات الضرورية ومرافق كسب السكان والأهالي فخلق أزمة حادة في المواصلات استعصت على الحل، وزيادة على كل ذلك لم يوفق في توفير دفع من الأراضي الاستراتيجية للاستثمار في الشقق الرأسية وآثر أن يمنح غالبيتها لسكن فاخر لا تقدر عليه إلا فئة قليلة من ميسوري الحال.
إن مخططي المدن ليسوا فقط مهندسين لتخطيط مخططات وامتدادات جديدة للسكن.. إنهم ينبغي أن يكونوا مخططين لمجتمع (متكامل)، مستلهمين احتياجات المدينة بكل وصفها الوظيفي ودورها المتعاظم في ما تقدمه للبلاد كافة. تتسع مجالسهم ودراساتهم للتنوع والخبرة والعلم في تخصصات واحتياجات المدينة الوظيفية (مستقرئين) المستقبل في معدلات النمو بكافة المجالات إسكانياً أو اقتصاديًا أو تجارياً أو اجتماعياً.. وهذا الأفق الواسع لا تحكمه عبقرية (الفرد) مهما كانت قدراته.
ونرجع إلى رائعة الفنان سيد خليفه: يا قماري ابني عشك قشه قشه.. وعلمينا كيف على الحب دارنا ينشا.. فقد أضاف الشاعر بعبقرية هندسية فاصلاً رائعاً يقول: رغم العواصف وهو واقف ما فيه رعشة. لكن أعشاش الناس هزتها عواصف الأسعار.. (ونواصل).