شاكر رابح يكتب.. النوايا الحسنة في مفاوضات السلام
في مارس من العام الجاري تم توقيع إعلان مبادئ بين وفد الحكومة الانتقالية وحركة جيش تحرير السودان «الحلو» بعاصمة دولة جنوب السودان جوبا، وأشار إعلان المبادئ إلى (تأسيس دولة مدنية ديمقراطية فيدرالية تضمن حرية الدين والممارسات الدينية والعبادة لكل الشعب السوداني، وذلك بفصل الهويات الثقافية والإثنية والدينية والجهوية في الدولة وأن لا تفرض الدولة ديناً على أي شخص)، أعتقد نجاح مفاوضات السلام بين وفدي الحكومة الانتقالية وحركة تحرير السودان شمال (الحلو) تحتاج إلى إبداء حسن النوايا والقناعة التامة بتحقيق السلام العادل والشامل، وعلى قدرة الطرفين على تقديم تنازلات كبيرة تسرع من عملية التفاوض، تجلت النوايا الحسنة لدى الحركة في تصريح الناطق الرسمي باسمها الأستاذ كوكو جقدول الذي قال (أتينا إلى التفاوض بقلب مفتوح وعزيمة أكيدة لإحداث اختراق والتقدم إلى الأمام في التفاوض لتحقيق سلام شامل وعادل يعالج جذور الأزمة السودانية وينهي الحرب في السودان).
وفي تصريح صحفي أكد مستشار رئيس جنوب السودان توت قلواك، اكتمال كافة الترتيبات لبدء جولة التفاوض الرسمية المباشرة بين الحكومة الانتقالية والحركة الشعبية لتحرير السودان شمال، وأضاف أن هناك مؤشرات ورغبة حقيقية من الطرفين في التوصل للسلام.
وعليه فإن الحكومة تدخل في مرحلة جديدة تتوفر فيها فرص إنجاح العملية التفاوضية ولا يتأتى ذلك إلا بالجدية اللازمة في تحقيق السلام المستدام ووضع حد دائم للاحتراب وللعنف في جنوب كردفان. وبلا شك هناك تطورات كثيرة في الساحة الداخلية والإقليمية سوف تدفع بالحلو إلى تغيير رؤيته السياسية وأهدافه البعيدة خاصة تقرير المصير وعلمانية الدولة لأنه يدرك أن التمسك بهما قد يواجهه حال عرضها على البرلمان اعتراض حاد لأن علمانية الدولة وحق تقرير المصير من القضايا المصيرية التي يجب أن يستفتى فيها الشعب السوداني بشكل مباشر أو عبر البرلمان لعدم واقعية المطالب وتعارضها مع التوجه الديني المحافظ لأغلب أهل السودان.
إن مجتمع كردفان في المناطق «المحررة» وفي المناطق تحت سيطرة الحكومة بحاجة إلى الهدوء والاستقرار والانسجام بعد أعوام من الحروب والنزاعات، وهذا هو مفهوم السلام الاجتماعي الذي يستند إلى أركان عدة من أهمها:
ـ كيفية الإدارة السليمة للتنوع القبلي والديني واللغوي ومجتمع السودان عامة وجنوب كردفان بصفة خاصة لا توجد فيها غلبة لإثنية معينة أو مذهب غالب فلذلك النجاح في استثمار هذا التنوع يحفظ الحقوق ومشاركة الجميع وكفالة حرية العبادة ويعتبر هذا التنوع مصدر قوة وليس سبباً للاحتراب.
ـ احترام القانون، ويمثل ذلك عاملاً من عوامل تحقيق العدالة بين الحاكم والمحكوم كذلك يضمن تساوي الجميع أمام القانون باختلاف قبائلهم وأديانهم وسحناتهم حتى مكانتهم الاجتماعية سواء كانوا من طبقة «النبلاء» أو الطبقة الفقيرة ومما يجعل هذا الركن من أركان السلام الاجتماعي ذا أهمية قصوى لأنه يمنح مؤسسات الدولة الشرطية والعدلية والقضائية هيبتها وحياديتها وتساوي الجميع أمامها.
ـ الحكم الراشد، إن أغلب الحروب التي اندلعت في دارفور والمنطقتين بسبب الحكومات الديكتاتورية القابضة والفاسدة والتي لا تحترم خيارات شعبها في من يحكمها وكيف يحكمها بالتالي ضرورة الاحتكام إلى صناديق الاقتراع مع إعمال الشفافية المطلقة وتفعيل دور المؤسسات الرقابية كالمراجع العام وإنشاء المجلس التشريعي حتى يكون رقيبًا على أداء الجهاز التنفيذي ومحاربة الفساد.
هذه الأركان مجتمعة يمكن أن تؤسس لدولة العدل والمواطنة والمساواة بين كافة مجتمعات السودان.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل