قالت لي أمي في حياتها «يا ولدي القرش الأبيض لليوم الأسود»، فقلت في سري لماذا لا تقول لي «القرش الأسود لليوم الأبيض»، أيهما الأهم القرش أم اليوم وأيهما الأكثر فاعليةً؟ وأيهما الأجمل الأسود أم الأبيض؟! بالطبع ليست لدى أمي ركائز فلسفية للدخول في تلك المتاهة وهي لم تؤلف المثل.. سمعته من أفواه أخرى واختزنته ضمن نسق الثقافة السماعية لتستشهد به لتقوي حجتها أمام ابنها.. ولكن من قال لمجترح المثل إن الأسود قبيح؟ الأسود ليس لوناً حيادياً هو لون أساس.. ودُونه لا يكون للأبيض مكانته. دونه يكون الأبيض وحيداً ولا طعم له. صفحات الجرائد بيضاء. ولكنها لا تكتسب صفة وشكل ومعنى الصحيفة دون تدخل الأسود. ومهما تكاثرت الألوان الأخرى مُزيّنة للصحيفة يظل الأسود سيد الموقف وأس الصفحات وملح الصحيفة. ولكنه لون مظلومٌ رغم أساسيته وجذريته ودوره في تشكيل كل بنى الحياة. وقع الظلم عليه من العرب الأوائل وأكمل الخواجات كامل التجني عليه. العرب رموه بالشؤم. وليس التشاؤم بالغراب تشاؤماً بالطائر. إنه تشاؤم باللون لكن اللون الأسود باقتداره المستمد من طبيعته ظل يحرج انتقاص الأمثال له فلا شعر ولا مثل ولا حكاية قلّلت من لون الليل أو لون الشعر. العكس يكون الأبيض مذموماً حين يحول الشعر الأسود لأبيض حين يصبح شيباً ينذر بفناء العمر. ويوثّق لتقدُّم السِّن والضعف والوهن والسقم والأحزان. هل يعشق أحدنا اللون الأبيض إذا كان شيباً في فروة الشعر الأسود الجميل؟! أتمنى يوماً يقول فيه المُتفائل بأنّ هذا اليوم «أسود يوم في حياتي» ويعني بذلك بأنّه أسعد الأيام. حين تترسّخ هذه الثقافة الجديدة حتماً كانت ستقول لي أمي «يا ولدي القرش الأسود لليوم الأبيض». اللون الأسود لون الوضوح والشفافية المطلوبة هي بالضرورة بعض من ظلال اللون الأسود. وأنا شخصياً لا أعشق من كل الألوان سوى اللون الأسود، إنه لون الأسرار ولون الصرخة.