أصبح الوطن في ظل الوضع السياسي الراهن مثخنا بالمآسي بسبب ضعف الرؤية المستقبلية الناتجة عن ضعف الرؤية للحاضنة السياسية لحكومة الفتره الانتقالية. وعندما تغيب الرؤية السياسية وتضمحل القيم الوطنية تظهر خطابات الإقصاء والكيد السياسي بين القوى السياسية المختلفة، عندما يعبث العابثون والمفسدون ويعملون ليل نهار على إذكاء الصراع القبلي والمناطقي متناسين أن ذلك يمكن أن يهوي بالوطن ويسقط السقف فوق الجميع، ومن الغرابة أن يسلك ساسة اليوم نفس سياسات العقلية الانتقامية والإقصائية للحكومة السابقة.
وما تصريحات ما يسمى بالناطقة الرسمية لمنظمة شهداء الثورة واتهامها للقائد الفريق أول محمد حمدان دقلو النائب الأول لرئيس مجلس السيادة والشريك الفعلي في التغيير، والفريق عبد الرحيم عضو مجلس الشركاء إلا دليل على الغباء وتكرار الأسطوانة المشروخة من الإشاعات والتهم الجاهزة و(المعلبة) التي ملّها الشعب السوداني الحصيف. وأعتقد أن اتهام حميدتي ودقلو بفض الاعتصام وقتل المتظاهرين بينما تعمل لجنة نبيل أديب على قدم وساق لإكمال التحقيقات وإعلان النتائج وتوجيه التهم لمن ارتكب هذا الفعل المرفوض والمستهجن من كافة القوى السياسية لا شك أن استباق نتائج اللجنة يعني أن هناك إملاءات سياسية يسارية فاشلة مما يقدح في العدالة، وهذه التهم لا تخرج من كونها كيداً سياسياً مفضوحاً.
التحامل على حميدتي أقرب ما يكون إلى جزاء سنمار وقصة هذا المهندس معروفة للجميع، ويحكى أن سنمار رجل رومي بنى قصر الخورنق بالكوفة للملك النعمان ليستضيف فيه ابن ملك الفرس، الذي أرسله أباه لينشأ بين العرب ويتعلم الفروسية، وعندما أتم بناءه، وقف سنمار والنعمان على سطح القصر، فقال له النعمان: هل هناك قصر مثل هذا القصر؟ فأجاب كلا، ثم قال: هل هناك بنّاء غيرك يستطيع أن يبني مثل هذا القصر؟ قال: كلا، ثم قال سنمار مفتخراً: ألا تعلم أيها الأمير أن هذا القصر يرتكز على حجر واحد، وإذا أزيل هذا الحجر فإن القصر سينهدم، فقال: وهل غيرك يعلم موضع هذا الحجر؟ قال: كلا، فألقاه النعمان عن سطح القصر، فخر ميتاً، وإنما فعل ذلك كي لا يبني مثله لغيره، فضربت العرب به المثل بمن يجزى الإحسان بالإساءة، فهل ما يفعله بعض شركاء الفترة الانتقالية بالقائد حميدتي هل هذا جزاء الانحياز للثورة وحماية الثوار من كتائب الظل، وهل يعتقد هؤلاء السطحيون أن دور حميدتي انتهى بزوال خطر “الكيزان” ويمكن أن يبعد ليتهنى وينفرد حملة الجوازات الأجنبية بالسلطة، في تقديري هذه قراءة خاطئة وسطحية للوضع الراهن، إن الوطن لا يحتمل مزيداً من الخلاف والصراع والتشظي داخل مكونات الحرية والتغيير ويجب أن تُوقف القوى السياسية اليسارية خداعها للشعب السوداني وتخبطها وتذبذبها وأن لا يظل الكيد السياسي هو المسيطر.
أعتقد أن محاولة شيطنة الدعم السريع وقائده إنما هو لعب بالنار، ويجب أن نفرق بين سقوط شخص أو جماعة أو حزب وبين سقوط الوطن بكامله، يجب أن تظل المؤسسات العسكرية مقدسة ومحل احترام للجميع ولا بد من المحافظة عليها كونها واحدة من الأعمدة التي يتكئ عليها الوطن الجريح.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل