رسمياً غادر القائمة السَّوداء.. إزالة السُّودان من الدول الراعية للإرهاب.. خُرُوجٌ من العُزلة
الخرطوم- أمنية مكاوي
أكملت الولايات المتحدة، استبعاد السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ونشرت وزارة الخزانة الأمريكية رسمياً وثيقة خروج السودان من القائمة السوداء، ما يفتح الباب أمام كافة التعاملات البنكية والمالية، وكانت الولايات المتحدة قد ضمّت السودان إلى قائمة الدول الراعية للإرهاب في عام 1993م، وتبعت ذلك عقوبات وقيود على الصادرات من وإلى السودان، لم تستثنِ إلا الصمغ العربي والمعلومات.
وفي أكتوبر 2020م عقب الإطاحة بنظام الإنقاذ وعقب ثورة ديسمبر المجيدة، خلصت الإدارة الأمريكية السابقة إلى أن السودان لم يقدم دعماً للإرهابيين خلال الأشهر الستة الماضية، وتلقّت تأكيدات من الحكومة السودانية بأنها لن تساعد الأنشطة الإرهابية الدولية في المستقبل، لذلك كله فإنّ قرار رفع اسم السودان رسمياً من قائمة الإرهاب يكمل الإجراء الذي بدأته وزارة الخارجية في ديسمبر من العام الماضي لإزالة القيود المفروضة على السودان، فيما يتعلّق بدعم الإرهاب على مستوى الدولة، كما أكدت الخزانة إدخال الوثيقة حيِّز التنفيذ رسمياً بعد نشرها في السِّجِل الفيدرالي في 20 مايو الجاري.
النقد الكاش:
وشدّد المحلل والخبير في الشؤون السياسية بروفيسور حسن الساعوري، على أن قرار الخزانة الأمريكية بشأن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ورفع كافة القيود المفروضة على المعاملات المالية مع السودان، والسماح بالتوريد دون عوائق للمنتجات الزراعية والأدوية والمعدات الطبية، يجب أن ينعكس على الفائدة المحلية، وقال لـ(الصيحة) أمس: (إذا لم ينعكس هذا القرار على الإنتاج المحلي فليس لديه أيِّ معنى)، وأشار إلى أن هنالك قرارات كبيرة تم إصدارها من قِبل واشنطن ولكنها لم تنفّذ وليس لديها انعكاس على أرض الواقع، ونوه إلى أن الأوضاع المعيشية حالياً في تصاعد كبير جداً وإذا لم تُساهم هذه القرارات في المعيشة يصبح ليس لديها وجود، وأشار إلى مشكلة العطالة من الجنسين في البلاد، واعتبرها مهدداً كبيراً واذا لم تستفد الحكومة من هذه القرارات بإنشاء مشاريع إنتاجية ضخمة فلا فائدة مرجوة من القرار الأمريكي، وأضاف الساعوري (إن الاستفادة ليست في الإعفاء أو توريد الكاش، أبداً إن الفائدة في الاستثمار الزاهر، وإن السودان يحتاج إلى استثمار حقيقي في مشاريع داخلية وليس في العاصمة فقط)، وتابع (بل أن كل ولاية يجب أن تستثمر فيما تتميّز بإنتاجه، وتأتي بإنتاجها كمورد في عجلة التنمية)، مشيراً إلى أن هذا هو التغيير والدافع للمواطن نفسه وللمجتمع الدولي، وقلل من السير نحو القروض النقدية بقوله: ليست لها فائدة والجميع لا يَعرف أين تذهب.!
إمكانية المصارف!
فيما اعتبر مراقبون اقتصاديون في تصريحات لـ(الصيحة)، أنّ هذا القرار ليس بجديد، وأشاروا إلى أن هنالك بعض الإجراءات التي تترتّب على تنفيذه، ونوهوا إلى أن قرار رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب يترتب عليه رفع اسم السودان من كافة العقوبات المفروضة عليه ليتلاءم مع الخزانة المصرفية، وأشاروا إلى ضعف البنوك السودانية نفسها وعدم جاهزيتها حتى بعد استيفاء الفترة المطلوبة، واعتبروا هذا الواقع أكبر عائقٍ أمام الاستفادة من تلك القرارات، وقطعوا بأنّ هنالك تطوراً في الشبكة المصرفية العالميّة، ولكن هذا التطور لم يُواكبه السودان وأصبح هنالك جزءٌ كبيرٌ من الشبكة المصرفية العالمية يتم بشكل آلي، ما يحتاج إلى قُدراتٍ عاليةٍ من أجل ضمانات أمنية لتحويل الأموال، ونوهوا إلى أن هذه المسألة لم تتوفر للمصاريف السودانية، لذلك ما زالت التحويلات محدودة حتى الآن.
وأوضح خبراء أنّ تجارة السودان الخارجية في الصادر والوارد مازالت تتم عبر السوق الموازي، وأشاروا إلى أنّ وزير المالية السعودي صَرّحَ في مؤتمر باريس بأنّه سيتم فتح فروع سعودية بالسودان لتسهيل التحويلات وتجنب الضمانات التي لا تتوفّر في البنوك السودانية.
وقال محللون اقتصاديون، إن ضعف مقدرة البنوك المصرفية في السودان بشأن التعاملات الخارجية مع ضخ الأموال التي تم التبرُّع بها ينعكس بصورة سالبة على الاقتصاد وذلك لعدم جاهزية المصارف السودانية، وأشار الخبراء إلى أنّ السودان ليس في حاجة للنقد، بل للاستثمار الذي يستفيد منه المواطن السوداني ليساعد على المعيشة وانتعاش الاقتصاد.
منافذ عافية:
وقال الخبير الاقتصادي د. محمد الناير، إن أمريكا قامت بالدفع للبنك الدولي وتم شطب وسداد كل المتأخرات السودانية، وكذلك فرنسا والسعودية وبعض الدول الأخرى دفعت لصندوق النقد الدولي، وقال إن البنك الآن قيد الإجراء الرسمي، ما يُعد علامةً فارقةً في مسيرة السودان نحو الاعفاء الكامل، وأشار إلى أنه أيضاً تم دفع ديون البنك الأفريقي، وقال الناير (إذا تمت معالجة ديون المؤسسات الدولية حقيقةً، فإن العافية ستدب في جسد الاقتصاد السوداني)، وأوضح أن الخطوة التالية وحسب مبادرة (الهيبك) هي عقد اجتماع لدول نادي باريس، وأشار إلى أنه تم تحديد موعدٍ له في يونيو، وقال الناير إنّ دول نادي باريس لا تحتاج لقروض تجسيرية، بل يُمكن أن تشطب الدَّين مُباشرةً وحسب شروط اتفاقية (كولون) التي تعمل بموجبها دول نادي باريس، وأضاف (إن شطب الديون يصل إلى 90% ويُجدول المتبقي على 30 عاماً بفترة سماح لأكثر من 15 عاماً)، وتابع الناير (تكون الخطوة التالية هي إعفاء ديون الدول غير الأعضاء في نادي باريس وحتى لا تكون الخطوة منفردة، وحسب آخر المستجدات فإن الدول غير المضافة في نادي باريس ستتم دعوتها في نادي باريس)، ونوه إلى أن البنك الدولي أصبحت له علاقات عادية مع السودان، ما يسمح له للحكومة الانتقالية الاستفادة من نافذة البنك الدولي المُخصّصة لشراء الدَّين من البنوك التجارية بسعر السوق الثانوي.