ما بين “حل الخريف حل أهلًا به و سهلا” و مفاجآت الموسم الشتوي موسم القمح والذي يتطلع إليه الجميع صغار وكبار أساتذة وتلاميذ ومزارعين ورعاة من ينشد النسيم العليل والخضرة ورخص الخضار والألبان والذرة والدخن والفول وحب البطيخ والبطيخ للماء في الأيام القاحلة و “بت ـم ساق فوق حدب الفريق اتعشت” كما قال الآخر. وهو نعمة من الرحمن الرحيم اللطيف الخبير الجواد الكريم الذي ارسل لنا الماء إلى بلد تعاني من الفقر المائي وقد جعل المولى سبحانه من الماء كل شيء حي بسم الله الرحمن الرحيم ” وجعلنا من الماء كل شيء حي” سورة الانبياء الآية 30 الجزء 17. وبلادنا في الغالب تشكو العطش أكثر مما تشكو الري وفائض المياه بالرغم من أن السودان يعتبر فى بعض الدراسات الغربية من أفضل خمس دول في العائد من استخدام المياه مع تركمانستان واندونيسيا وغويانا و غينيا الاستوائية واعتبرت الدراسة أن الولايات المتحدة من أكثر الدول تبذيراً في استخدام المياه للأغراض المنزلية وأقلها عائداً في الاستخدامات الصناعية. ومعلوم أن دول حوض النيل الشرقي السودان أراضى كبيرة ومياه قليلة واثيوبيا مياه كثيرة وأراضٍ قليلة و مصر مياه قليلة وأراض قليلة. ونحن نواجه اليوم وغدا التحديات التي تنتج عن سد النهضة الأثيوبي اكتماله وملئه وإدارته بما لذلك من تحديات استراتيجية واقتصادية وأمنية وجيوسياسية وبيئية. كان المقترح هو إنشاء خزان بحيرة تانا في عمق الأراضي الاثيوبية يحفظ المياه و يشكل تهديدًا للسودان مثل سد النهضة الحالي الذي لا يبعد أكثر من عشرين كيلومتراً من الحدود السودانية.. وقطعاً ستمتد المنشآت حوله والمستعمرات العمرانية والمصاحبة التي ستنشأ حوله داخل الأراضي السودانية نتيجة لزيادة السكان وامتداد العمران المصاحب لها. وكان المقترح الآخر هو تعلية خزان سنار لري أراضى شمال الجزيرة وخزان أدنى نهر عطبرة. ذكر ذلك السير هارولد ماكمايكل في كتابه عام ١٩٣٧. ونحن احق الناس بالاجتهاد المستمر المستدام المنضبط في اصطياد هذه المياه متى ما هطلت وأينما هطلت يجب أن تجد المسارات الآمنة والخزانات الوافية لاصطيادها وقد ظللنا سنين عددا نتحدث عن حصاد المياه ولكن في اتجاه واحد وصوت واحد لا يحتاج ثانياً ولا من يستدرك عليه وظللنا نطلب من الجهة أو الشخص القائم على المشروع تقييمه وإصلاحه وبه خطأ منهجي بين لا يحتاج إلى إبانة وظلت كثير من المشروعات والسياسات ترزح تحت وطأة التعبوية الثقيلة من معاضديها ومنتقديها وغابت النظرة الموضوعية أو تم تغييبها .
ما حدانا لبسط القول في هذا الأمر بالرغم عن أنه أمر معاد مكرور في كل عام وفي كل مناسبة وهو المفاجأة في ما لا مفاجأة فيه ـو منه. فكأننا لم نعهد الأعياد أو الأمطار أو الخريف أو الصيف أو الشتاء أو الاعراس أو مواسم الحج والاعتمار أو مواسم التحصين أو الحصاد أو التحضير أو صادر الأضاحي فكل موسم عندنا مهدد بالفشل وكل فرصة مهددة بالضياع وكل نجاح مهدد بالتعطيل وكل إنجاز وأمل مهدد بمفاجآت هي ليست مفاجآت إنما هي محسوسات ومنظورات يعود ذلك للمجاملات وعدم التقييم بالنتائج وضعف وسوء التخطيط وضعف الإنجاز والأداء ليس فى الخريف والأمطار والسيول والفيضانات بل وفي أسعار الدولار وإنتاج السكر وافتتاح مصانعه وتعلية الخزانات بدون قنوات تصب فيها المياه وبدون مزارع موزعة ومخططة ودورات زراعية ومزارعين على رأس العمل ينتظرون وصول المياه وقد بذروا البذور ونثروا معها السماد.
وأرجو ألا يلهينا الانتشاء لمخرجات مؤتمر باريس الذي انعقد يومي ١٧ و ١٨ مايو ٢٠٢١ الحقيقية أو المتوقعة أو المتخيلة من الفرص والواجبات الماثلة أمامنا في بداية الموسم الزراعى الرئيسي في السودان وهو الموسم الصيفى / الخريف الذي بدأ الآن. ولعل من الأشياء التي لم نفشل فيها بعد الفريق عبود عدم مد أي كيلومتر من السكك الحديدية ولم نفشل بل أنجزنا بامتياز تدمير الخطوط البحرية أو كدنا أو لم نفشل في تركيع الخطوط الجوية السودانية ولم نفشل في تدمير صناعة النسيج الواعدة وزراعة القطن وبيع مصانع النسيج حتى يفرح المصدرون الصينيون ويبتهج مستوردو سوق ليبيا ويتشرد الآلاف المؤلفة من المهندسين والصناع والعمال المهرة. هذا وذاك حققنا فيه إنجازات غير مسبوقة ببيعه خرداً ومهملات بالوزن وتبقى الديون الخارجية تتصاعد. وأما الخريف فلم يبق صاحب قلم لم يكتب ولم يبق صاحب قرار لم يتحدث أو يوجه والحال كما هو. ولم نسمع من صاحب قرار على أي مستوى توبيخًا أو محاسبة أو عقاباً او فصلاً فكل من كان منه مطلوب إنجاز يحفز على سوء تخطيطه ويحفز على ما أنجز ويحفز على إعادة التخطيط أيضًا وكأنه لم يخطط ويرسم ويسلم ما تم البناء عليه في تلك الخيران ومجاري السيول والأمطار والمياه لا تترك مساراتها أمر معروف للعالم والجاهل.
وكأننا لم ندرس علوم التخطيط الحضري والإدارة الحضرية والعالم يزحف نحو التحضر ويبتعد عن الريف والتبدي و نحن نبني في الحواضر دونما تخطيط وإدارة حضرية حديثة شاملة لكل النواحي من الصرف الصحي وتصريف.
آمل أن ننصرف بكلياتنا الآن لإنجاح الموسم الصيفى وخاصة فى مشاريع الري الكبرى… الجزيرة المناقل والرهد وحلفا والنيلين الأبيض و الأزرق والقضارف وكردفان ودارفور وسيتيت وسائر بلادنا الحبيبة لأن نجاح هذا الموسم هو المدخل والمحدد الأساسي للأمن الغذائي ويعتمد على نجاحه.. أو فشله لا قدر الله.. نجاح أو انهيار الجزء الأكبر من مكونات الصادرات السودانية على ضعفها مقارناً بالإمكانات الحقيقية إن أحسن استخراج كافة سلاسل القيم والتي يمكن أن تحول الميزان التجاري من عجز إلى فائض في موسم واحد..
ولقد أسمعت لو ناديت…