التدهوُر الأكاديمي بالجامعات.. خطورة الموقف.. انهيار البيئة ومظاهر سالبة تُهدِّد العملية التعليمية
أستاذ جامعي: الواقع الحالي سينعكس على مخرجات التعليم العالي
رئيس هيئة الهيكل الراتبي: قرار المالية يؤدي إلى انهيار التعليم العالي
محاضر: البيئة طاردة للطلاب والأساتذة
مصادر تؤكد خروج العديد من المعامل ومراكز الأبحاث بالجامعات لانعدام المال
تحقيق: أم بلة النور
ظلّت مؤسسات التعليم العالي في اضطراب مستمر منذ اندلاع ثورة ديسمبر في العام 2018م، ثم أعقبتها جائحة كورونا، والتي لا تزال تلوح في الأفق، ليأتي الوضع الاقتصادي الذي ألزم التعليم في كافة المستويات الفراش الأبيض، لا سيما التعليم العالي الذي يحتاج إلى ميزانيات إضافية لتسيير تلك المؤسسات والتي تشتمل على توفير السكن لطلاب الولايات إلى جانب توفير الخبز والوقود داخل مؤسسات الصندوق القومي لرعاية الطلاب، الأمر الذي انعكس بصورة سالبة على العملية التعليمية، حيث أصبحت هناك أوضاع مأساوية داخل المعاهد والجامعات، الى جانب التدهور الأكاديمي وسط الطلاب نسبة للعديد من الأسباب والعوامل التي تأتي في سياق التحقيق التالي.
هجرة الكوادر
من أهم عوامل التدهور الأكاديمي داخل الجامعات، عدم تثبيت الهيكل الراتبي للأستاذ الجامعي والأوضاع الاقتصادية التي يعيشها، والتي جعلت الأبواب مشرعة ل الجماعية للكوادر العاملة في هذا المجال، آلاف من الأساتذة وأصحاب الدرجات العلمية التحقوا بالعمل خارج البلاد، الأمر الذي أدى إلى تدهور الوضع الأكاديمي، إضافة إلى إيقاف عدد كبير من الأساتذة بحجة إزالة التمكين، فقط لكونهم تم تعيينهم في فترة النظام السابق، حيث يرى البعض ضرورة فصل التعليم عن السياسة، إلا أن الفترة الانتقاليه لم تراع مصلحة المؤسسات التعليمية العليا وأطاحت بعدد كبير من أصحاب الخبرات والتجارب.
بيئة طاردة
فيما يرى المحاضر بجامعة السودان كلية الهندسة المهندس عوض يوسف، أن البيئة طاردة والأوضاع غير مستقرة، وهناك ضعف في الإمداد الكهربائي والمائي داخل الجامعات، إلى جانب أزمة الوقود التي أثرت على تشغيل المولدات الكهربائية إن وجدت، إضافة إلى الوضع الاقتصادي الذي اعتبره غير مساعد لاستمرار عملية التعليم العالي حيث أصبح الأمر معقداً جداً يحتاج إلى توفير المال الذي هو عصب الحياة، وأشار إلى أن الوضع الاقتصادي للأستاذ الجامعي جعله يلجأ إلى تدريس الطلاب خارج القاعات بالمراكز الخاصة وبيع الملازم حتى يتمكن من توفير قوته في ظل الأوضاع الاقتصادية والتأخر المستمر للراتب غير المجزي في الأساس.
وأشار إلى وجود ظواهر أخرى تصدر من بعض الأساتذة، أرجع ذلك إلى الأزمة الاقتصادية التي تؤثر على الاخألاق .
ظواهر سالبة
وفي ذات الاتجاه، تحدثت “الصيحة” إلى عدد من الطلاب عن وجود ظواهر غريبة تحدث داخل قاعات الدراسة، وأشار طلاب إحدى الكليات الأمدرمانية العريقة إلى أن نجاح الطالب في أي مادة يعتمد على شراء الملازم من أستاذ المادة والتي تكون بثمن مرتفع من سعر نسخها أو الحصول عليها من المكتبة إلا أنهم يتحصلون عليها من الأستاذ مباشرة لضمان تسجيل أسمائهم في قائمة الحضور وبالتالي النجاح في المادة .
كما تحدثوا أيضاً عن عدم جلوس بعض الطلاب للامتحانات ويلجأون إلى دفع مبالغ مالية للمرور .
تأخير مستمر
ظلت مرتبات العاملين بمؤسسات التعليم العالي في تأخير مستمر، وقد تعتبر إحدى العوامل التي أثرت على استقرار الدراسة، قارب شهر فبراير على الانتهاء ولم تتسلم الجامعات مرتبات العاملين من وزارة المالية التي لوّحت بعدم دفع الفصل الأول على أن تعتمد الجامعات على مواردها في توفير كافة المستلزمات بما فيها مرتبات العاملين والتي تصل إلى ملايين الجنيهات، وهي ليست في مقدور بعض مؤسسات التعليم العالي، التي تعاني من نقص في الموارد رغم دعم المالية لها، الأمر الذي يؤدي إلى توقف الحوافز والمكافآت والمعامل وغيرها من البنود .
وفي حديثه لـ”الصيحة”، قال رئيس هيئة الهيكل الراتبي للأستاذ الجامعي دكتور عمر بلولة، إن الأستاذ من أهم عوامل نجاح العملية، إلا أنه مهمش من قبل الدولة، وأشار إلى أن أزمة الهيكل بدأت منذ العام 2012م حتى العام 2021م، وقال عمر إن وزارة المالية أخطرت الجامعات بالتزام الفصل الأول الذي يتجاوز 17 مليون جنيه للجامعة الواحدة فقط، والذي يعد فوق طاقة أي جامعة مهما كانت مواردها ما يحدث نقصاً بأكثر من 25% من ميزانية الجامعات، ويرى أن هذا القرار سوف يؤدي إلى انهيار مؤسسات التعليم العالي في القريب العاجل.
اصطدام بالواقع
فيما يرى المحاضر بجامعة النيلين دكتور موسى المصباح أن أساتذة الجامعات والطلاب هم طليعة التغيير الذي حدث في البلاد، وهم كانوا وقود الثورة وأكثر من ضحوا فيها بالأرواح الزمن، حيث كان يحدوهم الأمل في أن يكون الاهتمام بالتعليم من أول أولويات حكومة الثورة.
حيث اصطدموا بالواقع المرير ولم تعط الحكومة أي اهتمام بالتعليم عمومًا والجامعي خصوصًا.. بدءاً من تعيين مديري الجامعات، حيث جاء التعيين على أساس الولاء لا الكفاءة، فالبدايات الخاطئة تقود إلى نتائج عكسية. فالناظر إلى الجامعات اليوم يغنيه واقع الحال عن السؤال، فلا بيئة مهيأة.. حيث تفتقر قاعات الدراسة لأبسط المقومات.. مقاعد.. إضاءة.. أدوات صوت.. أدوات تهوية.. وعن انقطاع التيار الكهربائي حدث ولا حرج.
سابع المستحيلات
أما عن الجانب البشري قال المصباح: هنا تظهر قمة عدم المبالاة.. فالهيكل الراتبي لا يكفي الأستاذ مدة أسبوع.. ورغم ذلك أصبح الحصول عليه في موعده من سابع المستحيلات.. نتيجة لتلكؤ وزارة المالية في الوفاء به.
صعوبة التنفيذ
وأضاف دكتور موسى إلى محاولة وزارة المالية التنصل وتحميل الجامعات جزءاً منه خصماً على مواردها الذاتية. وقال: هذا الاتجاه من وزارة المالية من الصعب أن يتحقق على أرض الواقع.. فمعظم الجامعات الآن عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها التي تعتمد فيها على مواردها الذاتية.. الورق، الأدوات المساعدة.. وحافز العاملين وغيره.. فهناك بعض الجامعات منذ قيام الثورة وحتى اليوم لم تفِ بمستحقات العاملين بها التي تصرف خارج الفصل الأول.
فكل ما ذُكر يشكل عقبة في سبيل الجامعات لاأداء رسالتها.. المتمثلة في إعداد وتخريج الكوادر المؤهلة.. لقيادة دفة العمل ودفع عملية الإنتاج في الوطن.. والنهوض به مبنى ومعنى.. وهو ما لا يتوفر للجامعات في وقتنا الحاضر..
لذلك، حتماً هذا الواقع المعاش سينعكس على مخرجات الجامعات سلبًا ويضعف منافستها في سوق العمل الداخلي والخارجي.
فيما أشار أحد الأساتذة الذين يعملون متعاونين في عدد من المعامل ومراكز الأبحاث أن هناك العديد من تلك المعامل قد خرجت عن دائرة العمل نتيجة للإهمال وانعدام الأموال بعد أن شحت الموارد وتوقفت الدراسة وهجرة الطلاب في المجالات العلمية للدراسة بالخارج لاسيما الطلاب الأجانب الذين يسددون رسومهم بالعملة الأجنبية، وشدّد على ضرورة النظر في قضية التعليم العالي من قِبل الجهات المسئولة.