الخرطوم: جمعة عبد الله
شهد مؤتمر باريس أول من أمس، تقدّم عدة دول بمبادرات لإعفاء ديونها على السودان، كما تقدمت دول أخرى مثل فرنسا بقروض تجسيرية لتسوية الديون السابقة، مما يفتح الباب واسعاً أمام السودان للحصول على تمويلات جديدة بشروط ميسرة تشمل فترات سداد طويلة الأجل.
وفي الشهرين، نجحت الحكومة في تسوية المتأخرات المستحقة للمؤسسة الدولية للتنمية، لتمكين البلاد من إعادة مشاركتها الكاملة مع مجموعة البنك الدولي بعد نحو ثلاثة عقود، في أعقاب سداد المتأخرات عبر قرض تجسيري بقيمة 1.15 مليار دولار من الولايات المتحدة، مما مهد الطريق للوصول على نحو ملياري دولار من منح المؤسسة الدولية للتنمية للحد من الفقر وتحقيق الانتعاش الاقتصادي المستدام على مدى العامين المقبلين.
أهمية إعفاء الديون
ويُعَد سداد المتأخرات مع المؤسسة الدولية للتنمية خطوة رئيسية نحو تلبية المتطلبات اللازمة للحصول على إعفاء شامل من الديون الخارجية، في إطار مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون، منعت متأخرات السودان من الحصول على تمويل من مجموعة البنك الدولي لما يقرب من ثلاثة عقود، مما حرم البلاد من مصدر مهم للتمويل لدفع النمو الاقتصادي والحد من الفقر.
بيد أن المحلل الاقتصادي، قاسم الصديق، يرى أن ما تم تقديمه في مؤتمر باريس من قروض فهي تجسيرية لخدمة الدين الموجود أصلاً ونيل قروض طويلة الأجل لسداد القروض التجسيرية ولن يأتي منها “كاش”.
وأوضح الصديق لـ “الصيحة”، أن القروض التجسيرية مهمة للحصول على تمويل جديد طويل الأجل، بيد أنه لا يعني إلغاء الديون السابقة، مؤكداً أن شطب بعض الدول ديونها على السودان فيه خفض للدين العام وتشجيع الاستثمار، كما يساعد في عرض المشاريع الجاهزة في كل القطاعات الاقتصادية على الشركات العالمية المتخصصة، منوهاً إلى أن هذا لا يعني بالضرورة جذب استثمارات لأنه تم تصوير البلاد على أنها عاجزة في كل المرافق خاصة البنى التحتية المهمة للاستثمار، منتقداً هذه الجزئية، حيث أشار إلى أنه من المهم عرض الفرص المناسبة والميزات المتاحة للاستثمار دون أن يكون هناك ما يشبه الاستجداء أو الحديث عن تدمير ممنهج تم للقطاعات الاقتصادية.
واستبعد قاسم أن يحدث تحسن فوري على الاقتصاد ولا على المدى القريب، منوهاً إلى أن هناك مطلوبات مهمة تتعلق بالداخل منها الإصلاحات الكلية وتهيئة بيئة الاستثمار وتشجيع الإنتاج ورفع الصادر ومحور يتعلق بالسياسات والقوانين المحلية وغيرها.
وعن انعكاس نتائج المؤتمر على سعر الصرف قال إن المؤتمر خدع تجار العملة بتقديم القروض التجسيرية وشطب الديون وهبط سعر الدولار قليلاً.
ويرى الخبير الاقتصادي د.عبد الله الرمادي أن القرض التجسيري جزء من الاتفاق مع حكومة الفترة الانتقالية حال قيامها بإزالة التشوهات من الاقتصاد على أن يسعى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لحل المشاكل المالية والديون، ولكن السودان لم يسدد هذا المبلغ لعدم توفره، ولكن تم سداد بعض الديون بقرض تجسيري من الولايات المتحدة، ودفعت عن السودان للبنك الدولي الديون المتأخرة، كما تدخلت فرنسا في مؤتمر باريس، مؤكداً أهمية هذا القرض في دعم الاقتصاد إذا أحسنت إدارة الموارد. ونادى بضرورة وجود ترشيد وخطة وإشراف دقيق من الدولة لمعرفة أين يذهب كل دولار من هذه المبالغ.
ومن المتوقع أن تفتح عملية سداد المتأخرات الباب فوراً للاستفادة من برنامج البنك الدولي للدعم الميسر من خلال التمويل المباشر بقرابة الـ 635 مليون دولار، وهو ما يشكل دفعة قوية لوضع السودان الحالي، منها مبلغ 215 مليون دولار كدعم مباشر للموازنة قد يؤدي إلى المضي قدماً باتفاق جوبا للسلام دون تعثر.
واقترح الرمادي تخصيص مبالغ التمويل الخارجي لإنشاء جمعيات تعاونية ومشاريع إنتاجية لتوفير فرص عمل وتحقيق الاكتفاء الذاتي والمساهمة في خفض الأسعار، وأن تُخصَّص القروض المتوقعة لمشروعات البنى التحتية مثل تحديث أساليب المناولة البدائية، وتحديث المواعين حتى بميناء بورتسودان حتى تواكب التطور العالمي بجانب زيادة كفاءة الميناء وتقليل تكلفة الرسوم بالميناء والتي تكون باهظة بسبب تأخر البواخر، بجانب تطوير السكة حديد والناقل الجوي والنهري والبحري الذي يفقد السودان جراءه الآن حوالي 1.5 مليار دولار سنوياً تكلفة الصادر والوارد، وشدّد على أهمية محاربة الفساد ووقف تهريب المنتجات المستوردة والمحلية، وبذلك يمكن أن ينهض السودان خلال خمس سنوات وينافس كثيراً من الدول، وفي فترة وجيزة يمكن أن يكون من أوائل النمور الأفريقية المنطلقة اقتصادياً.
وقال: من الفوائد التي يجنيها السودان فتح الباب لإمكانية إعفاء ديونه التي وصلت وصلت 64 مليار دولار من أصل الدين البالغ 17 مليار دولار بفعل تراكم أسعار الفائدة.
——
مزارعو قرية “قدو” بنهر النيل يطالبون بالكهرباء
الخرطوم: جمعة
تعتبر ولاية نهر النيل من أهم الولايات الزراعية بالبلاد، بالنظر لتوفر مقومات هائلة في القطاع الزراعي وأهمها الأراضي الواسعة والخصبة مع توفر مياه الري عبر النيل الرئيسي أو الأنهار بالإضافة للزراعة المطرية، وتنتشر بالولاية المشاريع الصغيرة لزراعة الخضروات ومشاريع البستنة، ورغم توفر جميع هذه الإمكانيات فما زال المزارعون هناك يعانون من عدة عوائق تقف حجر عثرة أمام الزراعة.
يقول المنتج حامد أحمد بشير من قرية قدو بوحدة كبوشية إلى الشمال قليلاً من شندي، إن القرية تعتمد بشكل كبير على العمل الزراعي باعتباره النشاط الرئيسي لسكانها، بيد أنه أشار لوجود معاناة حقيقية من غياب الدور الرسمي في دعم الزراعة، مشيراً إلى أن أكبر العقبات التي تواجههم في عدم كهربة المشاريع، لجهة تزايد الصرف على الوقود بعد تحرير الحكومة للأسعار وإلغاء تخصيص وقود للزراعة، وانتقد القرار، وقال إنه أسهم في تضاعف تكاليف الزراعة، ضارباً المثل بأنه ينفق شهرياً أكثر من “200” ألف جنيه على الجازولين، فيما يبلغ أدنى صرف على الجازولين “50” ألف جنيه شهرياً، ووصفه بالمبلغ الكبير، هذا دون حساب تكلفة بقية المنصرفات المتعلقة بالزراعة من أجرة العمالة والتحضير والحصاد والري وغيرها.
وأوضح حامد لـ “الصيحة”، أن القطاع الزراعي يعاني من مشكلات لا حصر لها، لافتاً إلى أن المنتجين هم الأكثر تضررًا من تجاهل الحكومة ومؤسساتها المختصة بأمر الزراعة.
وطالب حامد، بإكمال مشروع كهربة المشاريع الزراعية بمنطقة قدو الواقعة بولاية نهر النيل، مشيرًا إلى أن منصرفات الجازولين الشهرية تتجاوز مبلغ 200 ألف جنيه شهرياً، مع صعوبة الحصول على الجازولين بانتظام مما يعرقل سير العمليات الزراعية وفق المراحل المحددة، وأشار إلى أن إدخال الكهرباء لمناطق الزراعة سيسهم بشكل مباشر في تقليل حدة أزمة الوقود بتخصيص وقود الزراعة لقطاعات أخرى مثل القطاع الصناعي أو قطاع النقل.
وأشار حامد لوجود متغيرات عديدة طرأت على العمل الزراعي، جعلت منه مهنة مكلفة من ناحية، وتواجهها عقبات متعددة من ناحية أخرى، مشيرًا إلى أن الصرف على العمليات الزراعية منذ مرحلة التحضير وحتى مرحلة الحصاد أصبح يستنزف المزارعين بشكل كبير مع عدم وجود ضمانات كافية لاسترداد المنصرفات، لافتًا إلى أن هذا الأمر يجعل من الزراعة في نظر البعض مخاطرة غير مضمونة النتائج، وأرجع الأمر لتقاعس الحكومة عن دورها المتعلق بتذليل عقبات الزراعة وعدم وجود سياسات مشجعة للإنتاج، وقال إن ما يحدث هو العكس تماماً، حيث أشار إلى تزايد الرسوم والضرائب على الإنتاج كما تضاعفت تسعيرة الكهرباء لمستويات فلكية، وفي حال عدم توفر الكهرباء لا يوجد بديل سوى الوقود وهو جميعه وقود محرر يباع بالسعر التجاري مما يشكل ضغطاً كبيراً على المزارعين والمنتجين.