أمينة المفتي الأردنية الشركسية أشهر جاسوسة عربية للموساد.. أحبّت يهودياً.. فباعت لأجله الدين والوطن (15)..!!
كتب: فريد الفالوجي
أعدها للنشر: سراج الدين مصطفى
(1)
غمز بطرف عينيه ضاحكاً وقال:
سنتدبر الأمر عما قريب أيتها الأنثى الشقية، أنظري.. ها هي حقائبي وصلت الآن.. ولأن لبنان بلد سياحي حر فأمور التفتيش في المطارات والموانئ شكلية جداً ولا تُخضع لرقابة صارمة كما في سائر البلاد العربية، على اعتبار أن التدقيق الزائد يسيئ إلى السواح الذين هم عماد الاقتصاد وأحد أسباب الرخاء.. لذلك لم ينتبه رجال الجمارك لجهاز اللا سلكي المدسوس بحقيبة أمينة.. فبيروت كانت في تلك الفترة في أوج انفتاحها.. وسوقاً رائجة لتجارة السلاح والمخدرات والرقيق الأبيض والجواسيس.
(2)
وفي الساعات الأولى من صباح 6 أكتوبر 1973، أطلقت أمينة أولى إشارات البث اللا سلكي الى تل أبيب: (آر. كيو. أر. وصلت بسلام. الأمير الأحمر في أوروبا. تعرّفت بضابط فلسطيني يدعى أبو ناصر، وعدني مارون بأن يأخذني معه إلى مبنى الهاتف المركزي. غادر جورج حبش إلى تونس سراً.. رجاله يقاتلون سبعة من رجال حواتمة.. أبو عمار بالبيت مصاباً بالبرد.. شحنة أدوية وصلت سراً من رومانيا للقيادة.. يوجد نقص كبير في الأنتي بيوتكس.. تحياتي. نفيه شالوم “واحة السلام”).
(3)
استقبلت الموساد رسالة أمينة بشيء من الاطمئنان والفرح.. فالرسالة كانت واضحة الشفرة بلا أخطاء.. والأخبار التي حوتها هامة جداً استدعت دخولها إلى غرفة التحليل والمتابعة على الفور، وسرعان ما تسلّمت أمينة أول رسالة بثت إليها من إسرائيل: (تهانينا بالوصول، اهتمي بتحركات الأمير، أبو ناصر خبيث جداً فاحذريه، لا تهتمي بمارون الآن، من يطبب أبو عمار “عرفات”.. ماذا ببطن الباخرة كيفين في صيدا.. نريد معلومات عن مخازن الأسلحة بمخيم البداوي في طرابلس ومراكز التدريب الجديدة في قلعة شقيف).. وبينما تهيأت العميلة الإسرائيلية للتحرك.. مدفوعة بشوق جارف إلى العمل، انطلقت شرارة الحرب، وعبر المصريون خط بارليف المنيع، وعمت مظاهرات الفرح بيروت.. وكما بكى رأفت الهجاء بكاءً مراً في إسرائيل إثر هزيمة 1967، انهارت أمينة المفتي في 1973.. تناقض عجيب بين الحالين.. فتلك هي النفس البشرية في اندفاع الوطنية – أو الخيانة، الحب الجارف – أو الكره المقيت.
(4)
نشطت أمينة المفتي في عملها التطوعي كطبيبة عربية تجوب أنحاء لبنان، وجاسوسة إسرائيلية تمد الموساد بالمعلومات الحيوية عن تحركات الفدائيين في الجنوب، الذين شحنتهم انتصارات الجيوش العربية فازدادوا استبسالاً وضراوة، وعاد علي حسن سلامة من أوروبا لترتيب خطط العمليات الجديدة.. فالعدو فقد السيطرة على نفسه وعلى اتزانه.. والضربات القوية تترك آثارها بوضوحٍ على وجهه المشوّه.. هكذا انطلق رجال المقاومة في الجنوب اللبناني يضربون في العمق الإسرائيلي بلا كللٍ.. واستدعى ذلك من أمينة أن تترك بيروت إلى صور.. ومعها جهاز اللا سلكي الخطير، حيث عكفت على بث رسائلها يومياً.. والتي وصلت في أحيان كثيرة إلى خمس رسائل مُهدّدةً حياتها للخطر.. واضطرت الموساد أمام سيل رسائلها إلى فتح جهاز الاستقبال على التردُّد المتفق عليه لساعات طويلة على مدار اليوم.
(5)
هكذا كانت أمينة المفتي تنتقم وتفرغ شحنات غضبها في رسائل يومية مبثوثة قد تعرُّضها للانكشاف والسقوط، لكنها لم تكن تستمع لنداءات الخوف أبداً، إذ اندفعت بجرأة أكثر، وحملت جهاز اللا سلكي في جولة لها بمنطقة بنت جبيل على مسافة خمسة كيلومترات من الحدود الإسرائيلية، هناك فُوجئت ببعض زعماء الجبهات الفلسطينية، برفقة أبو إياد (1) يتفقّدون جبهة القتال ويصيحون في الجنود فيثيرون حماستهم.. لحظتها تملكها الحقد والغضب.. وبمنتهى الجرأة اختلت بنفسها داخل أحد الكهوف وبثت رسالة عاجلة إلى الموساد (أي. كيو. أر. عاجل جداً وهام. أبو إياد وقيادات الجبهات في بنت جبيل. موقعهم مائة وخمسون متراً شرق القبة العلوية بجوار فنطاس المياه بين شجرتي الصنوبر. اضربوا الموقع كله ودمِّروا السيارات الجيب والليموزين. سأكون على بُعد معقول منهم. سأفتح الجهاز لأربع دقائق. نفيه شالوم).