المطالبة بهيكلة المصارف وإلغاء التخصيص المصرفي المتخصص إلى المصرف الشامل
شوقي عزمي: لابد من الالتزام بالمعايير الرقابية الدولية وإحكام الرقابة
عضو الحرية والتغيير يطالب بإنشاء مصرف حكومي متخصص يتولى ضبط عمليات الاستيراد والتصدير
رئيس الحزب الاتحادي الموحد: ابتداع منهجية مصرفية وإجراء تعديلات في قانون المركزي
خبير اقتصادي: البنوك خارج شبكة التحويلات المالية والأنشطة الخاصة والسوق الأجنبية لهذا السبب
الخرطوم: سارة إبراهيم عباس
تحديات كثيرة تواجه القطاع المصرفي في البلاد بسبب العقوبات الاقتصادية التي أمتد أمدها زهاء الـ (23) عاماً الماضية، وما زال أثرها واضحاً في تحجيم عملها بل أقعدتها من المساهمة في الحركة الاقتصادية في البلاد وحرمتها من التعامل مع مصارف العالم، فضلاً عن معاناة القطاع طيلة فترة النظام البائد من التمكين بل تحول برمته إلى آلية للفساد والإفساد بدلاً من لعب دوره الأساسي المتمثل في توفير رؤوس الأموال حسب خبراء، لذلك علت الأصوات بإعادة هيكلته حتى يقوم بدورة الأساسي.
إزالة التضارب
أوصت ورقة هيكلة الجهاز المصرفي والمالي لإحداث التوازن الاقتصادي التي قدمت في ورشة التضخم وسعر الصرف والميزان التجاري والنظام المصرفي في بنك السودان المركزي بإعادة هيكلة المصارف وإلغاء التخصيص المصرفي المتخصص إلى المصرف الشامل، والعمل على تطوير انظمة العمليات المصرفية بحيث تتضمن آليات جديدة وأسساً علمية للتمويل وإدخال كافة الخدمات التي تعمل بها المصارف العالمية، كما أوصت بإعادة صياغة قانون بنك السودان المركزي بهدف الاستقلالية الكاملة مع تقوية أنظمة الضبط والمراجعة والمتابعة لعمليات الصادر والوارد وفرض ولاية بنك السودان على المال العام بالنقد الأجنبي وضرورة إلغاء الاستثناءات التي تمنح لمحافظ البنك المركزي، ومنع المركزي من الاستثمار في المصارف والتفرغ لدوره التنظيمي والرقابي وإزالة التضارب.
البيئة القانونية والتشريعية
دعا عضو لجنة الخبراء الاقتصاديين في الحرية والتغيير وعضو لجنة المؤتمر شوقي عزمي، إلى الالتزام بالمعايير الرقابية الدولية الصادرة من لجنة “بازل” ومجلس الخدمات المالية الإسلامية والالتزام بمؤشرات السلامة المالية ورفع الكفاءة المالية وإحكام الرقابة المصرفية واتباع سياسات الدمج أو رفع رأسمال المصارف، وشدد على أهمية إنشاء مصرف حكومي متخصص في التصدير والاستيراد (أكزم بنك) والذي يتولى ضبط عمليات الاستيراد والتصدير الحكومي والإشراف على المنح والقروض والعون السلعي مع تحويل أو إنشاء بنك تعاوني بهدف خدمة القطاع التعاونى بصورة متخصصة.
وطالبت التوصيات بتثبيت سعر الصرف الرسمي بما لا يؤثر سلبًا على “الملاءة” المالية والتوسع في استخدام التقنيات المصرفية الحديثة لزيادة كفاءة أداء الجهاز المصرفي ودراسة تطبيق نظام النافذتين بإلغاء منشور البنك المركزي بتاريخ 09-07-2011 ووجهت بإدخال تحسينات على البيئة القانونية والتشريعية مثل قانون تنظيم العمل المصرفي وقانون بنك السودان وإصدار قانون التعامل بالنقد الأجنبي، وإصدار قانون نظم الدفع الجديد بهدف تحسين وضمان شفافية أكبر والحوكمة للأعمال التي تقوم بها المصارف، واستحداث الأنظمة الداخلية الحالية الخاصة بإدارة المخاطر بما في ذلك ضوابط المعاملات عبر الحدود.
السمعة المصرفية
وفي يناير الماضي، ألمح مساعد وزير الخارجية الأمريكي تيبور ناج خلال زيارته للسودان لإمكانية رفع القيود المصرفية، وقال حينها إن القيود المصرفية المفروضة على السودان ليست إجراءات فنية بل تتعلق بالسمعة المصرفية التي تتطلب الاستعادة من جانب الخرطوم، واستبق البنك المركزي تلك الإجراءات بمخاطبة المصارف المركزية بعدة دول والمراسلين لتنشيط علاقات المراسلة المصرفية.
فشل النظام المصرفي
وكان رئيس الحزب الاتحادي الموحد محمد عصمت يحيى، دعا إلى أهمية إعادة هيكلة القطاع المصرفي السوداني بجناحيه الإشرافي والتجاري، مشيراً إلى ضرورة إجراء تعديلات في قانون البنك المركزي للإقرار باستقلاليته الفعلية، وأشار إلى ضرورة تبني منهجية العمل بالنظام المصرفي المزدوج عقب فشل النظام المصرفي الحالي طوال أربعة عقود في ابتداع منهجية مصرفية متكاملة المعالم لتمكن النشاط المصرفي من اندماجه عالمياً والمنافسة في الأنشطة الاستثمارية الحقيقية والإسهام في التنمية الاقتصادية. وقال عصمت: لابد أن تشمل إعادة الهيكلة مشروعات لإعادة التسكين الوظيفي داخل القطاع وفقاً لقوانين ولوائح الخدمة العامة نتيجة للقفز والترقي لكوادر النظام البائد خلال الفترات الماضية.
مافيا العملات
في ذات السياق، يقول أستاذ الاقتصاد بـ”جامعة المشرق” بروفسور عصام الدين الزين، إن الجهاز المصرفي من أكثر القطاعات التي تأثرت بالعقوبات الأمريكية واسم السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، بل ساهمت في إضعافه، ولم تعد التعاملات المالية بطريقة عادية، بجانب أن التعديلات الأخيرة جعلته خارج شبكة كل التحويلات المالية والأنشطة الخاصة والسوق الأجنبية التي سيطرت عليها مافيا العملات الأجنبية (السوق السوداء).
وأشار في حديثه لـ (الصيحة) إلى أن البنوك أصبحت معطلة في وضع أقل ما يوصف بالصعب لعدم استطاعتها ممارسة أنشطتها بالطرق المباشرة إلا عن طريق وسطاء ومكاتب بالخارج وليست لديها أرصدة أجنبية، وقال إن السياسات المتبعة أدت إلى ارتفاع معدلات التضخم وخلت البنوك من حسابات الادخار والودائع، وإنها لا تغطي 10% من السيولة التي هربت من الجهاز المصرفي والتي تقدر بـ 90% من حجم السيولة.
وتآكلت رؤوس الأموال، وتأثر المستثمرون والمنتجون والشرائح الأخرى بمعدلات التضخم، وقال إن البنوك محتاجة إلى هيكلة وإعادة هيكلة، مشدداً على أهمية اتباع سياسات تعمل على استقرار الاقتصاد وتخفيف حدة التضخم لجذب المودعين والمدخرين، لافتاً لأهمية اتباع خطط وتسهيلات وفتح اعتمادات وتنشيط المراسلين، وأوضح أن هيكلة البنوك وعمليات الدمج وإعادة الدمج قد تكون سابقة للاستقرار الاقتصادي، لذلك لابد من السعي لخروج اسم السودان من قائمة الإرهاب حتى يستطيع القطاع المصرفي جذب رؤوس الأموال الأجنبية، مشدداً على ضرورة معالجة السياسات المالية والنقدية والسياسة العامة التي إذا وضحت يمكن أن يكون للقطاع المصرفي دور كبير في الساحة الاقتصادية.
تعديلات السياسات المالية
ويرى الخبير المصرفي، د. خالد الفويل، أن الفرصة سانحة أمام القطاع المصرفي للتعامل مع كافة المؤسسات العالمية النظيرة، موضحاً أن الأمر يتطلب إجراءات تقنية وفنية وإصلاح السياسات بما يضمن استقرار القطاع ويقلل من حجم المخاطر التي تواجه المصارف.
وقال الفويل لـ”الصيحة”، إن التوقعات تشير لتحسن تدريجي للقطاع المصرفي، ومن المستبعد أن يتم الاندماج دفعة واحدة، مشيراً إلى أن العديد من العقبات ما تزال حاضرة بقوة خاصة في الجانب التقني، وزاد: لا أريد القول إن المصارف السودانية غير جاهزة تقنياً، لكنها تحتاج لعدد من التحسينات وتطوير أنظمتها، وتقنين وضعها وأن تجتهد لمواكبة التقنية الإلكترونية، والسعي في ترتيبات فنية وتقنية وعقد اتفاقيات تعاون مع البنوك الخارجية في التمويل والدور المصرفي عالمياً، وقال إن كل تلك الجوانب مهمة للاندماج في النظام المصرفي العالمي، وتوقع إجراء عدة تعديلات على السياسات المالية لوزارة المالية والسياسات النقدية للبنك المركزي وكذلك السياسات الضريبية لمواكبة القرار وضبط سوق النقد الأجنبي، وأن تكون بشكل عملي حتى لا يحدث تضارب بين هذه السياسات، موضحاً أن الفترة السابقة شهدت الكثير من المخاطر أمام الانفتاح المصرفي مع العالم.
تقييم المخاطر
ويشير مختصون إلى ضرورة إعطاء الأولوية لإصلاح القطاع المصرفي لتشجيع الاستثمار الخاص، موضحين أن الرقابة المصرفية ما تزال ضعيفة، في ظل عدم اختبار جدي لقدرة البنك المركزي على مكافحة المخالفات التي تتم في بعض البنوك، وتحتاج المصارف السودانية إلى الحوكمة وإعادة الهيكلة حتى تطمئن المصارف الخارجية للدخول في تعاملات مع السودان دون خوف من مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، لجهة أن أوضاع المصارف لا زالت كما هي عليه قبل الثورة، وأن التعامل مع المصارف العالمية يتطلب الإصلاح المؤسسي ووجود نظام وقانون وعقاب واحترام للقرارات إلى جانب عدم وجود أي عمليات للفساد فضلاً عن حفظ الحقوق، ومن المتوقع في حال الوفاء بهذه المطلوبات أن تتعامل المصارف العالمية مع السودان حتى إذا استمر الحظر وتمنع معظم البنوك والشركات الاستثمار الخاص بسبب عدم وضوح النظام الاقتصادي بأكمله في السودان يجعل من الصعب على البنوك والشركات إجراء العناية الواجبة للعملاء على العملاء السودانيين وفهم المخاطر المحتملة تماماً في محاولة لزيادة الاستثمارات الأجنبية، وجذب البنوك والشركات الدولية إلى السودان، ينبغي على القطاعين الحكومي والمصرفي إظهار قدر أكبر من الشفافية، وتطبيق قوانين وسياسات مكافحة غسل الأموال الحالية في السودان، وتحسين سياسات وممارسات الرقابة المصرفية وستسمح هذه الخطوات للمصارف الدولية والمستثمرين من القطاع الخاص بتقييم المخاطر بشكل كافٍ وربما زيادة الاستثمار في السودان.