أموال التمكين المستردة.. جدل مستمر
الخرطوم: الصيحة
أثار تصريح د. جبريل إبراهيم وزير المالية والاقتصاد الوطني بعدم تسلم الوزارة لأي من مستردات لجنة إزالة التمكين الانتباه لغياب الشفافية وأي حديث عن الشركة القابضة لإدارة الأموال المستردة التي أصدر رئيس الوزراء قرارًا بتكوينها في فبراير الماضي.
ونفى جبريل تسلم المالية أي مستردات من لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال بصورة رسمية.
وقد تم تشكيل شركة السودان القابضة بقرار صادر من حمدوك بالتزامن مع ترشيح جبريل إبراهيم لمنصب وزير المالية.
ومن سلطات الشركة بحسب القرار، استلام وحصر الأصول والأموال المستردة من لجنة التفكيك، ثم إعداد تقارير مراجعة إدارية ومالية تعكس نشاط وموقف الشركات والأسهم والصكوك ومختلف أنواع الأصول التي تؤول إليها.
وحسب القرار، يترأس مجلس إدارة الشركة القابضة شخصية قومية ذات خبرة في مجال الاستثمار وإدارة الأصول، بحيث يتم تعيين هذا الرئيس من قِبل رئيس الوزراء.. ويعمل مجلس إدارتها تحت الإشراف المباشر لرئيس الوزراء، وتم تحديد أعضاء مجلس الإدارة، وهم مُمثل لوزارة المالية وآخر لوزارة العدل، ثم آخرون يمثلون بعض مؤسسات الدولة ذات الصلة بالصناعة والزراعة وغيرها.
وقد واجه قرار حمدوك إنشاء شركة قابضة لإدارة أموال التمكين تحت إدارته ردود فعل واسعة رافضة للقرار لما يمثله من انتهاك لمبدأ الشفافية ومحاولة لابعاد وزارة المالية عن الأموال المستردة بواسطة التمكين في الوقت الذي يواجه فيه السودان تفاقم الأزمة الاقتصادية وأن وزارة المالية في حوجة ماسة للمال لتسيير دولاب الدولة وتوفير الدواء والوقود للمواطنين.
كما أن قرار إنشاء الشركة القابضة لا يتماشى مع الروح العامة الرافضة للشركات الحكومية.
وبات واضحاً بحسب المراقبين أن إنشاء شركة قابضة لإدارة أموال التمكين والأصول المستردة كأنما يراد به تجريد المالية وحرمانها من هذه الأموال وهو نفس الأسلوب والسياسات التي اتبعها النظام السابق.
فيما أشار عدد من الخبراء إلى الغموض والضبابية بالنسبة للأموال المستردة، وذات الأمر ينطبق على الأموال التي حصلت عليها الحكومة في مشروع “القومة للسودان” الذي وصلت تبرعاته لأرقام فلكية بمختلف العملات من مواطنين ومؤسسات بالداخل وتبرعات المغتربين، إلا أن الحكومة لم تعلن بنود توظيف هذه الموارد وهل تم استخدامها أم لا، و من غير المعروف أين تحفظ الآن؟
ويتساءل مراقبون عن الغاية من تأسيس الشركة القابضة هل هي حماية الأموال والأصول المستردة، ثم إدارتها وتشغيلها؟ أم هي محض آلية يُراد بها إبعاد وتجريد وزارة المالية من سلطة إدارة هذه الأصول والأموال؟ بينما يرى مراقبون أن إنشاء شركة قابضة هو بوابة للفساد، وربما تكون معبراً لتهريب الأموال.
وبحسب قرار حمدوك بإنشاء الشركة القابضة فإنها غير تابعة لوزارة المالية، لا إدارياً ولا إشرافاً.. فالشركة، حسب نص قرار التشكيل، تعمل تحت الإشراف المباشر لرئيس الوزراء، ولا علاقة لوزير المالية بالإدارة والإشراف.
وهذه الوضعية تطرح تساؤلات مشروعة حول سلطة وزارة المالية – وولايتها – على هذه الأموال والأصول وبالتالي تفتح الباب واسعا عن عدم الشفافية والتناقض الكبير عن السبب وراء أبعاد وزارة المالية عن بسط ولايتها على المال العام وهو الأموال المستردة والأصول المصادرة الأمر الذي يبقى التساؤل مشروعاً حول سلطة وزارة المالية – وولايتها – على هذه الأموال والأصول.
وكان الخبير القانوني الدكتور أحمد المفتي، الرئيس السابق لمجلس لحقوق الإنسان، قد أصدر منشورا بالرقم ٣١٨٦ بتاريخ 9 فبراير 2021،إن قال فيه إن رئيس الوزراء ليس له الحق في إنشاء الشركات، ولا رئيس مجلس السيادة، لأن ذلك اختصاص حصره القانون في وزير العدل، ولذلك قرار رئيس مجلس الوزراء بإنشاء أي شركة، لا يسري، وإنما ينفذه وزير العدل، بإفراغ ذلك القرار، في عقد تأسيس، ونظام أساسي، تسجل بموجبهما الشركة.
وأوضح المفتي في منشوره أن الهدف من إنشاء شركة القطاع العام، هو عدم خضوعها لضبط المراجع العام، وديوان الحسابات، وقوانين الخدمة العامة، والمشتريات الحكومية، وذلك من أجل أعطائها “الحرية” الكاملة لإدارة شؤونها.
ونبه الخبير إلى أن تلك “الحرية” هي كلمة حق، ولكن لا يترتب عليها إلا الفساد “المقنن”، إلا من رحم ربي، حيث إن تلك الشركات لا تخضع لولاية وزارة المالية الاتحادية، وضوابط الخدمة العامة القانونية، التي سبقت الإشارة إليها.
ونصح المفتي الحكومة، إذا ما اضطرت لذلك، أي لمثل هذه الشركات، لأي سبب من الأسباب، أن تضبطها قانونياً، فيما يختص بشروط خدمة العاملين بها، وأي تصرف في أرباحها، بحيث يكون ذلك بموافقة وزير المالية الاتحادي كتابة.