تقرير- عبد الله عبد الرحيم
مرة أخرى تتجدد مخاوف المزارعين السودانيين جراء الهجمات العشوائية التي تنفذها ضدهم مليشيات إثيوبية عقب بدء العمليات العسكرية على الشريط الحدودي بين البلدين. وقد نشطت عصابات الشفتة الإثيوبية مؤخراً في تعطيل الموسم الزراعي للمزارعين السودانين عقب بداية هطول الأمطار إيذاناً ببدء فصل خريف هذا العام في تلك المنطقة ذات الكثافة الزراعية العالية، في وقت تناهض فيه مجموعات إثيوبية استغلال الأراضي السودانية من قبل المزارعين السودانيين. الأمر الذي يتطلب بحسب المزارعين السودانيين يقظة واستعداد الجيش لدحر تفلتات عصابات المليشيات الإثيوبية المهددة للمؤسم الزراعي في منطقة الفشقة الغنية والمتاخمة للحدود مع إثيوبيا.
تكرار الهجمات
وقد أبدى مزارعون في منطقة الفشقة الكبرى المحازية للشريط الحدودي مع إثيوبيا مخاوف متعاظمة من تكرار هجمات المليشيات الإثيوبية أثناء بدء تحضير أراضيهم للزراعة. وبحسب مصادر موثوقة لـ “سودان تربيون” أن مليشيا أثيوبية مسلحة توغلت بعمق 10 كيلومترات داخل الأراضي السودانية يوم الأحد في مناطق غابة الكردية وكمبو “يماني” بالفشقة الكبرى المحازية لإقليم التقراي، وحاولت المليشيات قطع الطريق أمام حركة الرعاة وعمال وتجار الفحم. ولفت مزارعون في الشريط الحدودي إلى أن انتشار المليشيات الأثيوبية وظهورها مجددًا خاصة في المناطق التي يجري فيها تحضير ونظافة الأرض بواسطة المزارعين السودانيين في مساحة 20 ألف فدان بعد أن شهدت تلك المناطق هطول أمطار غزيرة خلال الأيام الماضية. وطالب معاوية عثمان الزين وهو أحد كبار المزارعين بالفشقة الكبرى القوات المسلحة السودانية بضرورة الانتشار وإقامة معسكرات لحماية المزارعين السودانيين في الأراضي المحررة والتي تقدر بنحو 750 ألف فدان يستفيد منها نحو 1500 مزارع. وأوضح أن هنالك مساحة تقدر بنحو 15 ألف فدان من الأراضي السودانية المحررة تشهد تحركات لكبار المزارعين والمليشيات الإثيوبية في الجهة الشرقية من كمبو الكردية. وطالب الزين الجيش السوداني بسرعة الانتشار وتوفير الحماية الأمنية للمزارعين. ومنذ نوفمبر الماضي يخوض الجيش السوداني معارك ضارية في مواجهة قوات ومليشيات إثيوبية تستولي على أراضي المزارعين السودانيين وتعمل على فلاحتها بعد طرد أصحابها بقوة السلاح. وبحسب تصريحات عسكرية فإن الجيش استعاد 95% من الأراضي السودانية لكن المليشيات الأثيوبية تعود من جديد لاحتلالها والعمل على فلاحة الأرض.
بداية التوتر
منذ نحو ربع قرن يسيطر إثيوبيون ينتمون لقومية «أمهرا» على أراضي منطقتي الفشقة «الصغرى والكبرى»، التي تعد من أخصب الأراضي الزراعية في السودان، تحت حماية «ميليشيات أمهرا» وعصابات «شفتة»، بعد أن طردت السكان المحليين بالقوة، في ظل «تهاون» وتفريط الحكومة السابقة عن توفير الحماية لهم، بيد أن الجيش السوداني شن هجمات عسكرية على قوات أمهرا المدعومة من الجيش الإثيوبي وطردها إلى حدود إثيوبيا الدولية، وذلك بعد تعرض قواته لكمين نفّذته قوات إثيوبية راح ضحيته عدد من الأفراد بينهم ضابط. ولفت الخبير في الحدود د. معاذ تنقو إلى الأطماع الأثيوبية في الفشقه التي بدأت منذ عام (57) من خلال دخول ثلاثة مزارعين أصبحوا الآن أكثر من (10) آلاف مزارع وأكد أن الأمر تطور بمحاولة الحكومة الإثيوبية تغيير البنية التحتية وشق الطرق وإدخال الكهرباء والاتصالات والتلفزيون على الأراضي السودانية. بيد أنه قال إن اثيوبيا تمارس التسويف والمراوغة في التفاوض بشأن ملف الحدود، وأكد أن المزارعين الأثيوبيين استولوا على أكثر من (10) آلاف فدان من الأراضي السودانية حينها تدخلت السلطات بفتح بلاغات وتقديمهم للمحاكمات ومصادرة الآليات الزراعية، وأكد أن عدم الالتزام هو عنوان المفاوضات مع الجانب الأثيوبي، وذكر: عندما بدأ الهجوم على قرى المزارعين السودانيين أفرز ذلك تكوين لجان الحدود عام (2001- 4) وقال في عام (2004) قدمت اللجنة التقرير الميداني حصرت فيه المزارعين الإثيوبيين والمستوطنات التي تقدر بـ (7) مستوطنات.
مراوغة وتسويف
واعتبر تنقو مراوغة الأثيوبيين أمرا غريباً ورأى أن اثيوبيا أجبرت السودان على القبول بالوضع الراهن واشترط على نفسه عدم زيادة عدد المزارعين ونوه إلى أنه في عام (2004) قامت لجنة خاصة بزيارة الفشقة وتسجيل كل من ادعى بأن له أرض وتسجيل الإحداثيات ووقعت عليها من قبل الطرفين وفي عام (2005) في أديس أبابا قدم السودان مقترح معالجة مشاكل الزراعة والاستيطان ووعدت أثيوبيا دراسة ذلك وأكد أن أغلب المزارعين السودانيين تم حرمانهم عن أراضيهم عبر التواجد القسري للأثيوبيين، وقال إن عصابات الشفتة هي مليشيات إثيوبية قيل إنها غير تابعة للحكومة الإثيوبية ولا تسيطر عليها. وقال: هنالك اعتراف بالحدود منذ عام 2010 وتأكيد وضع علامات قديمة بواسطة رئيسي البلدين. مشيراً أن إنكار أثيوبيا للاتفاقيات السابقة يضعها أمام مواجهة إعلان القاهرة عام (63) الذي أعلنت فيه الدول قبولها بالحدود التي وضعها الاستعمار كذلك يضعها في مواجهة مخرجات قمة الوحدة الافريقية التي تبنت ذلك، ودعت فيها إلى احترام الدول للحدود التي ورثت من الاستعمار واعتبر الذين يطالبون بإعادة النظر في البرتكولات ليسوا مسؤولين وقال ربما لا يعرف أنها سترد إليه مناطق كبيرة عبر الوثائق ومحاضر التفاوض.
استهداف المليشيات
ونقل رئيس اللجنة التمهيدية للمبادرة القومية الشعبية لدعم الجيش والقيادي بشرق السودان مبارك النور في حديثه لـ(الصيحة) من الشرق توقعاته بصحة الأنباء المتواترة عن التحركات على الحدود السودانية وقال: أثيوبيا وعبر مليشياتها تطمع في هذه الأراضي ونتوقع أن تجيش وتعد عدتها وأن تهاجم.. لكن الجيش السوداني على اهبة الاستعداد الآن، وأردف: لن يفرط في شبر من أرض السودان، لا أستبعد استهداف المليشيات الأثيوبية لتفويت الموسم الزراعي على المزارعين السودانيين وحرمانهم من استغلال مزارعهم وأراضيهم داخل الحدود السودانية فيما تنازعهم فيها مليشيات وعصابات مزارعين إثيوبية. وقال إنه لا يستبعد أن يكون تحرك تلك المليشيات بأمر الجيش الأثيوبي أو تحت سمع وعلم القوات الإثيوبية التي تنكر ذلك وتدعي خروج تلك الجماعات والمليشيات مشيراً أن الهدف واضح وهو استهداف الأراضي السودانية.. وأردف: لكن الاستعدادات هنا كبيرة ومطمئنة تم تحرير حوالي 70% من الأراضي الحدودية للسودان وتبقت 30% وأكد وقوفهم التام مع الجيش.
تجاهل الحكومات
وأرجع الخبير معاذ تنقو ذلك كله إلى عدم اهتمام الحكومات المتعاقبة بقانون هيئة تعمير الفشقة الذي أصدره الراحل جعفر نميري، وقال: الحكومات لم تهتم به ولم تهتم بتقديم المساعدات والخدمات في تلك المنطقة، وأضاف أن الطمع في المنطقة ناتج لكونها غنية بالموارد وتربتها خصبة. وقال إنه في 2010م الاتحاد الافريقي قام بإعداد تقرير يؤكد الحدود ومساراتها، وطالب الدولة بمد المواطن بالفشقة بالخدمات والحرص على إعادة جميع أهالي القرى الذين تم تهجيرهم قسريًا من قبل الإثيوبيين، مشيرًا مع وجود الجيش للتأمين وقال إن صاحب الحق يسعى لوضع ما كان عليه وله الحق فعل ما يشاء مع الالتزام بحقه وردع أي إذعان أو عدوان على أرضه.