الخرطوم ـ محجوب عثمان
منذ بداية العام 2018 كانت أزمة الوقود في البلاد قد بدأت في الاستفحال وكان الجميع يراها في تمدد صفوف العربات أمام محطات الوقود لكن الحكومة لم تكن تدري مكامنها، ففي مساء التاسع من ابريل سأل مقدم برنامج حال البلد في قناة سودانية 24 الطاهر حسن التوم وزير النفط آنئذ، د. عبد الرحمن عثمان في مكالمة هاتفية كانت تبث على الهواء، عن الأزمة، لكن رد الوزير عليه كان صادماً إذ سأل الوزير بدوره سؤالا غريبا عندما قال “الأزمة مكانها وين؟؟”.. الامر الذي اثار دهشة الجميع كون ان الوزير ينكر ازمة يراها امام اعينه كل يوم في تطاول صفوف العربات امام محطات الوقود.. لاحقاً وفي فبراير من العام 2019م، تم إعفاء الدكتور عبد الرحمن عن الوزارة وجاء اسحق آدم بشير جماع خلفا له في حكومة محمد طاهر ايلا، لكن الأزمة بقيت وتفاقمت ولم يستطع الوزير الجديد حلها لحين سقوط الحكومة.
استمرار الأزمة
بعد سقوط الانقاذ وانقضاء مرحلة المد الثوري وقيام الحكومة الانتقالية الأولى، جاء عادل علي إبراهيم، ليشغل منصب وزير الطاقة والتعدين لكنه اصطدم بالكثير من المعوقات ليذهب بدوره ونظل الازمة ماثلة رغم الجهود التي قام بها الوزير الذي كلف بادارة الوزارة بعد مضي خيري عبد الرحمن وجهود وكيل الوزارة حامد سليمان، ورغم ان الحكومة عملت على رفع أسعار الوقود مرات عديدة قبل ان تعلن تحريره بالكامل ليواكب السعر العالمي، لكن الازمة ما زالت ماثلة وجميعهم ربما لم يعرف “الأزمة مكانها وين”.
تبرير
وربما قال وزير الطاقة مفجر عبارة “مكانها وين” د. عبد الرحمن عثمان تلك ليشير الى ان الازمة متشعبة ولا تختص بوزارته فقط.
فالوزير الذي تمت اقالته قبل ان يمضي عام في سدة الوزارة، قال عندما ودع العاملين في الوزارة، انه بدأ اصلاحاً لكن تمت اقالته قبل أن يكمله، مبينا انه اراد بعبارته تلك ان ينفي وجود ازمة في وزارته بينما يشير الى انها تتعلق بوزارة المالية وبنك السودان وغيرها من مؤسسات الدولة الاخرى لكن حديثه فهم في سياق آخر.
وجاءت إقالة الوزير رغم عدم ضلوعه في سبب تفاقم الأزمة، بعد أن أفصح النائب الأول لرئيس الجمهورية، رئيس مجلس الوزراء القومي الفريق أول بكري حسن صالح أمام البرلمان أن أسباب أزمة الوقود عجز الدولة عن توفير مبالغ الصيانة للمصفاة الرئيسي الذي توقف.
اياد خفية
وربما يسند رؤية الوزير معلومات كان قد نشرها الصحفي محمد حامد جمعة وقال “إن أياد عميقة كانت تريد إزاحة عبد الرحمن كونه رجلا يعرف ملف النفط ورقة ورقة وحديدة حديدة وما كان ليسمح بتحويل هذا القطاع إلى (نقاطة) شركات وصفقات؛ وأشخاص وضح أن نفوذهم قوى ومؤثر؛ الرجل حينما كان محتاراً مما يواجه لم يكن يمثل إنما يعبر عن دهشة خلفتها معرفته بالتفاصيل وربما فشل كذلك في استدعاء مكر السياسيين في رد الكرة المرسلة إلى مرماه لأنه ببساطة (تكنوقراط) لم يخلط مهنيته بفرث السياسة.
حلول لم تحل
وطوال عامين بعد سقوط الانقاذ، ابتدعت الحكومة الانتقالية جميع ما طاف بخاطرها من حلول ونفذتها في سبيل انهاء أزمة الوقود وظلت تستورد ما يزيد عن حاجة البلاد ووصل بها الامر لدرجة رفع الدعم كلياً عن المحروقات وفتح الباب أمام شركات القطاع الخاص لاستيراد المواد البترولية وبيعها بالسعر الحر، بيد ان الازمة لم تراوح محلها اذ انه ورغم بواخر المحروقات التي ضاقت بها مراسي ميناء بورتسودان، كانت طوابير الوقود السمة الأبرز التي تميز العاصمة الخرطوم وبقية مدن السودان الأخرى، إثر نقص حاد في البنزين والجازولين والغاز، وخلف الأزمة معاناة بالغة للمواطنين الذين ظلوا يقضون ساعات طويلة أمام محطات الخدمة, بينما أصيب قطاع المواصلات بشلل كبير فضلا عن ارتفاع تذاكر السفر الداخلي وغيرها.
تقصي الحقائق
مؤخرا أثار تطاول ازمة الوقود، انتباه الحكومة الانتقالية فقام مجلس الوزراء بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول سبب استمرار الأزمة اوكل رئاستها لوزير شؤون رئاسة مجلس الوزراء خالد عمر يوسف وبدأت اللجنة عملا جادا استمر 19 يوماً من التقصي عقدت خلالها 16 اجتماعاً، ونفذت 8 زيارات ميدانية، وعقدت لقاءات مباشرة مع مسؤولين عن الملف هنا وهناك لتتوصل اللجنة اخيراً الى “مكان الأزمة” وتصل الى ان سببها قصور من مسؤولين في وزارتي المالية والنفط والبنك المركزي، ما دفع مجلس الوزراء السوداني لإحالتهم للتحقيق ومحاسبتهم حال ثبوت هذه التهمة.
معرفة مكان الازمة
وقال وزير مجلس الوزراء خالد عمر يوسف في تصريح صحفي، إن مجلسه استعرض أمس الأول الثلاثاء، تقرير لجنة تقصي الحقائق حول أزمة شح الوقود الذي عكفت على إعداده في الفترة من 11 أبريل الماضي حتى 30 من الشهر نفسه، وأوضح أن لجنة تقصي الحقائق راجعت كل عمليات إمداد الوقود بداية من مرحلة العطاءات والاستيراد والتسعير والتوزيع والمراقبة، ووقفت على مكامن الخلل في سلسلة الامداد، وأشار إلى أن اللجنة وجدت أيضا قصوراً واضحاً في عدد من الإدارات والمؤسسات ذات الصلة، وقال الوزير “أمر مجلس الوزراء بناء على توصية اللجنة بإحالة عدد من المسؤولين والإدارات ذات الصلة في وزارتي المالية والطاقة وبنك السودان المركزي للتحقيق، وذلك إعمالاً لمبدأ المساءلة والمحاسبة وإيجاد الحقائق حول أشكال القصور التي يتضرر منها المواطن”.
افتعال
كثيرون يرون ان ازمة الوقود وغيرها من الازمات مفتعلة من عناصر تابعة للنظام السابق داخل اروقة المؤسسات المعنية، ففي الوقت الذي لم يوضح فيه وزير رئاسة مجلس الوزراء طبيعة القصور الذي قاد إلى أزمة المحروقات ودوافع هؤلاء المسؤولين، أكد عضو بلجنة إزالة التمكين لـ”العين الإخبارية” أمس أن التحريات الأولية للجنة تقصي الحقائق في أزمة الوقود أثبتت تورط قيادات إخوانية وشبكة من العاملين في قطاع البترول ممن ينتمون للنظام البائد في الوقوف خلفها.
واتهم المسؤول بلجنة التفكيك ما وصفها بـ”مافيا إخوانية” بالتسبب في أزمة الوقود بالبلاد وقال “وفق المعلومات التي توافرت لدينا في اللجنة برئاسة وزير مجلس الوزراء خالد عمر، توصلنا إلى العديد من المؤشرات الأولية لأسباب الأزمة”.
6 وزراء
استمرت ازمة الوقود التى لا تزال ماثلة لثلاثة اعوام متتالية فقد بدأت في مطلع العام 2018 في اوج سلطة العهد الماضي وتم تغيير ثلاثة وزراء فشلوا جميعا في حلها قبل ان تدفع الحكومة الانتقالية بثلاثة وزراء ايضا بينهم وزير مكلف فشلوا ايضا في اجتثاثها لكن لجنة تقصي الحقائق استطاعت في 19 يوما ان تصل لـ”مكان الازمة” وتعمل على تفكيكها بغية الوصول الى حل لها.
طريقة ناجعة
ويرى مراقبون ان تكوين لجنة لتقصي الحقائق تأخر كثيرا في ظل استمرار حكومة الثورة لعامين ما يشير الى ان جميع الحلول التي تم تنفيذها لدرجة رفع الدعم الكامل كانت تتم بغير دراسة كون ان سبب الازمة لا يزال موجودا، مشيرين الى ان الحكومة استطاعت اخيرا ان تضع العربة امام الحصان لتمضي نحو حل مشكلة ارقت المواطن كثيرا. ولفتوا الى ان الحكومة يجب ان تتعامل مع كل الازمات بالطريقة التي تعاملت بها مع ازمة الوقود لتصل الى اماكن الازمات وتعمل على حلها جذريا.