بهاء الدين قمر الدين يكتب.. هذا العام الدراسي أكذوبة وخدعة كبرى! (2)
لازمت هذا العام الدراسي 2020م-2021م؛ الكثير من العلل والعقبات والمشاكل عجلت بنسفه وكتبت نهايته وقضت عليه بالضربة القاضية!
وتمثلت هذه العلل والعوائق في جائحة كورونا العالمية التي أغلقت المدارس لقرابة العام الكامل، وصاحبتها أزمات انعدام الخبز وانعدام الوقود؛ فضلاً عن أن وزارة التربية والتعليم نفسها لم تكن مستعدة ولم تكن مهيأة أصلاً لانطلاقة العام الدراسي؛ فهي لم تعد ولم توفر المقررات الأكاديمية والمناهج الدراسية التي يدرسها الطلاب (الوزارة ماعندها مقررات)!
بل إنه وحتى الآن لم تمد الوزارة المدارس بمقررات وكتب الصف السادس لمرحلة الأساس؛ على الرغم من أن الطلاب سوف يجلسون لامتحانات شهادة أخرى توازي امتحانات شهادة الأساس؛ بغية نقلهم للمرحلة المتوسطة؛ بناء على قرارات وزارة التربية والتعليم بعودة المرحلة المتوسطة !
أيضاً كثير من المدارس الحكومية في حاجة للتأهيل وإعادة البناء والأعمار؛ وسقط بعضها وانهارت وخرت للأرض إبان فصل الخريف الماضي؛ سيما مدارس الأقاليم والولايات النائية ولم تقم الوزارة بتأهيلها حتى تكون مهيأة لاستقبال وتدريس الطلاب؛ الذين يتلقون دروسهم اليوم في مقابر و(خرابات) آيلة ومهددة بالسقوط فوق رؤوسهم في أية لحظة!
كل هذه الكوارث نسفت العام الدراسي عملياً وكتبت له شهادة الوفاة وهو الآن ميت سريرياً وإكلينكياً؛ ورغم ذلك تصر وزارة التربية والتعليم على استمرار الدراسة وتخدع وتكذب على الشعب السوداني؛ بأن العام الدراسي مستقر وكل (الأمور تمام وعال العال ومية المية) وتلك فرية وخدعة كبرى؛ كذبت بها الوزارة على الطلاب وأسرهم بل و(سحلت) فوق رؤوسهم!
ونحن لا نقول ذلك تخرصا أو استهدافًا للوزارة أو تجنيا عليها؛ بل نقوله بكل صدق وشفافية لأننا في قلب العملية التعليمية و(واطين الجمرة) ونقوم بتدريس الطلاب في المدارس الحكومية والخاصة وندرك الجريمة الكبرى التي ارتكبتها وزراة التربية والتعليم في حق الطلاب والتلاميذ؛ ونعيش مأساتها وتداعياتها القاتلة كل يوم !
ويعلم الله أًننا حينما ندخل الفصول لتدريس الطلاب الصغار وفلذات الأكباد؛ تتمزق نفوسنا وتنفطر قلوبنا ونبكي دمًا قبل الدموع جراء حال الطلاب البائس والحزين والمفجع!
فالطلاب واجمون وبائسون ومرعوبون؛ يطل من عيونهم الخوف والهلع والرعب؛ وهائمون في أودية الخيال وسمادير الخبال؛ ويجلسون أمامنا جسداً بلا عقل وبلا روح؛ وكل ذلك بسبب تلك الكوارث التي سقطت أو إن شئت الدقة فقل أسقطناها فوق رؤوسهم وحملناهم أوزارًا وأثقالًا عظيمة؛ أكبر من أعمارهم الغضة وعقولهم الصغيرة؛ وهم يأتون إلى المدارس مرهقين ومتعبين جراء السهر والوقوف لساعات طوال في صفوف الخبز والجوع من أجل حفنة رغيف لا تغني ولا تسمن من جوع؛ هذا إن وجدوها أصلا!
نعم نحن نلج للفصول يوميا ونشرح للطلاب المساكين الدروس المشوهة والمبتورة؛ ونحشو أدمغتهم بأوهام وأكاذيب كبرى؛ وهم لا يستوعبون حرفاً ولا يفهمون كلمة؛ ونعيد لهم الشرح مرات ومرات ولكن لا حياة لمن تنادي؛ وجوم وجمود وعدم فهم؛ ثم حينما نوجه لهم أسئلة الاستيعاب والفهم ولا يجاوبون؛ فننهال عليهم ضرباً وشتمًا وسبًا؛ ونصلي ظهورهم المنهكة وأجسادهم بسياط القهر والذل؛ ونلعن غباءهم وتخلفهم وعدم فهمهم وعدم استيعابهم لدروس الكذب والخبال والوهم الكبير!
وللأسف نحن نقسو على أبنائنا الطلاب ونزيد من أوجاعهم ومأساتهم؛ ونتحد مع الظروف القاتلة ضدهم؛ لكم الله يا أبناء السودان ومستقبل البلد؛ وغده المشرق وأيقونة البراءة والطهر والنقاء!
والحقيقة المرة التي لا نعترف بها نحن آباؤكم ومعلميكم؛ هي أننا سبب مأساتكم؛ نعم نحن من اغتلنا براءتكم؛ نعم نحن من دمرنا مستقبلكم؛ نحن من أضعناكم وقتلناكم ودفناكم أحياء!
ووالله العظيم نحن نحس بالخزي والعار والذل أمام نظراتكم الحزينة وعيونكم الداعمة حينما نقف أمامكم في الفصول نحمل سياط الهوان والقهر؛ ونحس بأننا تافهون حقيرون ساقطون؛ بل ولو استطعنا لهربنا من أمام نظراتكم القاتلة التي تخترق قلوبنا وتعلن إدانتنا وتحملنا مسؤولية تجهيلكم وتغييبكم وقتلكم معنوياً وروحياً ونفسيًا!
وبالله عليكم كيف يستوعب الطلاب الدروس وكيف يفهمون المقررات؛ وعقولهم سارحة ومشغولة بهم الرغيف والمواصلات و كيف يحضرون للمدرسة وكيف وكيف وكيف؟!
لكن السؤال الذي يطرح نفسه ويثور بقوة؛ لماذا أصرت وزارة التربية والتعليم على فتح المدارس واستمرار العام الدراسي وهو قد مات وشبع موتاً بسبب الكوارث التي ذكرنا بعضًا منها؟!
نواصل