د.عبدالناصر سلم حامد يكتب.. إدريس ديبي.. نهاية غامضة لرجل فرنسا في الساحل الأفريقي
مقتل الرئيس التشادي إدريس دبي أثار المخاوف بانزلاق الأوضاع في المنطقة إلى الأسوأ من الناحية الأمنية والاقتصادية والاجتماعية وأبدى الكثير من المحللين تخوفهم من انتقال الأزمة السياسية إلى دول الجوار السودان والكاميرون والنيجر نتيجة للتداخل القبلي بين هذه الدول.
حالة الاستقرار التي كانت سائدة في تشاد ربما لا تستمر طويلاً بعد مقتل ديبي حيث أعلن جيش تشاد تكوين مجلس عسكري انتقالي لإدارة البلاد برئاسة محمد ديبي، فيما تحاول المعارضة انتهاز الفرصة والانقضاض على السلطة حتى لو تظاهرت بأنها مع السلام والمفاوضات لجهة أنها لا تثق في المجلس العسكري الجديد في تشاد كما أنها ظلت تنتظر هذه اللحظة منذ “30” عاماً فترة حكم ديبي.
من المؤكد أن أي صراع في تشاد سينتقل للسودان، فهناك تداخل قبلي كبير، بين السودان وتشاد فنجد عددا كبيراً من قبائل دارفور تسكن في تشاد، والعكس نجد العديد من القبائل التشادية موجودة في دارفور، وهناك أيضًا قبائل مشتركة على الحدود بين البلدين، يتأثرون بالأوضاع أيضًا هنالك حوالي “350” ألف لاجئ سوداني بحسب إحصائيات منظمات دولية موجودون في تشاد منذ العام 2003 عقب اندلاع حرب دارفور، وفي المقابل قد يعود هؤلاء إلى السودان إذا ما تدهورت الأوضاع في دارفور وتتحول صفتهم هذه المرة من لاجئين إلى نازحين فيما ينتظر أن يلجأ سكان الشريط الحدودي التشاديون للسودان لولاية غرب دارفور القريبة من تشاد “20” كلم فقط .
مدينة الجنينة حاضرة ولاية غرب دارفور المتاخمة لتشاد تشهد وضعاً محتقناً واقتتالاً قبلياً منذ عامين بين المكونات القبلية المختلفة والتي لها امتدادات داخل الأراضي التشادية الأمر الذي ينذر بتفجر الأوضاع في ولاية غرب دارفور ومن ثم اتساع رقعة الفوضى لتشمل ولايات دارفور وهو ما تخشاه الحكومة السودانية التي سارعت بنشر المئات من الجنود والسيارات على الحدود السودانية التشادية تحسبًا لأي طارئ.
سياسيًا على مستوى العلاقات بين الخرطوم وتشاد شهد العام 2008 دخول قوات العدل والمساواة السودانية للعاصمة التاريخية أم درمان وما عرف آنذاك بعملية الذراع الطويل حيث اتهم نظام البشير الرئيس التشادي الراحل ديبي بدعم المتمردين فيما اعتبر المراقبون أن الخطوة جاءت ردًا علي دعم جهاز الأمن السوداني للمتمردين التشاديين الذين وصلوا أعتاب القصر الرئاسي في انجمينا لكن العلاقات تحسنت بعد ذلك واستقرت عقب توقيع بروتوكولات أمنية بين الطرفين انتهت بقيام القوات المشتركة ولاحقًا ساهم الرئيس التشادي الراحل إدريس دبي في عملية السلام التي وقعت في جوبا بتقريب وجهات النظر بين الحكومة الانتقالية وبعض حركات الكفاح المسلح الدارفورية.
ظلت القوات المشتركة السودانية التشادية التي تم إنشاؤها بموجب البروتوكول الأمني والعسكري الموقع بين تشاد والسودان في منتصف يناير من العام 2010 والذي ينص على إنشاء قوة عسكرية مشتركة قوامها 3000 جندي و360 شرطياً بواقع 1500 جندي و180 شرطياً من كلا البلدين ظلت تقوم بواجبها في حسم التفلتات الأمنية في الحدود طوال “11” عامًا شهدت خلالها المنطقة استقرارا أمنياً لم يعكر صفوه إلا القليل من الأحداث الصغيرة ولكن مقتل ديبي يعتبر هاجسًا لاستمرار هذه القوة من الجانب التشادي فلا أحد يستطيع أن يتكهن بأن هذه القوة ستظل متماسكة اذا ما احتدم الصراع التشادي خاصة وأنه صراع تفوح منه رائحة القبيلة، وربما يضطر أفراد الجيش التشادي للانضمام إلى مكوناتهم القبلية.
بجانب القوات المشتركة السودانية التشادية توجد قوات الدعم السريع التي تنشط في محاربة الهجرة غير الشرعية وضبط التهريب على الحدود المشتركة فضلًا عن الشرطة والأمن ورغم وجود هذه الأجهزة الأمنية إلا أنها ليست ضامنًا بنسبة “100%” لاستقرار المنطقة والدليل على ذلك ما حدث في مدينة الجنينة منذ العام 2019 من قتال قبلي اتهمت فيه بعض الجهات الرسمية بالمشاركة في القتال كل الى جانب مكونه القبلي.
الجماعات الدينية المتطرفة خاصة بوكو حرام تنتظر اندلاع العنف في تشاد والشريط الحدودي مع السودان لدخول المنطقة وسبق وأن حاولت ذلك عدة مرات لكنها تلقت هزيمة ساحقة من قبل القوت التشادية بقيادة الرئيس الراحل إدريس ديبي الذي قاد المعارك بنفسة ضد هذه التنظيمات الإرهابية التي اغتالت “98” جندياً في منطقة بوما غرب تشاد فيما رد الجيش التشادي عليها في عملية واسعة عرفت بغضبة بوما أعلن خلالها الجيش التشادي نظافة أراضيه من جماعة بوكو حرام التي حاول بعض أفرادها التسلل للسودان بعد الهزيمة على يد الجيش التشادي حيث تم القبض عليهم داخل الأراضي السودانية.
يتضح من خلال السرد للعلاقات بين البلدين أن ما يحدث في تشاد يتأثر به السودان والعكس صحيح، ولذلك من الحكمة أن تستمر العلاقات بين البلدين وأدركت معظم القوى الإقليمية لهذه الحقيقة فعقب مقتل ديبي مباشرة سارع المبعوث الفرنسي للسودان جان ميشيل دايموند، بلقاء نائب رئيس المجلس الرئاسي محمد حمدان دقلو لبحث الأوضاع في تشاد، حيث أكد المبعوث الفرنسي على ضرورة تطبيق تجربة السودان في تشاد بتكوين مجلس حكم مشترك يضم عسكريين ومدنيين مما يشير إلى وجود نوع من التطابق بين الأوضاع في البلدين.