عبدالله مسار يكتب.. أحمد هارون وتسييس العدالة
مولانا أحمد هارون بدأ عمله قاضياً ثم خطفته السياسة، عمل منسقاً للشرطة الشعبية، ثم وزير دولة بالداخلية، ثم والياً وأخيراً نائباً لرئيس حزب المؤتمر الوطني المحلول.
مولانا أحمد هارون لمن لا يعرفه هو شخص قوي وفارس وكريم وأخو إخوان، وهو رجل عملي ووطني ومُنفق وبار بأهله، ومتواضع ومسامح، وأيضاً صاحب قرار وإرادة ورجل صاحب مباديء، عمل بجهد فيما أعتقد وامن به.
مولانا أحمد هارون حكم ولاية جنوب كردفان، وفي عهده قالت الحركة الشعبية بقيادة الحلو “الهجمة أو النجمة” يعني إما الفوز بمنصب الوالي أو الحرب، وفاز أحمد هارون ولَم تفز النجمة وتصدى للهجمة وامن ولاية جنوب كردفان، ولولا الوالي أحمد هارون لسقطت ولاية جنوب كردفان في يد عبد العزيز الحلو – الحركة الشعبية لتحرير السودان.
مولانا أحمد هارون تولى شمال كردفان وأقام فيها نهضة غير مسبوقة، بل ابتكر النفير الأهلي لولاية شمال كردفان الذي عمل به عملاً كبيراً لتطوير شمال كردفان وفي عهده قام طريق أمدرمان – بارا – الأبيض.
مولانا أحمد هارون تصدى للتمرد في دارفور بقوة، واستبسل في ذلك استبسالاً شديداً دفاعاً عما كان يؤمن به.
مولانا أحمد هارون الآن محبوس في سجن كوبر لأكثر من عامين في تهم وجنح لا نعلم صوابها من خطئها.
علمنا من خلال الأسافير أنه رفض الإدلاء بأقواله لدى لجنة التحقيق في جرائم دارفور، لاعتقاده أن العدالة في بلده السودان قد سيّست، وأن حكومة الفترة الانتقالية قد سيّست العدالة، واشار الى أقوال بعض منسوبيها، واستدل بقول لرئيس الوزراء امام الجالية السودان في الإمارات المتحدة.
وطالب مولانا أحمد هارون أن يمثل أمام محكمة الجنايات الدولية بدلاً من أن يمثل أمام القضاء الوطني، لأنه يعتقد قد يكون في المحكمة الدولية نجاشي آخر زمان لا يُظلم عنده أحدٌ، ورغم علمه أن محكمة الجنايات الدولية هي محكمة مسيسة وأنشأت لمحاكمة الأفارقة ودول العالم الثالث، بدليل أن أمريكا لم توقع على ميثاقها ولَم تصادق عليه، بل منعت حتى رئيستها من دخول الولايات المتحدة الأمريكية، بل منعت كل منسوبيها وخاصة جنودها وقادتهم في العراق وأفغانستان وأماكن أخرى من العالم للمثول أمامها.
إذن هذه المحكمة ليست منصة ومنبراً للعدالة الدولية.
بعد كل معايب هذه المحكمة، مولانا أحمد هارون فضّلها على العدالة السودانية وطلب بشجاعته المعهودة أن يذهب الى لاهاي.
وأعتقد أنه آثر قول الشاعر
إذا لم يكن من الموت بد
فمن العجز أن تموت جباناً
أنا أعلم الأخ مولانا أحمد هارون هو رجل مباديء ورجل وطني وحريص على عزة وكرامة وطنه، وأعتقد أن الذي دعاه لطلب الذهاب الى لاهاي مقر محكمة الجنايات الدولية وبقرار شخصي وفردي منه هو الشديد القوي، ولذلك على السيد النائب العام وأجهزة العدل والعدالة في البلاد أن يقفوا برهةً لينظروا في الأسباب التي يرفض بها مواطن سوداني أن يُحاكم في بلاده ويفضِّل على ذلك حكم المحاكم الأجنبية، وشخص مثل مولانا أحمد هارون دارس وعالم في القانون.
الأخ د. الحبر النائب العام، هذا الموقف يستدعي من شخصكم وأنت سوداني وطني لا يُشك في وطنيتك، أن تراجع موقف العدالة في السودان وبصفة خاصة هؤلاء المحبوسين في ذمة جنح وتهم طال وتطاول أمر اعتقالهم، وهم وأسرهم وآخرون من دونهم يرفعون أكفهم الى السماء يدعون لك أو عليك وليس بين دعائهم ورب العدل حجاب.
أخي النائب العام، أنا أعرف أحمد هارون معرفة قوية وقريبة، لا يُمكن أن يُفضِّل عدالة الأجنبي على العدالة في وطنه وبني جنسه إلا إذا شَعَرَ فعلاً أنه لن تتحقّق له عدالة في وطنه.
أخي النائب العالم، الحكم عادة أوله سكرات وآخره فكرات، وانت المحامي الضليع الذي نجحت في إخراج عدد مقدر من مظاليم ترافعت عندهم، بل أطلقت بعضهم من حبل المشنقة، وأنت الآن في مقام ومكان العدل، والعدل لا يعرف الخصومة الشخصية ولا المزاج ولا تركمه المظان، وخير لك أن تبريء ألف ظالم من ان تدين مظلوما واحداً.
أخي النائب العام، الثورة رفعت شعار (حرية.. سلام وعدالة)، وتحقيق شعار العدالة يحتاج الى الصبر عليه وتحقيقه يشمل الكل، ومعلومٌ ان القاضي يحكم بالوقائع والبيِّنات ولا بعلمه ومعرفته.
السيد رئيس مجلس السيادة والسيد نائب رئيس مجلس السيادة
والسيد رئيس مجلس الوزراء.
السودان بلدٌ هشٌّ وفيه ترابط أسري كبير، وبه علاقات ممتدة، راعوا في الحكم هذه العلاقات قبل أن تراعوا حكم القانون وهنالك المصالحات والحلول العرفية.
مواطن سوداني مهما ارتكب من جرائم يطلب العدالة الدولية على العدالة الوطنية أمرٌ خطيرٌ.. أرجو أن تنتبهوا لذلك.
أيها الحكام.. الوطن.. الوطن.. الوطن.. والمواطن السوداني أهم من الحكم.
تحياتي