سد النهضة.. موقف الثلاثي وحتمية التفاوض!
تقرير- عبد الله عبد الرحيم
مع اقتراب موعد الملء الثاني لسد النهضة الإثيوبي بدأت العديد من التحركات في الساحة الدولية والسودانية والمصرية، فقد شهدت الساحة تحركات بعد أن أبدت الولايات المتحدة رغبتها في التدخل بشكل أكبر لدفع المفاوضات المتعثرة بين أطراف الأزمة الثلاثة، السودان – إثيوبيا- مصر. وقد دفعت واشنطن بتعيين مبعوث أميركي جديد للقرن الإفريقي، ومبعوثين للسودان لمقابلة البرهان والقيادات الانتقالية فيما أجرت لقاءات مهمة في ذات الإطار بالقيادة السودانية.
فيما لم تغب عن الساحة تساؤلات عدة بشأن فرص نجاح الدبلوماسية الأميركية عبر تدخلاتها هذه المرة بعد أن فشلت في التوسط لحل الأزمة العام الماضي، حينما استضافت أطراف الأزمة بواشنطن في لقاءات مشتركة وكادت أن تسفر عن اتفاق ثلاثي لولا أن انسحبت الحكومة الإثيوبية في اللحظة الأخيرة من ذلك الاجتماع. في الوقت الذي أبدت فيه أطراف إقليمية أيضاً التدخل لحسم القضية والوصول بها لنقاط مشتركة بين كافة الأطراف. فأوغندا أعلنت أمس الأول تدخلها لحل الأزمة بعد أن أعلن موسفيني رغبة بلاده التدخل لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء الأفارقة الثلاثة. وأكدت وزيرة الخارجية د. مريم الصادق، أنّ بلادها تمنح الملء الثاني لسدّ النهضة أهمية قصوى، لجهة أنّها قضية أمن قومي تهدّد حياة السودانيين على ضفاف النيل الأزرق. وأشارت مريم الصادق إلى ضرورة التوصّل إلى اتّفاقٍ قانوني شامل وملزم بين الدول الثلاث بشأن قواعد ملء وتشغيل السد قبل يونيو المقبل. والتقت وزيرة الخارجية مريم الصادق، برئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية ورئيس الاتحاد الإفريقي فيليكس تشيسيكيدي. وفي السياق، أعرب الرئيس تشيسيكيدي رئيس الاتحاد الإفريقي الحالي عن تفهمه لموقف السودان، ومطالبه الواضحة. وقالت وزارة الخارجية، إنّ إثيوبيا تقوم بمحاولات للتنصّل من الاتّفاقيات الدولية، وحذّرت من أنّ “الاستمرار في عرقلة التفاوض لفرض سياسات الأمر الواقع لا يخدم حسن الجوار وأمن الإقليم”.
الحرص على التفاوض
في الوقت ذاته قال وزير الري ياسر عباس، إن مجلس الأمن الدولي لم يرد بعد على الإحاطة التي أرسلها السودان حول مخاطر الملء الثاني على السودان. وأضاف البروفيسور ياسر عباس وزير الري في تصريحات خاصة لقناة «الغد» أمس الثلاثاء: إن السودان حريص على التفاوض حول سد النهضة، وليس التفاوض من أجل التفاوض. وأوضح: نحتاج إلى إرادة سياسية للوصول إلى حل حول خلافات سد النهضة. وأتبع: السودان لا ينسق مع أحد ضد إثيوبيا، نحن ننسق مع مصر فقط حول مواقفنا المتطابقة. مؤكداً أن المجتمع الدولي والإثيوبيين يعلمون تماماً الآثار السالبة لسد النهضة وتأثيراته على السودان، وأن خطر سد النهضة يمثل خطرًا على تشغيل سد الروصيرص. مشددًا على أن ما يطلبه السودان لا يمس مصالح إثيوبيا المائية. وأشار إلى أن أي ملء لسد النهضة في مايو ويونيو يهدد توليد الكهرباء بالسودان، خاصة وأن قرب سد النهضة من سد الروصيرص يمثل تهديداً للسودان حال لم يتم توقيع اتفاق. وأكد عباس أن الاتفاقيات التاريخية حول مياه النيل ملزمة لإثيوبيا، خاصة وأن السودان أكمل دراسة قانونية في مواجهة إثيوبيا وشركات منفذة لسد النهضة. وأتم: المفاوضات السابقة كانت غير جادة، لذا اقترحنا الرباعية الدولية.
مواجهات مصيرية
ويقول د. محمد مازن عثمان الأكاديمي والخبير في الشؤون الدولية لـ(الصيحة)، إن الأيام تقلصت بصورة كبيرة نحو الملئة الثانية لسد النهضة فيما لم توافق دولتا المصب السودان ومصر على الخطوات الاثيوبية الأحادية في ملء السد في فترته الثانية، ويقول إن هذا الأمر من شأنه أن يضع البلدان الثلاثة في مواجهات مصيرية، لجهة أن السد من أكبر المهددات لدولتي المصب إذا قامت إثيوبيا بتنفيذ الملئة الثانية بانفراد. ويرى عثمان أن السد عبارة عن سلاح بيولوجي خطير يمكن أن يهدد سكان كل المناطق تحته بالإغراق التام والكامل ويهدد بنسف السدود المقامة على النيل الأزرق كلها من الروصيرص وإلى سد أسوان والسد العالي لطبيعة البناء العالي الذي تميز به. وقال إن معارضة دولتي السودان ومصر معارضة موضوعية وليست تزايدية وأنه لا يضيرها شيئاً إذا لم يكن هناك أضرار من الملء الثاني التي تنوي إثيوبيا إنفاذه خلال شهر يونيو المقبل.
أضرار الملء
فيما يرى الكاتب علي مالك أن إصرار الجانب الإثيوبي على رفضه كل الوساطات الدولية والإقليمية التي عرضت عليه من قبل المجتمع الدولي والسودان ومصر إصافة للقمة الرباعية التي عرضها السودان ولم تأت بالحلول الممكنة ورفضتها إثيوبيا يضع دولة إثيوبيا أم تحدٍّ كبير ومواجهة حقيقية مع دولتي مصر والسودان لجهة أن الأمر صار أمر أمن وطني لكليهما ومن مصلحة إثيوبيا مراعاة مصالح غيرها من دول الإقليم التي تشترك معها في الطبيعة الجغرافية ويربطها مجرى نهر النيل. وزاد: ملء بحيرة السد على الطريقة الإثيوبية من مخاطره إغراق الخرطوم والقاهرة ومن الأجدى مشاركة اُثيوبيا هذه الدول مخاوفها، جراء قيام السد وطمأنتها بمرحلة ملء بحيرته على مدى طويل حتى لا يؤثر على البنى التحتية لدول المصب وعلى الواقع الاقتصادي لها القائم على الزراعة في أغلبه. وقال إن إثيوبيا بهذا التعنت قد تنسف كل الحجج التي تدعيها من أن هذا السد شيد من أجل التوليد الكهربائي وليس الإضرار بدولتي المصب من خلال التحكم في كمية المياه الواردة إليهم. فإذا كان إدعائها هذا صحيحاً فلماذا ترفض القبول باتفاقية دولية تجبرها على فتح قنوات المياه وتتركها تذهب لدولتى المصب؟.
إعادة قراءة
فيما يرى د. أبوبكر آدم المحلل السياسي لـ(الصيحة) أن التغيير السياسي الذي حدث في السودان هو من علامات وأسباب هذا التغيير في خارطة أزمة سد النهضة لجهة أن السودان يعاني من أزمات حدودية مع مصر وكانت العلاقات بينهما تشتد حيناً وتتجذر أحياناً أخرى ولكن عقب التغيير الذي حدث في السودان يلاحظ الاتفاق الكبير بين الدولتين في النظرة المستقبلية والرؤية بشأن سد النهضة وتحديداً الزراعة في كليهما. ويرى أبوبكر أن اثيوبيا لم تمنح السودان ضمانات كافية بشأن سد النهضة قيامه وملئه لذلك خسرت جانب السودان الذي أعاد قراءة المشهد من زاوية ثانية بصورة متأنية ووجد فيها أن موقف جاره شمال الوادي هو الصحيح لجهة أن إثيوبيا لا تزال تتمسك بموقفها من ملئه وبذات الطريقة الأحادية ما يمثل خطراً كبيراً على السودان وشعبه، ولذلك جاءت تغييرات الموقف في الجانب السوداني. وأكد أبوبكر أن السودان لا يدافع عن أجندة لطرف آخر كما تدعي إثيوبيا ولكن الواقع والضرورة هي التي تدفعه للوقوف لجانب مصر التي تجد نفس الموقف السوداني.
تأكيد الالتزام
وتأتي الجهود الدولية الحالية في وقت تمضي فيه إثيوبيا نحو تنفيذ خططها، حيث قامت الأسبوع الماضي بفتح البوابات العلوية للسد وذلك بهدف تخفيض المياه استعدادا لعمليات صب الخرسانة وتعلية السد إلى مستوى قد يصل إلى 595 متراً تمهيداً للبدء في الملء الثاني لبحيرة السد. وجاءت الخطوة الإثيوبية بعد دعوة تقدم بها عبد الله حمدوك لنظيريه المصري مصطفى مدبولي والإثيوبي آبي أحمد لعقد قمة ثلاثية لبحث الخلافات حول السد، الدعوة التي لم تجد القبول والتوافق من الجانب الإثيوبي حتى هذه اللحظة، الأمر الذي يضع البلدان الثلاثة أمام مواجهات قادمة إلا إذا استطاعت تجديد الالتزام السياسي بالتوصل لاتفاق في الوقت المناسب قبل المدة المحددة من قبل إثيوبيا لملء السد في فترته الثانية.